أزور باستمرار دار الوثائق المركزية.. لمراجعة صحف أو وثائق قديمة تثبت بدقة ماضي سيرتنا الوطنية.. الذي يحيرني لحد الدهشة.. أن قراءة أخبار ومقالات وكاراكتيرات صحف قبل أربعين أو خمسين عاماً تمنحك الإحساس بأنها صادرة اليوم – طازجة- في الخرطوم.. بعبارة أخرى.. لو نظرنا من نافذة القطار الذي نمتطيه.. فسنكتشف أنه متوقف في محطة (كمل نومك) منذ الاستقلال.. كل الذي نتسلى به هو مماحكاتنا الوطنية.. ويومياتنا المملة مع أوجاعنا التي لا تتغير إلا في المقدار.. مثلاً.. اليوم نحن على مشارف عيد الأضحى المبارك.. أفتح أية صحيفة صادرة اليوم في الخرطوم.. ثم أرجع لدار الوثائق وقلب صحفاً صدرت في الخمسين سنة الماضية ستجدنا (غيب وتعال تلقانا نحن يانا نحن.. لا غيرتنا الظروف ..) . الآن ولاية الخرطوم – في سياق معالجة شظف الواقع السوداني– افتتحت محلات لبيع الخراف بالكيلو.. وللعاملين عليها بالتقسيط المريح لعشرة أقساط أو أكثر.. كل هذا تحت عنوان كبير هو (الفقر المدقع) لشعب يملك من الثروة الحيوانية أكثر مما هو متوفر في القارة الأوروبية كلها.. في تقديري هذا ضرب من (التعايش) مع التخلف والفقر.. لا أكثر.. أقرأ في صحف الراهن.. أحياء الخرطوم تشتكي من شح مياه الشرب.. وطفح مياه الأمطار غير الصالحة للشرب.. أرجع خمسين أو ستين عاماً تجد نفس الشكوى بذات التصريحات والوعود من المسؤولين.. واحدة من أطرف هذه التصريحات.. محافظ بورتسودان يقول (حل مشكلة مياه طوكر العام القادم) كان ذلك تقريباً في سنة 1979.. لا تتعبوا أنفسكم بالسفر إلى طوكر للتأكد – بعد(47) عاماً من ذلك التصريح والوعد.. فالأفضل أن تسألوا أحياء الخرطوم هنا.. هل حُلَّت مشكلة المياه فيها.. صدقوني هذا الواقع (الواقع أرضاً) لن يتغير إلا لفكرة ذكية ترفض كل الواقع والمنتظر برمته.. نحن شعب بأحلام متواضعة.. حلمنا ماء وطعام وبيت في الحارة مائة.. ومدرسة لا يهم أن يكون أو لا يكون فيها تعليم المهم أن تكون شبه مجانية.. مثل هذه الأحلام لا تبني وطناً كريماً.. ستأتي أجيال بعدنا بمائة عام لتغني (تلقنا نحن.. يا نحن).. الأحلام الكبيرة تصنع شعباً ووطناً كبيراً.. في الماضي البعيد عندما حلم الإنسان بالطيران اعتبره البعض ضرباً من (الجنون).. وهانحن اليوم نسابق الصوت في السماء.. بالله تعالوا كلنا نرفض حصار الفقر والتخلف المضروب علينا قهراً.. تعالوا نصنع حلماً سودانياً كبيراً.. ونفرض على الحكومة والمعارضة.. أن تدفع مهر حكمنا بالامتثال لأحلامنا.. لا لما تمتن به علينا..!! altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة