كتبت يوم الخميس الماضي عموداً استعرضت فيه خارطة الطريق، عبر نسختها الأصلية التي وقّعت عليها حكومة السودان مع الوسيط ثابو أمبيكي في مارس الماضي. ولم أكتب أيِّ رأي مُصاحب لأنّ الغرض كان استحضار الخارطة في أيِّ نقاشٍ عن الأوضاع الحالية، خاصةً بعد إعلان قوى نداء السودان نيّتها التوقيع على الخارطة خلال الشهر القادم، والجدل الدائر في الساحة السِّياسيَّة الآن والاتهامات المُتبادلة بين بعض قوى المعارضة. كذلك كان لا بد من قراءة واستعراض بيانات السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية، وجبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمُساواة، بجانب تصريحات من قوى سياسية مُتعدِّدة. ومن الواضح أنّ هناك تناقضات وغُموضاً في هذه التصريحات والبيانات، بما يستدعي مُناقشتها بهُدوءٍ. دعونا نبدأ بمُناقشة المفاهيم العامة قبل الدخول في تفاصيل التصريحات. الحوار ليس جريمة، وكثير من القضايا الشّائكة يتم حلها بالحوار، ومن البديهي أنّك لا تتحاور بالضرورة مع الصديق والحليف، بل في غالب الأحيان أنت تتحاور مع الخصم والمُخالف لك، والذي في بعض المراحل قد تضعه في خانة العدو. والحوار دائماً يطرح كأحد سيناريوهات حل المُشكلة من بين سيناريوهات مُتعدِّدة، ويتم اللجوء إليه لأنّه أقل الحلول تكلفة بشرية ومادية، خَاصّةً في النزاعات السياسية. لكن قد يثور الجدل حول التوقيت والظروف المُناسبة للحوار، ومدى استعداد الأطراف سياسياً ونفسياً لذلك، كذلك قد يثور نقاش حول مَسألة توازن القوى كعامل مُهم في الحوار، فالطرف الضعيف سيُحقِّق نتائج ضعيفة لا محالة. ثانياً الحوار يقود بالضرورة إلى تسوية، وكلمة تسوية ليست إساءة أو شتيمة. لا يُمكن أن تكون نتيجة الحوار إزالة الطرف الآخر، لم يحدث هذا من قبل ولن يحدث، والتسويةcompromise لا بد أن تتضمّن تنازلات مُتبادلة واعترافاً من كل طرف بالآخر. لكن النتيجة النهائية من حيث إرضائها لكل طرف تتحقّق بمدى قُدرته وجاهزيته للتفاوض والأوراق التي يَمتلكها، كذلك نوع المُساندة والتأييد التي يجدها من أطراف داخليّة أو خارجيّة. قد تكون نتيجة التسوية إلحاق أطراف سياسية جديدة بنظام الحكم القائم بدون تغيير جوهري، وقد تكون تفكيك النظام القائم لمصلحة نظام جديد يكون هو طرفاً فيه بالضرورة، وقد تكون اتفاقاً على فترة انتقالية تهيئ الأرضية لانتخابات قادمة تفرز واقعها بإرادة الجماهير. تجربة جنوب أفريقيا هي تسوية سياسيّة بامتياز، قبلها مانديلا وأقنع بها رفاقه في المؤتمر الوطني الأفريقي لأنّه كان على ثقة أنّ أيِّ انتخابات حُرة ستفرض إرادة مُواطني جنوب أفريقيا. وتجربة نيفاشا هي أيضاً تسوية تصلح كنموذج، فهي على الأقل أتاحت فرصاً كبيرة لم تستثمرها القوى السِّياسيَّة، وإن استثمرها الطرفان الرئيسيان وحقّقا أهدافهما منها، فقد نالت الحركة الشعبية حق تقرير المصير ومن ثَمّ الانفصال، ونال المؤتمر الوطني حق الانفراد بالحكم. وسنواصل مُناقشة خارطة الطريق وبيانات قوى باريس.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة