أودعنا بالأمس في جوف الثرى زميلاً وصديقاً عزيزاً، مضى في طريق سنمضي فيه كلنا، لكننا أيضا بشر يقتلنا الحزن لفراق الأحباب. ولعل هذا العام بدأ معنا بشكل موجع، إذ نفقد كل يوم عزيزاً ولا نقول إلا ما يرضي الله، الحمد لله على كل شيء. عرفت حسن البطري ونحن طلاب في مصر في أوائل الثمانينات، كان شعلة من النشاط في كل المجالات، ناشطاً سياسياً في رابطة الطلاب الاتحاديين، ومثقفاً واسع المعرفة بالأدب والنقد، يكتب ويتحدث ويناقش، وصاحب علاقات اجتماعية ممتدة كانت من طبيعة ذلك الزمان. كان معه على قيادة الاتحاديين شلة من الشباب المثقف والمستنير منهم الدكتور عادل مصطفى طيب الأسماء والمرحوم الدكتور محمد علي بابكر وآخرون، أصحاب مبادرات ونشاط جم، تقدرهم كل التنظيمات السياسية وتتعامل معهم باحترام. معهم كونا التجمع الطلابي الوطني كمظلة لتنظيمات المعارضة بعد فرقة طويلة بينها، واخترنا، تقديراً لهم، ذكرى الشريف حسين الهندي تاريخاً لتوقيع ميثاق التجمع والإعلان عنه. ومعهم خلقنا واقعاً جديداً في الحركة الطلابية التي كان يحتكر منابرها الاتجاه الإسلامي وحده، وخضنا معارك انتخابية شرسة وسلمية في نفس الوقت، وكان هذا من مميزات الحركة الطلابية السودانية بمصر، إذ لم تشهد خروجاً على العمل السلمي إلا نادراً. وقد أتى غرس التجمع ثمره بعد تخرجنا بعام واحد، إذ سيطر على مقاعد الاتحاد بعد غيبة سنوات طوال. وكانوا أيضاً من الناشطين في العمل الثقافي، أصدروا بإمكانيات محدودة مجلة مطبوعة أسموها "الأبواب"، كانت أشبه بالمعجزة التي تتحقق، نحملها على أيدينا ونبيعها في التجمعات الطلابية لسداد تكلفة الطباعة والتجهيز التي تمت بالدين. وعدنا للسودان، كنا نلتقي لماماً، ثم عمل حسن في صناعة النشر والكتاب في "دار الوعي" الذي كان منتدى ثابتاً لنا، كان يرشح لنا الكتب التي نقتنيها، ويعلق على اختيارات الكتب بطريقة تكشف أنه قرأها بعين ناقدة، وقد ظلت هذه هوايته التي لم تفارقه. لم يكن ممن يستعرضون المعرفة.، لكن كانت معرفته هذه تظهر في كتاباته في الصحف التي عمل بها، كان وصف الكل له إنه أديب ضل طريقه للصحافة السياسية، صاحب لغة راقية ومفردة مبتكرة، لا يكتب إلا عن محبة للناس والأماكن والمواقف. طوال السنوات الأخيرة، مع قلة لقاءاتنا، كنت أحس أنه مرهق جداً، لكنه كان يرجع ذلك لرهق الحياة الذي يصيب الكل، ولعله كان يخفي المرض والألم عن الجميع. تواعدت مع مجموعة أصدقاء على زيارته قبل سفره الأخير إلى مصر، وتخلفنا لظروف البعض مرتين، وحين عزمنا في المرة الثالثة كان قد سافر دون أن نودعه. رحم الله حسن البطري وأحسن إليه، فقد كان رجلاً قادراً على زرع المحبة في قلوب الناس، وترك سيرته الطيبة أينما حل، وهكذا يرحل الطيبون. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة