*كان (حمودي) يحب الأخبار الصاعقة.. *الأخبار التي تجذب انتباه الناس...وتستثير فضولهم...وتشغلهم عن شواغلهم.. *وحمودي هو اسم الدلع لأحد أبناء عائلتنا حين كنا صغارا.. *وأخباره الصاعقة هذه كانت دائماً تأتي في شكل جملة غير مفيدة.. *جملة ناقصة لا يقدر أخصب خيال على ملء فجواتها.. *جملة مثل كثير من جمل أخبار زماننا هذا الرسمية عبر (حمودي) إعلامي.. *والفارق بين (الحموديين) أن الثاني هذا مجبر على ذلك.. *أما الأول فكان يجيء مهرولاً نحو الكبار ليصرخ أمامهم مثلاً (خلاص طرشق).. *ثم ينتظر قليلاً ريثما يستمتع بأثر خبره على الوجوه.. *ثم يهرول مبتعداً- مرة أخرى- تاركاً إياهم يتساءلون بحيرة (إيه هو اللي طرشق؟).. *فهو لا يهمه إن عرف الناس أم لم يعرفوا...المهم أنهم صُعقوا.. *بينما حمودي زماننا هذا- الكبير- هو ذاته لا يعرف.. *ويأتي مهرولاً ليُخبر الناس- عبر وسيلته الإعلامية - بما يعرف أنهم لا يعرفونه.. *وكيلا نستطرد في التنظير أكثر إليكم نموذجاً طازجاً.. *ففي صحف البارحة جاء العنوان التالي (بكري يوجِّه بتنفيذ توصيات الحوار).. *فإن كان بكري (يوجِّه)...فمن الذي (يأمر)؟!.. *ثم التوجيه لمن؟...وليفعل ماذا؟...وما هو نوع التنفيذ ؟!.. *فهو عنوان ناقص...لخبر ناقص...(موجَّه) إلى شعب (مش ناقص).. *فالناس أصلاً (اللي فيها مكفيها)......وزيادة.. *وهي ليست (فائقة) مثل أناس زمان لتثير فضولهم أخبار حمودي الصاعقة.. *فإن كان القصد صعق الناس بمثل هذه الأخبار فلن يحصل.. *لن يُصعقوا...ولن ينزعجوا...ولن يفرحوا...ولن يحدث لهم أي شيء خالص.. *فأسلوب الصعق عبر مفردة (وجَّه) ما عادت تؤثر فيهم.. *فهم اعتادوا- سنين عددا- على هذا (التوجيه) الذي يأتي في سياقات جمل ناقصة.. *سيما إن كان من علٍ...من تلقاء من في يده (القلم).. *فمثل النائب الأول - ورئيس الوزراء- لا يوجه...وإنما يصدر قرارات.. *والناس سمعوا توجيهات عديدة من قبل...ثم لا شيء.. *توجيهات عن جبايات الطريق...ومجانية العلاج...ومحاربة الفساد.. *وانتهى كل شيء بنهاية الخطب (التوجيهية).. *فلا أحد يعلم من المقصود بالتوجيه بالضبط؛ لا من المسؤولين...ولا من المواطنين.. *ومن ثم أضحت أخبار هذه التوجيهات مثل أخبار حمودي.. *بل- ومع مرور الوقت - تفوقت عليها أخبار حمودي الصغير بقوة التأثير.. *بينما أخبار حمودي الكبير- الصحفي- لا يلتفت إليها أحد.. *وكان عشم الناس في الرجل (القوي) بكري أكبر من مجرد التوجيهات.. *ومضى الزمن الآن به - وبحكومته - والحال في حاله.. *بل ازداد سوءاً؛ وما زلنا في محطة التوجيه....لا القرارات الحاسمة.. *أخي بكري: بالله عليك (وجَّهت منو؟!!).