لا يمكن بحال من الاحوال توصيف الاحداث الدامية التي ظلت تتنامى وتيرتها وترتفع درجة خطورتها يوم بعد يوم بالعشوائية، كما ان النمط المتبع لشكل تأجيجها يوضح جليا نوع العقلية التي تدير كل هذا السيناريو ونمطية ومحدودية فكرها وآلياتها.
امر لا تتناطح فيه عنزان ان العقلية العشائرية التي لا تطمئن الا لنوعها ولا تضع ثقتها سوى في من يشاركها الدم والرحم، ولا تملك الافق والثقة الكافية للانخراط في مجتمعات كبيرة ومفتوحة والتفاعل معها بأي شكل من الاشكال، هي وحدها القادرة على الالتزام بمثل هذا القبح الذي يستحيل ان يصدر عن شخصية وعت وفهمت ضرورات التعايش السلمى والسلم المجتمعي كقيمة اجتماعية تسهم في اثراء العلاقات الانسانية بين الكتل المجتمعية المتباينة ثقافيا وفكريا.
والحريق والحرب اللذان يمارسان على السودان الان بإيعاز من (ذو العشيرة ) انما هي حرب على الشخصية السودانية في مكنونها ذو التشكيل الوجداني المدني الذي وإن مارس (القبيلة) فانما يمارسها في اطارها الثقافي المحدود الذي اسهم على مر الازمان في ازكاء روح السلام فيها وساعد بشكل كبير في تخلق تلك الشخصية المتفهمة والمتوسعة في اسقاطاتها الايجابية على من حولها والكافة شرورها عن الناس.
لَمْ يَعْرِفْ السوداني القبيلة كأداة من ادوات الحكم، فللقبيلة بحسب موروثه مضامير اخرى تفلح فيها غير السياسة لهذا فهو ساقط وفاشل كبير في ادارة مثل هذه الحروب التي ترتكز على ازكاء النعرات ولا يعرف ادواتها كما تفعل شخصية ( ذو العشيرة) لهذا فهو مهزوم.. مهزوم فالاولى تعرف جيدا ادوات حربها وتفلح في ميدانها بشكل سافر وقبيح لهذا فهي ،وللوقت الحالي على الاقل، يبدو انها قادرة على توجيه دفه الاحداث الى مايحقق مرامها!!
وبما ان مخطط السيطرة على السودان وثرواته وحكمه التي يحلم بها (ذو العشيرة) لن يتأتى والسوداني هو السوداني بموروثه ومفاهيمه هذه. فأن تغيير الادوات صار امرا حتميا بعد فشل مخطط تقتيل الشباب الثائر من اجل السيطرة على ثورته والذي ادى الى نتائج عكسية غير متوقعة واسهم بشكل كبير في توسيع رقعة المفاهيم التي عمت البدو والحضر بضرورة التمسك بالارث السياسي المفضي الى الحكم المدني والذي يعتبر نتاج لمجتمعات متقدمة فكريا.
لهذا ذهبت الخطة الى ابعد من ذلك واتجهت لضرب هذا العمق ( الفكري) بغرس ثقافة القبيلة كمرتكز سياسي واجتماعي تنطلق منه اشكال علاقاتنا وممارساتنا السياسية، وهذه الخطة ستقود بما لا يدع مجال للشك الى قتل (السلام) الداخلي للشخصية السودانية! السلام الذي كان نتاج تعايش مجتمعي تراكم عبر السنوات وكان سببا في تخلق هذه الشخصية المتسامحة الوافرة العطاء!! الان يتم تشكيل ذهنياتنا بتهيئتنا تدرجيجيا للتعايش مع مبدأ (القبيلة أساس الحكم) تماما كما تفعل عشائرهم.
وإنفاذا لهذا المخطط انخرط قادة الانقلاب على مختلف مشاربهم في محادثات وخطب وافعال تروج الى ضرورة الانكفاء على مجتمعاتنا ونبذ الغير واعتباره غريبا علينا ولا يشبهنا في شئ بل وضعه في خانة العدو المتربص بنا، كما نشط (جوكياتهم) من الكيزان النهمين الى السلطة في العمل تحت الارض على القبائل بإثارة بعضها على بعض وهم في ذلك قد تفننو واجادو و من حيث لا ندري الان اصبحت كل ( ونساتنا) ونقاشاتنا وكل الميديا الرسمية والغير رسمية ووسائل الاعلام ووسائطه المختلفة والاخبار تدور حول محور القبيلة، صرنا نتحسس اذا اردنا ان نصف احدهم بأنه شخص (عنصري) بل هذه الكلمة صارت تطلق على كل من ينتقد الممارس (القبلي) فالقبيلة هي السياسة وهي كرة القدم وهي النادى وغيره لهذا نحن في طور (الاعتيادية) الان، وتلك الاحاديث التي كنا نستنكرها والاخبار التي نستقبحها اضحت من الاعتيادية بمكان حيث صارت هي الاصل وما سواها نشاذ.
وبهذا القتل الممنهج لمفاهيمنا وموروثاتنا السمحة نموت نحن وتموت معنا ( السودانوية) التي نحلم بها وسينكفئ كل واحد منا الى رحمه يبحث عن عزه في بطون اسلاف قبيلته والتي بلا شك ستعمل على تقزيمه واضمحلاله للدرجة التي يتنازل فيها عن ارادته لكبير العشيرة حينها سيقتل بإشارة ويحرق بإشارة ويفعل الموبقات السبع وهو راضيا طالما رضى عنه زعيمه وهذا هو القتل الحق، هذا فقط ماسيجعلنا مطية في يد (ذو العشيرة) الطامع فينا لانه وعبر كبيرنا في العشيرة والذي سيكون غالبا عميل له او مهادن في افضل الحالات. سيقودنا كالنعاج لتحقيق مآربه المختلفة.
ليس من ثم مخرج من هذه الازمة سوى تمسكنا بمكتسبات ثورتنا المجيدة لاسيما انها ثورة وعي شامل جاءت لترميم تلك الشروخ العميقة التي تسبب فيها حكم الكيزان وازيالهم في الشخصية السودانية بدعم الشباب الثائر لانهم الكتلة الوحيدة المتوازنة للان والمتمسكة بالخط القومي الذي يحتاجه الوطن بشدة.
حيدر الشيخ هلال 18 يوليو 2022
#لا_للقبلية #لا_للعنصرية #آلية_وحدة_قوى_الثورة عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق July, 18 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة