قبل سنوات بعثت الخرطوم والياً شديد المراس ليكون والياً على إحدى ولايات دارفور.. الوالي حاول أن يكون شديداً على الناس وشيوخهم في الإدارة الأهلية..استدرج الزعيم القبلي الوالي للسفر للخرطوم لتقديم البيعة.. في بيت الضيافة كان مسؤول رفيع يسأل الناظر عن واليهم.. دون تردد بدأ الناظر يذكر مناقب الوالي واحدة تلو الأخرى .. لكنه في آخر الكلام فجر قنبلة حينما زعم أن الوالي بات يشرب..هنا هاج الوالي وسادت حالة هرج ومرج فيما الناظر في هدوء تام..حينما علم الشيخ الترابي بالواقعة وجه بإعادة ابن المركز للخرطوم بعد أن فهم رسالة الاستياء..الطريف أن الناظر بعد نهاية غضبة الوالي علق ببراءة أنا قاصد أن الوالي بات يشرب عسل الجبال. أمس أنذر والي غرب دارفور شيوخ الإدارة الأهلية بتسليم أسلحتهم في ظرف أسبوع وإلّا..قبل أيام كان نائب الرئيس يصرخ في غضب في وجه قبيلة تتحرك بأبقارها جنوباً في رحلة الشتاء والصيف..في كسلا حدث تمرد معلن من زعيم قبيلة الهدندوة ضد الوالي آدم جماع..الحال في بورتسودان يمضي على ذات وتيرة المواجهة.. موسى هلال شيخ قبيلة المحاميد لم يتبق له إلا إعلان البيان رقم واحد في وجه الدولة. الحقيقة الثابتة أن قادة الإدارة الأهلية كانوا دائماً في تناغم مع السلطة المركزية في الخرطوم..بل مثلوا في كثير من الأحوال دور شرطي الحراسة..حينما بدأ حريق دارفور التزمت هذه القيادات الحياد رغم قوة الأصوات الشبابية المتمردة..بل في كثير من الأحيان كانت الإدارة الأهلية تلعب دور الوسيط بين المركز والخارجين على السلطة..حالات الانحياز المحدودة للحركات المتمردة كانت تحمل مؤشراً لضعف كيان السلطة المركزية أو قوة منطق الثوار كما حدث إبان قيام الثورة المهدية أو انهيارها وعودة على دينار لدارفور سلطاناً. مناخ المواجهة الحالي مع القوة التقليدية سيفرز خسارة كبيرة في نهاية المطاف..زعماء العشائر يغضب لغضبهم ألف صوت..ليس مطلوباً من الحكومة اختيار سلاح المواجهة في مثل هذه الأحوال ..بل على النقيض من ذلك ينبغي إدارة حوار عميق وشفاف مع هذه القيادات ..ومن المفترض أن ينتهي الحوار بإقناع هذه القيادات بوجهة نظر الحكومة أو استبدال السياسة هذه..ستظل القيادات التقليدية واحدة من المفاتيح الاجتماعية ما دام المجتمع تقليدياً. في تقديري.. مطلوب من الحكومة أن تراجع من أداء الذين أوكلت لهم مهمة إطفاء الحريق..على سفراء الحكومة في مهمة مواجهة الأزمات أن يتحلوا بالصبر والتفهم لطبيعة المجتمع المحلي الذي عاش في ظروف احتراب وصراع.. تظل الكلمة الطيبة لها مفعول كبير في إطفاء الحرائق.. مراجعة التاريخ القريب جدًا ستؤكد أن العنتريات لم تفجر سوى مزيد من الدماء. بصراحة..أرى في الأفق البعيد شجرًا يسير..مطلوب عاجلاً استدعاء مثيري الفتنة إلى الخرطوم وخلق وظائف جديدة لمن لم ينجحوا في مهمة إدارة الأزمات بالأمصار.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة