قال مندوب الشركة الوطنية حين رأى العريضة وسمع طلب السيد الرئيس:
الأمر بيد القضاء سيدي الرئيس، والقضاء في بلادنا مستقل عن السلطة التنفيذية كما تعلم فخامتكم، لا يمكننا التدخل.
اذا ما دام الامر بيد قضاء نزيه كما تقول، لابد أن للمتهم محام، أريد أن أحدد موعدا مع محامي هذا الضابط المتهم!
بدا على مندوب الشركة الوطنية بعض الإرتباك، لكنه قال: بالطبع هناك محام، لكن حسب علمي لا زالت مثل قضية هذا الضابط الذي كان يحارب مع إحدى حركات التمرد، بيد القضاء العسكري وبإعتباره كان أيضا ضابطا بالجيش تمرّد على القوانين العسكرية، هناك محام لكل متهم أمام المحاكم العسكرية لكنه لا يكون في الغالب على إتصال مستمر بموكله، فقط يحضر معه جلسات المحاكمة، هذا كلام عام على كل حال، أعطني فرصة لجمع معلومات أكثر عن القضية وسأقدّم لك تقريرا عنها في أقرب فرصة.
إختفى المندوب لعدة أسابيع، حاول الرئيس الاتصال بالشركة الوطنية لكن التليفونات كانت دائما مشغولة أو خارج الخدمة، وعده الطبيب حين وجده يتحدث كثيرا عن هذه القضية بالاتصال بهم، لكن لم يحدث شئ. حين وجد الجندي الصغير الرئيس قلقا بعد عدة أيام قام بإبلاغ عسكر الجنجويد الذين يحرسون بوابة القصر، فحضر المندوب في اليوم التالي.
توقع السيد الرئيس أن يسمع أنّ السجين قد أعدم كما تعوّد ان يسمع، كلما سأل عن أحد ضباط الجيش الذين عمولا معه في القرن الماضي، لكنه فوجئ بالاجابة:
لقد تم إطلاق سراحه فعلا سيدي الرئيس منذ عدة أشهر، قبل أن يوضح:
عفوا لأنني تأخرت على فخامتكم، لكن بسبب ضياع عدد من ملفات القضايا التي تحوي أسماء كل المعتقلين من حركات التمرد في الأشهر الماضية لم نستطع العثور على معلومات عنه بسرعة. صدر أمر من فخامتكم بالعفو عن عدد من حاملي السلاح ضد الدولة، بعد توقيع إتفاقية سلام مع الفصيل المتمرد الرئيسي قبل أشهر، ولأنّ هذا الضابط المتمرد أسر أثناء معركة مع احدى الحركات المتمردة فقد أطلق سراحه أيضا مع عدد من منسوبي حركات التمرد!
قال السيد الرئيس: إن كان قد أطلق سراحه كما تقول أين هو الآن؟
لا علم لنا بذلك سيدي الرئيس، لقد اصبح مواطنا حرا منذ لحظة اطلاق سراحه، ربما غادر الوطن، بعض من يطلق سراحهم يعودون للانضمام للتمرد أو يسافرون الى بعض الدول الاوربية يطلبون حق اللجوء السياسي، البعض يعيشون في بعض الدول المجاورة.
قال السيد الرئيس من أين جاءت قوات الجنجويد؟
أوضح المندوب: هذه قوات السلام والتنمية لا علاقة لهم سيدي بتلك القوات التي سعت الدوائر الامبريالية لإختلاق قصة تكوينها ودعمها من الحكومة وإرتكابها لمجازر في إقليم دارفور، كانت هناك حرب أهلية في ذلك الاقليم بسبب الجفاف سيدي الرئيس، منذ الجفاف الذي ضرب المنطقة أوائل عقد ثمانينات الفرن المنصرم لم تستقر الاوضاع في المنطقة سيدي الرئيس، كما تعلم هناك قبائل رعوية وقبائل اخرى تعمل في الزراعة، حين عم الجفاف الاقليم ولم تهطل الامطار، وجفّت المراعي الضخمة وأصبحت صحراء قاحلة، بدأ الرعاة يقتحمون المزارع بحثا عن الحشائش لقطعانهم التي كانت تموت أمام أعينهم. البهيمة مثل الطفل، لا يمكنك ان ترى طفلك يموت امام عينيك ولا تحرك ساكنا سيدي الرئيس! والمزارع لن يقبل بتخريب مزرعته، أشجاره ايضا مثل أطفاله، يسهر الليالي في رعايتها وسقيها، فكان أن نشأت الحروب بين القبائل، لقد ورثت الشركة الوطنية ذلك من عهدكم الاول سيدي الرئيس، وقد حاولنا كثيرا أن نجد حلا جذريا لهذه المشكلة، دون جدوى.
قال الرئيس: لقد كنا نحاول نحن آنذاك حل المشكلة عن طريق محاولة تعويض المتضررين وترتيب مؤتمرات الصلح بين القبائل المتنازعة. لكنكم قمتم بتسليح قبائل ضد أخرى وزاد هذا المشكلة تعقيدا.
تلك دعايات الاعلام الغربي سيدي الرئيس، بالعكس نحن حاولنا القضاء على الجفاف، وأرسلنا أئمة وعلماء يصلّون بالناس في كل مكان صلاة الاستسقاء أملا في هطول المطر، قاموا بالصلاة في كل مكان، في نيالا وفي الدلنج وكادقلي، حتى أقصى حدود الاقليم، ولكن لا حياة لمن تنادي، لم تنزل قطرة مطر واحدة! هل سنخرج في مظاهرة ضد العناية الالهية سيدي الرئيس؟ لقد أصبح الأمر غضبا إلهيا، أرسلنا نفس الأئمة ينصحون الناس بإصلاح دينهم حتى يزول غضب السماء، لكن الناس لم يكن لديهم أية وقت لذلك، كانوا مشغولين بالعراك والحرب مع القبائل الاخرى حول المراعي، من يقضي وقته في الشجار حول المطر سيدي الرئيس لن يجد وقتا لإصلاح علاقته مع خالقه!
قال السيد الرئيس: هل حاولتم الدعوة لمؤتمرات صلح بين القبائل؟ هل دفعتم تعويضات للمتضررين؟ هل دفعتم ديّات القتلى كما كنا نفعل في سنوات الجفاف الاولى حين تنشأ المنازعات بين القبائل؟
قال الرجل: نعم أرسلنا نفس الائمة يدعون للسلام بين الناس، ودعونا الناس لمؤتمر للسلام إستمر اكثر من ثلاثة عقود سيدي الرئيس، وكنا ندفع تكلفة إقامة المؤتمرين في الفنادق سيدي الرئيس وندفع لهم مرتبات مقابل التفرغ للسلام، حتى لا يجوع أطفالهم قبل تحقق السلام، وكنا نتحمل نفقات دفن من يموتون بسبب الشيخوخة أثناء المفاوضات سيدي الرئيس، نسميهم شهداء السلام.
قاطعه السيد الرئيس: وهل تقيمون لهم أيضا أعراس الشهداء؟
قال الرجل: كلا، انهم لا يموتون في ساحات المعارك سيدي الرئيس، يموتون في الفنادق، من رهق السلام، تصيبهم أمراض السلام، النقرس وإرتفاع ضغط الدم وارتفاع سكر الدم وأمراض القلب! بعضهم جاءوا الى المؤتمر عذّابا سيدي الرئيس وحين طالت حياة السلام وقرروا العودة لميادين الحرب مرة اخرى، لم يستطع معظمهم ذلك، فقد تزوجوا اثناء المفاوضات وكنا نتحمل تكلفة حفلات زفافهم الجماعي سيدي الرئيس، وكنا نلبي كل طلباتهم: يطلب أحدهم: أريد مطربة إثيوبية في حفل زفافي، أريد المطرب محمود عبدالعزيز، يجب أن يكون حفل الزفاف في إستاد فريق المريخ لأنني من عشاق المريخ، وطلب أحدهم المطربة شاكيرا لتغني في حفل زفافه، وحين حضرت الى الحفل إستخدمت قوات السلام والتنمية الرصاص الحي لتفريق حضور الحفل والمعجبين الذين كادوا يحطمون المسرح الذي غنت فيه المطربة الشهيرة، قدمنا تنازلات وأحضرناها رغم ان هيئة العلماء أفتت بحرمة إحضار مطربة أجنبية حتى لا يتأثر الشباب برقصها وطريقة إرتدائها لملابسها. تزوّج بعض هؤلاء المعارضون عدة مرات، وانجبوا اطفالا ضاقت بهم فنادق السلام فاضطررنا لإنشاء فنادق إضافية، ومدارس ملحقة للأطفال، ومحاكم أحوال شخصية لفض منازعات الحب، وفي أثناء المفاوضات كنا نضطر أحيانا لإيقاف جولة المفاوضات لحين توقف عراك الزوجات وصراخ الأطفال في الغرف المجاورة لقاعة التفاوض، لقد عملنا وضحينا كثيرا من أجل السلام سيدي الرئيس!
قال السيد الرئيس: ولماذا لم تصلني بطاقة دعوة لحضور حفل الزفاف الجماعي الذي غنت فيه شاكيرا في حراسة الجنجويد؟! وما سبب وجود قوات الجنجويد في العاصمة وفي قصري بالتحديد؟
قال المندوب: كان الحفل قبل أعوام سيدي الرئيس، وكانت حركات التمرد على وشك دخول العاصمة، قمنا بنقل كل الوزراء والمسئولين الى مناطق آمنة، وشددنا الحراسة حول القصر الجمهوري، الذي تولت حراسته فرقة خاصة من قوات السلام والتنمية، أود تنبيه سعادتكم مرة أخرى الى اسم هذه القوات سيدي الرئيس: اسمها قوات السلام والتنمية ، ما يسمى بقوات الجنجويد هو إختراع للمعارضة وبعض الدوائر الغربية المعادية لوطننا وديننا.
وهل تحتاج التنمية لقوات؟
مهمتهم حراسة حدود الوطن سيدي الرئيس ومحاربة حركات التمرد، وبدون سلام واستقرار كيف ستكون هناك تنمية سيدي الرئيس؟!
قال السيد الرئيس: الاسم يوحي انهم سيقومون بزراعة الارض وتنمية اقتصاد الوطن، ولا يمكن القيام بذلك باستخدام السلاح، يستخدم المزارع الملود والمعول، لم أر مزارعا يستخدم الكلاشنكوف رغم انني طفت الوطن كله وحتى في أقسى أيام فصول جفافه، كانت الحياة تمضي بسلام رغم ندرة الأمطار! أليس من الأوفق ان يقوم جيشي بحماية السلام، يحمي حدود الوطن لينشغل بقية المواطنون كلهم بالتنمية بدلا من ان يحمل الجميع السلاح، على الأقل إنّ جيشي لا يتمرد حين لا يتسلم مرتباته بينما هؤلاء المسلحون اذا تأخرت مرتباتهم يوما واحدا يحتلون القصر ويعلنون الأحكام العرفية، الشئ الوحيد الذي لا افهمه كيف اكون انا مسجونا في القصر ورهينة بأيدي الجنجويد لحين سداد متأخرات مرتباتهم، وفي الوقت نفسه أقص شرائط افتتاح مشاريع وطن السلام في جهاز التلفزيون؟!
قال المندوب: لقد تعودنا من سعادتكم العمل دائما والتضحية من أجل الوطن وفي أسوأ الظروف ورغم كل المحن والمؤامرات!
قال الرئيس: هذا صحيح لكنني أحتاج على الأقل ألا أكون مسجونا في الحمّام، أو في مكتبي الذي يقف أمام بابه حارس من الجنجويد يحمل مدفع آر بي جي، لكي أواصل التضحية من أجل الوطن!
عفوا سيدي الرئيس أود فقط تذكيرك مرة أخرى، أن كلمة جنجويد هذه من صنع الدعاية الغربية المسمومة التي لا تريد خيرا بهذا الوطن وتريد زرع الفتن بين مكونات شعبنا وإستهداف عقيدتنا واستقلال قرارنا الوطني!
وهل لا تزال هناك حركات تمرد، إنني أسمع يوميا في جهاز التلفزيون إنه تم القضاء على التمرد نهائيا، وان المواطنين يعيشون جميعا سعداء بفضل حكمة الشركة الوطنية التي تقود سفينة الوطن! وان مفاوضات السلام أثمرت عن إتفاقية لاس بالماس دي غران كناريا، التي ألقى بموجبها كل حملة السلاح أسلحتهم وعادوا الى حظيرة الوطن يشاركون في تنميته! بعد أن صدر عفو عام عن كل من حمل السلاح ضد السلطة.
المشكلة سيدي الرئيس انه كلما ظهرت حركة تمرد ضد السلطة، نفتح فندقا جديدا وندعو قادتها للحضور من اجل التفاوض للسلام، وحين يطيل غياب القادة الذين ذهبوا للتفاوض، وينقطع الاتصال بينهم وبين قواعدهم بمرور الزمن، يظهر قادة جدد في ميدان المعارك ويبدأون معارك جديدة حتى نتمكن نحن في فترات ركود السلام، من تشييد فنادق جديدة لاستيعاب متفاوضين جدد فيها، بعض القادة ينسون ايضا أنهم وقعوا معاهدات سلام ملزمة، وبسبب تأخر إستيعاب قواتهم ضمن أجهزة الأمن والشرطة كما تنص على ذلك معاهدات السلام، يقومون بالعودة لميادين القتال وإستئناف الحرب مرة أخرى، أو يفعلون ذلك فقط بسبب عدم إعتيادهم على البقاء دون حرب، لقد ضبطنا مرة وزيرا إقليميا يقود فصيلا متمردا في عطلات نهاية الاسبوع، اي أنه مع الحكومة في أيام العمل الرسمية ومتمرد بعد الظهر وفي العطلات الرسمية!
وما سبب وجود هذه القوات أيا كان اسمها، جنجويد، سلام أو تنمية في قصري؟
هناك بعض الحركات تحاول الوصول للعاصمة سيدي الرئيس، لذلك إستعنا بقوات السلام والتنمية التي أثبتت كفاءة في محاربة التمرد لمساعدة القوات المسلحة في حماية العاصمة!
هل تعني ان حدود الوطن أصبحت حول العاصمة؟
لا بالطبع سيدي الرئيس، بقية قوات السلام والتنمية تحرس حدود الوطن كلها، ما أهمية بقاء الوطن إن غرق رأس الوطن في الفوضى؟ العاصمة هي رأس الوطن، وفيه رمز السلطة ومؤسسات الدولة سيدي الرئيس!
للحصول على نسخ بي دي اف من بعض اصداراتي رجاء زيارة صفحتي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة