العداء السافر الذي اعلنه النظام البائد تجاه القويين العظميين – امريكا وروسيا – قبل ثلاثين عاماً، يتحول الى محاولات مستميتة لكسب ود انظمة الحكم في هذين البلدين الكبيرين، فكل من عاصر السنوات الاولى لحكم الدكتاتور صك اذنه هتاف قوات الدفاع الشعبي – (امريكا روسيا قد دنا عذابها، علي ان لاقيتها ضرابها)، في ذلك الوقت لم يخطر على بال احد أن رأس نفس النظام، سوف يأتي عليه يوم يهرول فيه نحو ضاحية سوتشي ليطلب امام الملأ الحماية، ويترجى الاستنصار بالدب الروسي الذي اعلن عليه الحرب من قبل، ولم يتصور اندادنا آنئذ أن (الطاغية) الامريكان سيبنون اضخم سفارة لهم بقلب عاصمة اللاءات الثلاث، لكنها اقدار صولة القط المستأسد التي تورده موارد الهلاك المستحق، لقد وجّه عقلاء ذلك الزمان النصح لقادة تلك الحقبة بأن عواقب الخطوة المستعدية للمحيط العالمي والاقليمي، ستكون هي الداء المقيم المانع لازدهار الوطن، والمعطّل للتنمية المرتبطة ببناء العلاقات الاقليمية والدولية المتوازنة، لقد دهش المراقبون للشأن السوداني ايما دهشة عندما انقلبت الامور رأساً على عقب، فوقعت البلاد بين فكي روسيا واستسلمت لذراعي امريكا. إنّه الاستسلام البائن الذي ابداه رأس النظام البائد الذي ادى لتفاهمات بين الروس والمنظومة البائدة، هنالك تقرير اوردته صحيفة الراكوبة الالكترونية نقلاً عن العربي الجديد، يقول ان لدى روسيا عدة شركات تعمل في مجال التنقيب عن الذهب والمعادن الاخرى بولايتي نهر النيل والشمالية، وعلى رأسها شركة (ميرغولد) التي منحها رأس النظام البائد حق هذا الامتياز، ويقول التقرير ان الروس يسعون للسيطرة على البحر الاحمر، بانشاء قاعدة عسكرية تكون رقيبة على باب المندب وقناة السويس، ويوضح ذات التقرير ان التعهدات المبرمة بين روسيا والرئيس المخلوع، مازالت مرعية من قبل المكون العسكري في الحكومة الانتقالية – خاصة بعد الانقلاب العسكري، وبدا ذلك جلياً في موقف روسيا بجلسة مجلس الامن المنعقدة بخصوص الانقلاب، فقد كان موقف الصين وروسيا مؤيد للانقلابيين، وكما هو معلوم بداهة ان الاولى لها استثمارات ممتدة داخل الدولة السودانية طيلة فترة حكم الرئيس المخلوع، فما بين روسيا العدو المستهدفة بشعارات الدولة الرسالية، تتحول روسيا (الشيوعية) هذه الى حامٍ لحمى الارث (الاسلامي) البائد. من الجانب الاخر يعمل الامريكان بجهد كبير لكي يوائموا ما بين المكون العسكري الانقلابي، وبين المدنيين الحمدوكيين المتساهلين والساعين لاستمرار الشراكة المطعونة من الخلف بخنجر العسكريين، فالمصالح الامريكية لا تقبل التأجيل، ولكن في ذات الوقت تستحي من ادارة ظهرها لقيم ومباديء الديمقراطية والحكم المدني، وبينما يمسك اليانكي الامريكي العصا من منتصفها يقوم الدب الروسي بامساك عصا العسكر من طرفها الاخير لينقض بها على سلطة الدولة، وما بين الماراثونات الدبلومساية الامريكية والتحركات الروسية، تفيض شوارع الخرطوم بالمليونيات الجماهيرية المطالبة بتنحي البزة العسكرية، والداعية لاقامة نظام الحكم المدني الكامل الدسم غير المنتقص، فوقوع السودان بين مطامع العالم واطماع الاقليم جعل قضيته رهينة باتفاق الأكلة، لأنه اصبح مثل قصعة طافحة وناضحة بشهي الطعام ومرمية امام هؤلاء الآكلين، إن لم يصل المتأهبون للانقضاض عليها لصفقة عادلة فيما بينهم هنالك احتمالان، الأول أن تتصارع هذه الفيلة فتموت الحشائش تحت اقدامها الغليظة، والثاني أن تكتسح السيول المليونية الجارفة الجميع ويصنع الشعب دولته. البلدان التي يشابه حالها حال السودان، من حيث التركيبة الفسيفسائية السكانية المعقدة والمتنوعة والمتعددة، تكون سهلة الابتلاع للعمالقة المسيطرين على الكرة الارضية، فالضرب على وتر الانقسام الذي تسوقه اجهزة المخابرات المتوغلة في عمق لحمة الجسد الوطني، والمتمظهرة في الاصوات العالية المنادية والمبشرة بتفتيت عظم الوطن، هذا الضرب ما هو الا ترتيب منظم ومدعوم وله صلة وطيدة باجندة القويين العظميين المتصارعتين حول ثروات ارض السمر، فالذهب واليورانيوم والمعادن النفيسة الاخرى لن تذهب مع الشخص الخطأ، الا بعد ان يضرب هذا الشخص اسفين الشقاق بين الاشقاء وابناء العمومة وبنات الخؤولة، وخير توصيف لهذه الخصيصة تجده في المثل الدارفوري - كلاب كن داوسو بخت ارنب (اذا تقاتلت الكلاب فصاحب الحظ السعيد هو الأرنب).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة