النقاش حول هوية الدولة لم يعد مجد... هناك قناعة لدى بعض المجموعات في السودان وهي قناعة تامة بأمرين : الأمر الأول انه لا يوجد عرب في السودان.. الأمر الثاني أن من يدعون أنفسهم عربا ليسوا سوى غزاة يجب طردهم . ومن خلال هذين الزعمين استطاعوا تجنيد الكثير من أقلام المثقفين بمختلف القبائل والاعراق ليحذوا حذوهم .. وبدأت حالات انكار العروبة وكأن العروبة شذوذ جنسي تنتشر وبات من المخجل ان يقول أحدهم امام الناس أنه عربي الأصول. ولا أعرف هل الأفريقانية درجة علمية او اخلاقية او أدبية لتمارس نوع من السطوة على هويات الآخرين وتحاول احتكار هوية الدولة ككل مقصية كل الهويات الأخرى ؟؟ الأفريقانية معيار مكاني وليس عرقي ، فالبيض من اصول بريطانية في جنوب افريقيا يعتبروا أفارقة لأنهم تمتعوا بالرابط القانوني الذي يعطي حقوقا ويلحق التزامات عليهم داخل افريقيا لكنهم في نفس الوقت لم يجبروا على التنصل من هويتهم كأصحاب أصول اوروبية. عندما نطلق هوية ما على الدولة فإن العنصر المكاني او الجغرافي ليس هو الوحيد لها بل هناك عناصر أخرى تتوزع على الشعب منها اللغة ومنها الدين ومنها التقارب العرقي ومحيطها الجغرافي وتاريخ النضال المشترك مع الشعوب من الدول الأخرى ، هذه كلها لا يستطيع ان يتجاهلها الدستور وهو يحدد هوية الدولة . إن الدستور يحدد أهم شيء وهو اللغة الرسمية للدولة ، واللغة هي في الواقع اللغة الغاللبة والأوسع انتشارا التي يتمكن من في أقصى الشمال أن يتعامل بها مع من هو في أقصى الجنوب . من يريدون الاطاحة باللغة العربية يقعون في شرك انعدام البديل المقبول والأوسع انتشارا لتحقيق فاعلية التبادل المفاهيمي . وهم أنفسهم يصرخون مطالبين باقصاء اللغة العربية باللغة العربية نفسها وليس بلهجاتهم المحلية لأن لهجاتهم المحلية متقوقعة في حدودها الجغرافية والعرقية الضيقة. وشرك انعدام البديل الصالح للفاعلية التبادلية ليس المشكلة الوحيدة بل هناك مشاكل عدة منها : هل هناك لغة أخرى شاملة لكل الخصوصيات الثقافية في المجتمع؟؟؟ هل نمحوا كل تاريخنا وتراثنا المنطلق من اللغة العربية منذ ما قبل الاستقلال وحتى اليوم ، هل سنفرض على كل الشعب لغة مصطنعة تاركين لغة تم اثراءها عبر تاريخ طويل من التفاعل البشري، هل سنبدأ من الصفر لنشكل هيروغلوفية يتعلم فك رموزها الرئيس والوزير والطفل ؟؟ نعم لا يمكن اسقاط النفوذ القوي للغة العربية مهما جاملنا الكارهين لها والمطالبين بالقائها في الجحيم. الشعور بكره العرب لأسباب حقيقية أو متوهمة هذا شأن خاص وشخصي أما أن تحاول فرض كرهك علي أنا أيضا فهذا مرفوض تماما وليس لك أي حق فيه. أنا مثلا لا أكره العرب ولا أكره اللغة العربية بل أنني نشأت على الثقافة العربية منذ نعومة أظافري وأعرف الشعراء العرب منذ شعراء ما يسمى بالجاهلية وحتى اليوم ولا أعرف شاعرا أفريقيا واحدا ..وهذا من حقي .. ولا يمكنك اجباري على نسيانه . قرأت لزهير وعنترة ودريد ابن الصمة والبحتري والمعري والمتنبي وعلى محمود طه ومحمود درويش وامل دنقل واحمد عبد المعطي حجازي واحمد شوقي وخلافه وعشت على القافية والوزن وبحور الشعر المختلفة فهل تطالبني بأن أسقط تاريخي كله من اجل ارضاء عنصريتك البغيضة تجاه ثقافتي؟ من أنت لتفرض هذه الوصاية علي ، وأين هو صك ملكيتك الخاصة والمحتكرة للدولة وللهوية ؟؟؟ لا يوجد..بل أكيد لا يوجد... لذلك أعود واحذر من انتشار هذه الدعاوى العنصرية لسلب الآخرين خصوصياتهم الثقافية وفرض واقع على الارض باستحوازية لا سند لها..لا تاريخيا ولا قانونيا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة