ما يحدث في الجنوب يدمي القلب، رغم أن الصورة غير واضحة تماماً، ولم نعلم حتى الآن من فعل ماذا ولماذا، لكن الواضح أن المئات من المدنيين يموتون بلا سبب جنوه، وعشرات الآلاف يتركون منازلهم ومعسكراتهم بحثاً عن السلامة في أي مكان، والدولة الوليدة تتناوشها العواصف. دخل اتفاق السلام الأخير في نفق مظلم، ويحتاج لعملية جراحية سريعة لإخراجه إلى النور والسير به خطوات للأمام، ورغم حساسية البعض، وصحة كلامهم بأننا في السودان نعاني كثيراً من المشكلات التي لا تجعلنا في موضع الناصحين، وإنما المشفقين، فإن الأمر يتطلب تدخلاً إقليمياً ودولياً عاجلاً. صحيح أن دولة جنوب السودان جاءت وفقاً لإرادة أهلها واختيارهم، لكن كان المجتمع الدولي هو القابلة التي تولت العملية من البداية، وعليه الاستمرار في مهمته من أجل إنقاذ المولود. ليس هناك تصور محدد لشكل التدخل، ولا يتطلب الأمر فرض الوصاية الدولية، وهو مطلب في غاية القسوة على مواطني الدولة الوليدة وجارح لكرامتهم الوطنية، لكن وجود قوات عازلة وسحب الجيش الشعبي بجناحيه خارج العاصمة يمكن أن يكون ضربة البداية. وأظن أن المجتمع الدولي قد تهاون كثيراً مع قيادات الجنوب، فالمذابح التي ارتكبت ضد المدنيين كفيلة بجرهم كلهم، بربطة المعلم، إلى المحاكمات الدولية. تشديد العقوبات والبدء في خطوات عملية لحماية المدنيين ومحاسبة من تسببوا في عذابهم أيضاً خطوة مطلوبة بشدة، فالإفلات من العقاب أكبر دافع لهؤلاء القادة للتمادي في الجرائم التي ارتكبوها. لقد كان تساهل المجتمع الدولي سبباً مباشراً في هذه الكارثة، ولو تم تحكيم القيم الإنسانية الدولية الداعية للسلام والديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الإنسان، واعتبارها المؤشر لاستمرار تعاون المجتمع الدولي مع حكومة الجنوب وقياداتها لما وصل الأمر لما وصل إليه. ولم أرَ سبباً في استهجان البعض لتحركات الحكومة السودانية التي دعت الطرفين لتحكيم صوت العقل ووقف القتال، فهذا أقل ما ينتظر منها، لكن الوقوف عند هذه النقطة لا يكفي، لأن المطلوب ليس فقط تبرئة الذمة ولا القول بأننا فعلنا ما يجب أن نفعله. العلاقة بين السودان وجنوب السودان ليست مثل العلاقة بين أية دولتين جارتين، ومهما حدث من إنفصال وتكوين دولة مستقلة فإنّ ما بيننا لا يمكن أن ينفصم عراه بين ليلة وأخرى. إنفصل الجنوب لكنه لن يرحل من حدود السودان، وما يحدث في أي بلد سينعكس مباشرة على البلد الثاني، شاءوا أم أبوا. هناك حاجة ماسة لمبادرات شعبية من الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني السودانية لمساعدة إخوتهم في الجنوب، مبادرات من كل نوع، سياسية واجتماعية وإنسانية. والحقيقة أن ردود الفعل الشعبية، في غالبها، كانت في منتهى الاحترام والتعاطف والاهتمام الإنساني، لكنها تحتاج لتصبح أفعالاً على الأرض. وقد يكون البعض عبر بدافع الشفقة والتسرع في طرح إعادة الوحدة بين البلدين كحل للأزمة، لكن ليس هذا وقت مثل هذا الحديث، فاحترام خيار شعب الجنوب، والاستمرار في التعامل بأننا شعب واحد في بلدين أجدى وأنفع واقيم، حتى تمر الأزمة، وعندها لكل حادث حديث.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة