سفينة بَوْح – صحيفة الجريدة وأنا مدير لإحدى الإدارات المتعلِّقة بأعمال إنتاجية فنية وصناعية ، أنشأتُ قِسماً إضافياً يُعنى ، بفرز تالف الإنتاج في مراحله الأولى حتى لا تتفاقم تكاليفه بالإكتشاف المتأخر ، ثم ثار جدل فني وإجرائي حول جدوى هذا القِسم وتأثيره في سرعة العملية الإنتاجية فتكالب عليه الكثير من زملائي في إدارات أخرى من أجل إلغائه ، وقد تقرَّر عقد إجتماع موسَّع لمناقشة الموضوع والبت في أمر القِسم الذي كنت أُدافع عن وجوده وبقائه بحماس ، وأنا في خِضم مشاعري العاطفيه والمهنية وقبل الإجتماع بدقائق ، إستشعرت مدى أهمية اللحظات القادمة في تقرير مصير ذلك القِسم الذي أعتبره على المستوى الشخصي إنجازاً مُهماً على مستوى تطوير وتجويد إنتاج تلك المؤسسة التي أنتمي إليها ، شعرت فجأة بأن مرافعتي عن ذاك القِسم لن تؤجِّج فعاليتها مُجرد ذكر الأسباب والحًجج المنطقية التي سجَّلتها بعناية في مفكرتي قبل الدخول للإجتماع ، وإنتابني إحساس أن الموضوع يحتاج بشدة إلى (البكاء) ونزول دمعتين أو ثلاث أثناء أو بعد المُرافعة فربما ساهم ذلك في المزيد من الإقناع والتعاطف لدى الآخرين مع حُجتي ووجهة نظري ثم صحوتُ من خيالاتي هذه ضاحكاً على نفسي من شدة تمكُّن الحماس فيها وسطوة إيماني بأفكاري المهنية ، ذكرني هذا بموضة تصاعدت وتيرتها في المساجد هذه الأيام أثناء خُطب الجمعة أو بعد الصلوات وهي ظاهرة بُكاء الخطيب وتهدُّجه بالعبَرات أثناء الخُطبة أو المداخلات والمواعظ التي تلي الفراغ من الصلوات العادية ، وللحقيقة فإن هذا الأمر قد تكرَّر عليّْ في أكثر من مسجد وفي مواقع مُختلفة ، بالقدر الذي جعلني أوصفها بالظاهرة ، وأسأل الله أن يكون أولئك الخُطباء والدُعاة صادقين في مشاعرهم تلك والتي تُعبِّر عن قداسة خوف الله في قلوبهم وإتساع دائرة عواطفهم الخاصة تجاه الدين وما يتبعه من عبادات ونصوص قرآنية أو نبوية ، أما إذا وصل بنا باب النفاق والتمثيل وإظهار الإنسان لخلاف ما يُبطن في عصرنا العجيب والغريب هذا لإقتحام قداسة المساجد والعبادة فعلى الأرض السلام ، لأني والله أصبحت أشُك في كل فعل (مهرجاني) أو مبالغ فيه في هذا الزمان ، الذي ساد فيه الضلال وإعتلى فيه الباطل مراتب الحق ، فما يتلقاه ويشاهده الناس من فساد النافذين والقابضين على زُمام الأمور من القادة والكبار ، يبُث في قلوبهم إستهوان أمر الفضائل والأخلاق والقيٍّم والمُثل ، لأنهم أصبحوا فاقدين للقدوة المُثلى ، وكذلك الثقة في كل ما يحيط بهم من معاملات وإجراءات وشعارات وتوجهات ، وبما يرونه من فساد مُعلن ، ونافذين تم عليهم إثبات الجُرم المشهود بالدلائل القاطعة والوثائق الثابتة ثم لا يُحاسبون ولا حتى يتم إعفائهم من مناصبهم وهم بالطبع لايستقيلون ، يجعلني كل هذا وعامة الناس من البسطاء قادرين أن نسمح لعواطفنا وعقولنا أن تُصدِّق أن النفاق والتدليس يمكن أن يدخُل مساجد الله المُقدسة من أبواب يطُلُ منها الجور والقهر والفقر والإذعان للمُفسدين مِن مَن ينتمون إلى فئة ( بالنهار يسبِّح وبالليل يِضبِّح ) .. اللهم جنِّبنا النفاق وأن نكون من المنافقين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة