في السابع عشر من شهر ديسمبر قبل تسع سنين، اشعل المواطن التونسي البوعزيزي النار في جسده، احتجاجاً على بؤس الحال المعيشي، فادت تلك الشرارة الى هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ليترك بلاده لعهد جديد انتهى في آخر المطاف بقيادة الرئيس الحصيف قيس السعيد للجمهورية التونسية، بعد ويلات من مخاض وآلام الديمقراطية التي مكّنت لحركة النهضة الاخوانية في الأول، فهل هي الصدفة أن يكون شهر ديسمبر هو القاسم المشترك بين الثورتين التونسية والسودانية؟، ام أن هنالك اوجه اخرى للشبه والمقاربة بين الحيثية والصيرورة التي آل اليها كل من هذين الحراكين الشعبيين المميزين؟، على الرغم من أن الفارق الزمني كبير بين ميقات انطلاق الحدثين (عقد من الزمان)، فاذا كان هنالك ثمة خصيصة جمعت بين الحالين تكون هي الغضبة والهبّة الجماهيرية العارمة ضد الدكتاتورية وحكم الفرد وجبروت الحزب الواحد، وعدم اكتمال نصاب الثورة والاخفاق في انجاز الهدف الاسمى الذي ثار الشعبان من اجله، زد على ذلك الدور المحوري للاخوان المسلمين المؤجج للصراع السياسي في البلدين. في الحالة التونسية نجد ان جماعة الاخوان المسلمين ممثلة في حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي، كانت خارج اسوار السلطة ابان حكم الرئيس التونسي المطرود زين العابدين، لذلك وجدت زخماً سياسياً بعد ان ازال الشعب التونسي الدكتاتور من العرش، بعكس الحالة السودانية التي كانت فيها الجماعة الاخوانية بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير هي المسيطرة على مقاليد الحكم، وهي المستهدفة بهتاف الثوار – حرية سلام وعدالة، فكانت ومازالت – خاصة بعد انقلابها الاخير – هي المتحكمة في مصير البلاد، بالرغم من استمرار جذوة الثورة وازدياد وتيرة الغضب الشعبي بعد عامين وثمانية اشهر من خلع رأس النظام، وبالرغم من وجود رئيس الوزراء المدني الممثل الشرعي لحكومة الثوار (مع التحفظ)، ففي تونس وبعد ان احكم الاخوان قبضتهم على البرلمان مارسوا هوايتهم المعهودة – التمكين – فمكّنوا عضويتهم من غالبية المواقع المفتاحية بالسلطة، وشابت قيادتهم ورمزيتهم (المقدسة) شبهات فساد وطفح الكيل بالشعب التونسي، فقام الرئيس المنتخب بتجميد البرلمان وحل الحكومة التي عيّن لها رئيساً لاحقاً والذي بدوره شكل منظومته الجديدة. الثورة السودانية لم تحزم امرها كما فعلت رصيفتها التونسية بعد تسع من السنين، اذ ما زالت وبعد ثلاث سنوات تقاوم التمكين الاخواني المتمثل في المكون العسكري الشريك المنقلب على شركاءه المدنيين، فانتكاسة الثورة التونسية كانت في الشراكة الديمقراطية بين حركة النهضة وبقية الاحزاب التونسية بعد اقتلاع رأس النظام، وتمظهرت في ذلك التعنت والتشاكس الاخواني الذي استمر مدة قاربت العقد من الزمن، ثم حدثت الانفراجة بقرارات الرئيس قيس السعيّد، كم عدد السنين التي يحتاجها الثوار السودانيون الذين ما فتئوا يدشنون المليونيات لكي يجتثوا جذور تمكين اخوان السودان؟ لقد وضح من التجربتين التونسية والمصرية أن الاخوان إن جاءوا للحكم على ظهر دبابة أو أتت بهم صناديق الاقتراع، يستغلون جهاز الدولة في ترتيب اوضاعهم الحزبية ويجيرون المنفعة العامة لصالح عضوية الحزب، حدث هذا في السودان بشكل فاضح وبمصر في فترة عام واحد ابان تولي الرئيس الراحل محمد مرسي لشئون الحكم فيها، واخيراً بتونس، ولو لا لطف الله بالتونسيين أن وهبهم ابن السعيد لما استطاعوا لجم التنين الاخواني. الشعبان السوداني والتونسي يميزهما الوعي السياسي بخلاف كثير من شعوب المنطقة، لذلك لا تجد الاستكانة طريقا الى قلوبهم، لقد قاوم التونسيون الدكتاتورية فاصطدموا بدكتاتورية هتلرية اخرى، جعلت من الاستحقاق الديمقراطي مطية للاستحواذ السلبي على مراكز القرار، فمانعوها ووقفوا في وجهها وشاهدنا القتال الشجاع والمستميت في البرلمان، بين رئيسة الحزب الدستوري المرأة الحديدية عبير موسي وزعيم حركة النهضة رئيس البرمان، فلم تهن ولم تستيئس حتى بعد تعرضها للضرب والتعنيف الجسدي من احد اعضاء البرلمان الموتورين، نفس القتال الشجاع نراه اليوم من كنداكات المقاومة السودانية اللائي قدمن الشهيدة ست النفور، فما بين تونس والسودان محطات مشتركة في طريق النضال والكفاح من اجل الديمقراطية وبناء دولة المواطنة والمؤسسات، وكما وصل التونسيون بعد عشرة اعوام لتخليص دولتهم من المخرّبين، سيصل السودانيون والسودانيات لخلع آخر ضرس مسوّس قريباً ان شاء الله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة