هناك أزمة عويصة سببها غياب الإستراتيجية السياسية المكرَّبة للتعامل مع فزاعات و خزعبلات الإنقلابات العسكرية التي تطلقها قيادة المؤسسات العسكرية و الأمنية كلما وجدت نفسها في مأزق لتصدقها غالبية مكونات القوى السياسية التي تعيش في غيبوبة من أمرها إن أحسن الثوار و الثائرات الظن في كل مكونات القوى المحسوبة على الثورة و لم يتهموا البعض منها بالتآمر و التهافت نحو كراسي السلطة في الفترة الإنتقاليى لتحقيق مكاسب حزبية سياسية رخيصة لا علاقة لها بأهداف الثورة العليا.
العساكر ليسوا بأكثر ذكاءً من مكونات القوى السياسية و لكنهم يظهرون كذلك بسبب الإنقسامات الأميبية غير الراشدة التي تجيدها القوى المحسوبة على الثورة.
معيار العساكر الذي يحددون به مفهوم القوى السياسية الوطنية لا يتجاوز نظرتهم إلى القوى المتماشية مع إختطافهم للثورة و أما القوى السياسية التي ترفض إختطافهم للثورة و ترفض كذلك التدليس السياسي الحالي هي بالضرورة القوى غير الوطنية.
الأزمات السودانية منذ عام الرمادة سببها القوى السياسية و ليس العساكر المحترفين أو الجربندية.
كل الإنقلابات العسكرية السودانية كانت من تدبير بعض القوى السياسية المعروفة و لم يقم بها العساكر الذين رفضوا الفطام بعد أن تذوقوا حلاوة السلطة في أول إنقلاب لهم بتاريخ 17نوفمبر 1958م بقيادة الجنرال الراحل إبراهيم عبود و من بعد ذلك جاء الإنقلاب تلو الإنقلاب حتى أصبحت بعض قوانا السياسية تفتخر بوجود عناصر لها في المؤسسات العسكرية التي على رأسها الجيش الجنجويدي الأول في السودان ذلك الجيش الذي أنجب المليشيات العسكرية لمنازلة القوى الثورية في الهامش السوداني منذ أغسطس 1955 لصالح الحكومات المركزية المتعاقبة.
غالبية مكونات القوى السياسية السودانية المشاركة صُورياً في الحكومة المحسوبة على ثورة ديسمبر العظيمة تدفع الآن ثمن هرولتها نحو العساكر و لجنتهم الأمنية غالياً لتدخل نفسها في جحر ضب خرب.
إنَّ الهدف الإستراتيجي من الترويج للإنقلابات العسكرية من قِبل العساكر هو أن تنسى الحركة الجماهيرية الثائرة الإنقلاب الذي شرعنته الوثيقة الدستورية الكارثية و وفَّرت له غطاءً سياسياً تلك الوثيقة التي تمَّ خرق كل بنودها حتى كادت ألا تصبح فيها مادة دستورية واحدة صالحة للعمل بها.
لابد من الشفافية عبر المحاكمات العلنية لمعرفة حقيقة الإنقلابات العسكرية المزعومة بعد النجاح الجزئي للثورة و ذلك بهدف منع السواقة بالخلاء و أي تدابير غير ذلك سيكون موضوع الإنقلابات العسكرية عبارة عن ونسات فارغة لإلهاء الناس عن إنجاز أمهات القضايا السودانية الثورية المعلَّقة ما بين السماء و الأرض بسبب ضعف و هوان الحركة السياسية السودانية.
كل هذه النواقص الثورية و غيرها الكثير تفيد بوجود ألاعيب طرفها العساكر بهدف نجر و صناعة الإنقلابات العسكرية و تؤكد كذلك بأن الحركة السياسية السودانية مجرورة مثل الترلة من قبل ذات العساكر.
بناءً على هذه المعطيات التي أمام الناس فالحركة السياسية السودانية لا تصنع الأحداث و إنما تلاحقها ببيانات خائبة من نوع نُدين و نستنكر و نشجب الإنقلابات بدون العمل على معرفة الحقيقة!
نذكر هنا بعض النواقص الثورية على سبيل المثال لا الحصر لنؤكد بأن العساكر يتلاعبون بالقوى السياسية الهشة في كل شيء:
1/عدم تسليم المطلوبين للجنائية الدولية.
2/عدم تكوين المجلس التشريعي.
3/عدم الجدية في المفاوضات مع الحركة الشعبية في جوبا و إنسحاب وفدها.
4/عدم جدية لجنة نبيل أديب.
5/عدم تطبيق بند الترتيبات الأمنية لإتفاقيات جوبا.
6/عدم إعادةبناء و هيكلة المؤسسات العسكرية و الأمنية و العمل على حل مليشيا الدعم السريع الصغرى لترتيب أمر المليشيا الكبرى الجيش السوداني.
7/إستمرار إرتزاق الجنود السودانيين من مليشيا الجيش و الدعم السريع في اليمن مقابل المال بعد إهدار كرامة السودانيين/ات قبل الثورة و بعدها.
8/التفريط في إستتباب الأمن بل إستخدام إشاعة الفوضى و السرقات و إرهاب المواطنين كورقة سياسية من قبل العساكر.
9/تجاهل الأزمة السودانية في الشرق لتتفاقم و تصبح أكثر تعقيداً.
10/ عدم ترتيب أوراق السلطة القضائية من نائب عام و رئيس قضاء و محكمة دستورية ...إلخ.
11/ عدم المطالبة بتسليم المجرم صلاح قوش المتواجد في مصر.
12/ عدم المطالبة بتسليم الجاسوس طه عثمان الحسين المتواجد في السعودية.
13/ عدم المطالبة بتسليم الكيزان المتواجدين في تركيا.
14/ عدم إجراء المحاكمات الجادة لرموز النظام الذي ثار ضده الناس.
15/ عدم إزالة التمكين الحقيقي في البلاد المتمثل في وضع وزارة المالية الإتحادية يدها على الأموال و الشركات التابعة للمؤسسات العسكرية و الأمنية ...إلخ.
إنَّ المكاواة السياسية و الهتافات و المؤآمرات و البنجسة السياسية و القوالات و الشمارات و الدسائس المنتشرة في أوساط القوى السياسية المحسوبة على الثورة ضد بعضها البعض هي التي قادت إلى هرجلة حميدتي و البرهان بعد تقديمها لمسرحية الإنقلاب المزعوم بالأمس ما لم تثبت السلطة القضائية علناً للجماهير وقوعه.
كان لابد من أن تتوخى الحركة السياسية الدقة لتتأكد عبر محاكمات علنية تقوم بها السلطة القضائية و ليس العساكر أنفسهم ليكونوا الخصم و الحكم في عهد حكومة جاءت بها ثورة لتتأكد من خيوط المؤآمرات الإنقلابية لأن هناك شكك كبير في كونها حصلت و قد تكون هناك تصفيات في داخل المؤسسات العسكرية نفسها لتؤول ملكيتها بالكامل للبرهان و حميدتي و لذلك بدلاً من إعمال العقل لمخاطبة الأحداث بهدوء و بعد دراسة متأنية فإذا بغالبية مكونات القوى السياسية تهرول نحو العساكر لتعطيهم شيكاً على بياض بإدانتها للإنقلاب بدون معرفة حقيقة ما جرى عبر السلطة القضائية التي يجب أن مُستقِلة و ليست مستغَلة كما هو حادث الآن.
عليه فإنَّ الخطاب السياسي الممجوج الذي ردده البرهان و حميدتي بعد حادثة الإنقلاب المزعوم هو خلاصة للشمارات و القوالات و السواطات التي ينقلها إليهما بعض المحسوبين على الثورة و لذلك لا خير في حركة سياسية تشتكي بعضها البعض إلى العساكر لكي تستقوى بهم بدلاً من جلوس مكوناتها مع بعضها البعض لحلحلة كل الخلافات السياسية لمصلحة مستقبل الثورة.
تلاحظ الحركة الجماهيرية الثائرة بأن غالبية البيانات السياسية الصادرة بالأمس و كأنما هناك مهرجان لها في سوق عكاظ السياسي السوداني إعتبرت رواية البرهان عن الإنقلاب صحيحة بنسبة مائة في المائة دون ترك خط رجعة لتقييم الإنقلاب بعد أن تناست هذه القوى السياسية التي تجيد الهرولة نحو العساكر بأن راوي قصة الإنقلاب هو نفس البرهان الذي فضَّت القوات التي يشرف عليها و يديرها وحده لا شريك له و كأنما ورثها من جهة ما جمهورية الإعتصام العظيمة.
لم تسأل القوى السياسية المهرولة كيف إستطاعت قوات البرهان إخماد الإنقلاب المزعوم بينما فشلت ذات القوات في حماية المدنيين الذين كانوا يقيمون في جمهورية الإعتصام المغدور بها من أجل مستقبل أفضل و لم تسأل هذه القوى السياسية المهرولة نفسها عن لماذا لم تصدر البيانات السياسية بنفس الطريقة التي أدانت فيها الإنقلاب المزعوم لتسأل لجنة الأستاذ نبيل أديب عن أين تقف الآن؟ و لماذا تأخر تقريرها عن جريمة فض الإعتصام؟
لكن يبدو بأن غالبية مكونات قوانا السياسية قد تناست جريمة فض الإعتصام مثلما تناست تماماً تسليم المطلوبين للجنائية الدولية في سبيل الجلوس على كراسي السلطة و إن كان هذا الجلوس صُورياً.
الخلاصة لا يمكن أن تعطي قيادة المؤسسة العسكرية الكيزانية أو الإنتهازية حتى الآن عبر البرهان و حميدتي الحركة السياسية السودانية دروس عصر في الوطنية و معلوم بالضرورة بأنَّ ليس من مهام العساكر وضع السياسات و الإستراتيجيات لإدارة شئون البلد لأنَّ مهام العساكر الأساسية تتمثل في تنفيذ السياسات العسكرية و الأمنية التي تضعها الإرادة السياسية لحماية حدود البلاد و حماية المواطنين بعيداً عن ترديد قوانا السياسية البغبغاوي عن شراكتهم المزعومة مع العساكر بعد أن تناسوا بأنَّ الشركة الحقيقية مع الحركة الجماهيرية الثائرة رغم إنحياز العساكر لها في اللفة الأخيرة و الذي إتضح بأنه كان إنحيازاً بمقابل وهو سرقة الثورة و عرقلة مسيرتها وليس إنحيازاً مبدئياً من أجل مدنية الثورة كما لا يمكن أن تنجز الثورة مهامها و تصل إلى غاياتها النبيلة بدون وحدة القوى المحسوبة على الثورة نفسها و لا يمكن أن تصل الثورة إلى أهدافها بدون إعادة بناء و هيكلة المؤسسات العسكرية و الأمنية المهدد الأول لإستقرار الفترة الإنتقالية و بالتالي مستقبل الثورة و لا يمكن أن تتقدم الثورة شبر إلى الأمام بدون تحقيق السلام الشامل في السودان و لذلك كان الأحرى بهذه القوى السياسية المهرولة أن تصدر بياناتها السياسية بعد توقف المفاوضات في جوبا مع الحركة الشعبية التي يترأسها القائد عبد العزيز الحلو و إنسحاب وفدها المفاوض من هناك بدلاً من ملء الأسافير ببيانات الولاء و الطاعة للعساكر لتؤكد عبرها حدوث محاولة إنقلابية عسكرية لا تملك عنها هذه القوى أبسط المعلومات الأولية لأن الوثيقة الدستورية الكارثية منعت الإرادة السياسية من الإقتراب من المؤسسات العسكرية و الأمنية و بالتالي صارت المعلومات عنها شماراتية و سماعية خالصة.
برير إسماعيل
22 سبتمبر 2021م
عناوين مقالات بسودانيز اون لاين الان اليوم الموافق 22/9/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة