* كانت ام درمان في ذلك الزمان الذي شهد اقامتنا بها خلال السنوات (1970 --- 1975) تعيش كبقية مدن السودان واريافه اوضاعا معيشية متوازنة حيث كان الموظف او العامل يعيش علي راتبه الشهري بكل اطمئنان .. فيسدد حساب الدكان وحساب الجزار وحساب موزع الالبان الذي كان يحوم علي البيوت يوميا بعد العصر .. كما كان يسدد حساب افطاره الشهري لدي صاحب البوفيه في مكان عمله .. فلم يكن الدائنون يحملون هموما في تحصيل مبالغ مبيعاتهم عند نهاية الشهر .. كما لم يكن الفرد يخفق او (يزوغ) من سداد مديونياته لدي الغير ... وهكذا كانت تسير الحياة متناغمة تظللها الطمأنينة ويسودها الاستقرار. * اذكر اننا كمجوعة معلمين وطلاب بجامعة القاهرة في ذات الوقت ... نشترك في ترحيل بصات الطلاب للجامعة بمبلغ واحد جنيه فقط نسددها شهريا لسكرتارية الخدمات باتحاد الطلاب والذين يقومون بدورهم بتاجير البصات من شركة مواصلات العاصمة لمديرية الخرطوم قبل ظهور بصات ابورجيلة الصفراء لاحقا .. وكانت البصات تحمل الطلاب من وإلي كل احياء العاصمة المثلثة الي جامعة القاهرة بشارع علي عبداللطيف بالخرطوم غرب .. وكانت الجامعة نفسها انيفة ورشيفة وتمتاز بوسط ممتاز ومثقف من الجنسين .. حيث كانت الجالية المصرية ترفد جامعة القاهرة بالمئات من الطلاب الذين يقيمون مع ذويهم الذين كانوا يعملون إما في الري المصري او معلمين بالمدارس المصرية او بالسودانية ايضا. * كان مقهي يوسف الفكي هو بمثابة ملتقي للمعلمين وايضا للرياضيين بام درمان حيث يقع المقهي بشارع السوق الموردة وفي مواجهة السينما الوطنية ... حيث كنا نستمتع بكوب الشاي من الحجم الكبير وله نكهة خاصة وبمبلغ ثلاثة قروش فقط للكوب .. كما كان المقهي يقدم الكاكاو بالحليب بخمسه قروش .. اما اذا اردنا السكلانس المثلج وهو الايسكريم بالزبادي فلابد من دفغ مبلغ سبعه قروش ... وكان العم يوسف الفكي يجلس داخل دكانه لبيع الاحذية وربطات العنق والقمصان الراقية جدا وارد انجلترا حيث يأتيه الزبائن المميزين من كافة ارجاء العاصمة .. وكان شقيقه الاصغر خالد يقوم بتوزيع الطلبات علي رواد المقهي من بعد المغرب وحتي منتصف الليل.. ومن المعروف ان يوسف الفكي واخوانه كانوا من كبار اقطاب نادي الهلال . * كان رواد المقهي يرتادون سينما الوطنية او ام درمان في الدور الثاني بعد ان يخرج منها الطلاب او عمال خدم البيوت الذين يرتادون الدور الاول عادة ... حيث يكون جو السينما متاحا وهادئا للعائلات التي كانت السينما هي المقر الترفيهي لبرمجتها المسائية . ونستعرض في حلقات قادمة لمحات من تلك الافلام الباهرة ذات المضامين التي لايزال البعض يتداولها عند الحنين الي الماضي الزاهر قبل ظهور الفضائيات الحالية ... وهنا لابد من ان نتذكر قيمة سعر التذاكر للسينما .. فقد كانت تذكرة درجة الشعب باربعة قروش ويطلقون عليها في مصر ( الترسو ) فيقولون لك مثلا ان فريد شوقي هو ملك الترسو .. اي الطبقات الشعبية حيث كان فريد متخصصا في افلام الضرب واللكم لخصومه في الافلام .. كما كانت قيمة تذكرة اللوج بمبلغ ثمانيه قروش .. اما مقاعد البلكون علي جاتبي اللوج بمبلغ ريال واحد .. والريال كان يعني مبلغ عشره قروش .. اما الشلن فهي الخمسه قروش . والفريني هي قرشين فقط ويطلق عليه جزافا ( ابقشرين ) والشلن (ابخمسه) وكان ابقرشين من الفضة ومصمما في شكل خماسي الحواف . * بعد الخروج من الدور الثاني بالسينما .. كنا ندلف الي حيث تتواجد طبلية الباسطة التي يمتلكها عم ( بين ) ومن يتذوق باسطة عم بين فانه لن يتركها .. وكان عم بين يقوم بتوصيل لمبة كهرباء للطبلية بسلك طويل من صيدلية كمبال المتواجدة في الركن الشمالي الشرقي من الشارع الرئيسي بالسوق . وحتي عندما يخرج الجمهور من استادات الهلال او المريخ في منافسات دوري العاصمة فان منهم من يقضون وقتا مقدرا من المساء في قهوة يوسف الفكي او يحملون كمية من باسطة عم بين والتي كان يصنعها بالسمنة البلدي ويحشوها بمكسرات الفول السوداني فتزداد حلاوتها اكثر. * وللحدائق العامة ذكريات خالدة وهي تقع في مدخل ام درمان بشارع النيل وانت قادم من جهة الخرطوم وبعد كوبري النيل الابيض الصامد حتي اللحظة .. فبعص الناس بسهرون ويتناولون العشاء في حديقتي الجندول او النيلين بشارع نيل ام درمان وتوجد في مكانهما حاليا جامعة القرآن ومسجد النيلين .. كما كان البعض يدلفون الي حديقة الموردة الحالية والتي كانت تشتهر بالسمك البلطي والكوارع ... اما حديقة الريفيرا فكانت متخصصة في المشويات .. غير ان بعض الناس يفضلون تتاول سمك ( الصير ) المقرمش ويباع الكيلو بعشره قروش في مطاعم سوق الموردة المواجهة للحديقة .. لكن آخرون يدلفون الي مطعم السبكي للسمك. نواصل في الحلقة القادمة ،،،،،
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة