لا يمكن الحديث عن رواندا، دون التوقُّف عند رئيسها (بول كاغامي) ، الذي جرى تنصيبه أول من أمس رئيساً لفترة رئاسية ثالثة بعد تعديلات دستورية، وشارك الرئيس البشير في حفل التنصيب ضمن مجمو" />
بول كاغامي ..! بقلم الصادق الرزيقي بول كاغامي ..! بقلم الصادق الرزيقي
> لا يمكن الحديث عن رواندا، دون التوقُّف عند رئيسها (بول كاغامي) ، الذي جرى تنصيبه أول من أمس رئيساً لفترة رئاسية ثالثة بعد تعديلات دستورية، وشارك الرئيس البشير في حفل التنصيب ضمن مجموعة من الرؤساء والقادة الأفارقة،
وحصل كاغامي على نسبة عالية من أصوات الناخبين الروانديين وأعيد انتخابه بعد حصوله على (98,66%) من الأصوات كما كان متوقعاً، ولم يكن لمنافسيه (هابين ييزا) و(فليب مبايمانا) وجود أصلاً في هذه الانتخابات ولم يشكلا تهديداً انتخابياً له. > قيمة هذا الرجل ليس في إنه أخرج بلاده من تحت الركام والرماد والأشلاء والجثث ورائحة الموت في أعقاب المذابح العرقية والإبادة الجماعية لتكون رواندا ثاني أسرع اقتصاد صاعد في إفريقيا، وتصبح أيقونة الجمال الاستوائي وعلى درة تاجها العاصمة كيغالي أنظف العواصم الإفريقية، لكن قيمته في الإرادة السياسية والوطنية الجبارة التي صنعت وطناً كان فتافيت وطن، وبلداً ممزقاً بجراحه منبوذاً بلطخة تاريخية كانت ستبقى مدى الدهر لأبشع صور الموت والقتل والإبادة. > عندما تولى كاغامي السلطة وهو من مواليد العام 1959م، كانت بلاده غارقة حتى أذنيها في دماء أبنائها المتقاتلين وبلغت ذروة القتل في العام 1994 عندما استعرت الحرب القبلية بين (الهوتو والتوتسي) وبلغ عدد القتلى في شوارع المدن وداخل الكنائس ودور العلم والمشافي وفي مكان حوالي مليون قتيل، على مدى شهور في هذه السنة المشؤومة كانت الفؤوس والسواطير والبنادق والسكاكين والهروات تحصد الأرواح وانتشرت الأجساد والأعضاء المقطوعة والرؤوس في الطرقات وقيل إن أكثر من عشرة آلاف كانوا يقتلون في اليوم الواحد، كان الشاب بول كاغامي الذي كان لاجئاً في الجار الشمالي لبلاده وعمل في صفوف الجيش اليوغندي يقود الجبهة الوطنية الرواندية التي تمكنت من الوصول الى العاصمة والسيطرة على السلطة .. > ماذا فعل هذا الرجل .. وهو ينتمي للتوتسي الذين تعرضوا للقتل والذبح، لم يجنح ولم يقُد بلاده للانتقام، بحث عن ما يجمع ويصلح، فاستعار من الإرث الإفريقي والتقاليد العريقة في قارتنا السمراء، أنموذج المصالحات والتعافي الاجتماعي وقدم تجربة فريدة بمحاكم (قشاشا) الأهلية التي فصلت في آلاف القضايا واعترف أمامها الجناة الذين ارتكبوا أفعال القتل، وصدرت أحكاماً وبرز العفو نضيراً ومضيئاً بين الأهالي المتحاربين، وتعود حروبهم الموروثة من مائة عام وتزيد، وكان كاغامي أمام خيارين، إما ترك نار الانتقام تسري لتحرق كل شيء في رواندا، او لجم الشعور السالب ولوثة التشفي لتتعافى البلاد وتنجو. ولم تمضِ سنوات قليلة إلا ورواندا بلد الألف جبل في قمة الدول الإفريقية، بنمو اقتصادي متسارع، وأصبحت علامة مضيئة من الأمان وإحكام سلطة القانون، وغادرت مربع الفقر بحلول عملية وعبقرية، وأصبح 98% من السكان يحظون برعاية صحية كاملة، وحظي الأطفال والشباب بتعليم مجاني، بينما كانت مشروعات التنمية والبنية التحتية تغطي هذا البلد الإفريقي الصغير المغلق، الذي انتعش بعد موات، وقام من الرماد كطائر البطريق ليحلق بجناحين في قلب القارة السمراء . > وبانت إرادة كاغامي الجبارة والقوية في قضيتين أساسيتين، أولهما أنه عندما أثبتت التحقيقات الاتهامات ضد فرنسا لتورطها وتقاعسها في موضوع الإبادة الجماعية ودورها فيه ودور قواتها التي كانت موجودة في الأرض الرواندية وقوات الأمم المتحدة، أصدر الرئيس الشاب قراراً بإزاحة اللغة الفرنسية وكانت اللغة الرسمية للبلاد ويتحدثها السكان جميعاً، واعتمد اللغة الإنجليزية بديلاً عنها كلغة رسمية للدولة بجانب اللغات واللهجات المحلية ومنها السواحلية. ففي غضون سنوات قليلة نسي الروانديون أن لسانهم كان فرنسياً وتحولوا للغة أخرى في إعجاز لغوي باهر، أن يتعلم شعب كامل لغة جديدة وتتغير كل السجلات والوثائق ومناهج التعليم والمكاتبات والمراسلات والصحف وأجهزة الإعلام وكل ما يجري على اللسان في لمح البصر! . > الأمر الثاني أن قوانين سُنت حرمت التنطق وإعلان الانتماء القبلي، فالهوية صارت رواندية ويجرم القانون أي تفوه بانتماء آخر او الحديث عن مجرد اسم القبيلة، بذا تخلصت رواندا من عقدتها ومكبلاتها وانطلقت نحو مستقبلها، ووضعت أرجلها على الطريق الصحيح، يضاف الى ذلك عندما أعلن الرئيس كاغامي لشعبه أن الرياضة يوم السبت واجبة لكل الروانديين لا تخلو الشوارع كل عطلة سبت من السكان وهم يمارسون الرياضة شيباً وشباباً ونساءً وأطفال في مشهد غريب شعب بكامله يجري ويلعب الكرة وكل صنوف الرياضة ليبنوا الجسد السليم ويقللوا من الأمراض المستعصية ويخففوا على خزينة الدولة كلفة الأدوية المستوردة العلاج . رغم ذلك وقيادة الرجل لبلاده ، لا يخلو سجله عند معارضيه ومنتقديه من انتهاكات صارخة ويوصف أنه ديكتاتور قاسٍ ، يحكم بيد من حديد .. لكن مهما كان، فإن بلداً عُد فاشلاً ونهض خلال فترة زمنية وجيزة في أقل من عشرين سنة، جدير بالاحترام واحترام قيادته..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة