لن يتوقف الجدل حول تعديلات القانون الجنائي التي سلمها وزير العدل لمجلس الوزراء، لا على المستوى الفقهي والقانوني، ولا الإجرائي. ولسنا من الفقهاء ولا ندعي علماً بذلك، ولذلك لن ندخل في جدل الفقه. لكن نستند على ما تم الاتفاق عليه، أن ليس هناك نص قرآني لحد الرجم، وهذا ما لا يكابر فيه أحد، لكن أنصار حد الرجم يقولون أنه جاء بنصوص الحديث وروايات تقول إن الرسول الكريم وبعض الخلفاء قد طبقوا الحد. والحلقة التي قدمها الأستاذ الطاهر حسن التوم من برنامجه "حال البلد" واستضاف فيها الشيخ محمد مصطفى عبد القادر والأستاذ أبوبكر عبد الرازق المحامي قد قدمت وجهتي النظر باستفاضة ووضوح. الواضح أن السيد وزير العدل، بالتعديل الذي قدمه، قد استند إلى عدم وجود حد الرجم، ولم يستند إلى الروايات التي تقول أنه قد تم تطبيقه بعد ذلك، بدليل أنه ألغاه من القانون الجنائي واستبدله بعقوبة الشنق تعزيراً. يعني أن هذا التقدير اختاره وزير العدل شخصياً، أو حتى عبر لجنة كونها، وهذا اجتهاد بشري قابل للنقاش والحوار. كان من المفترض أن يتم طرح الأمر على نقاش عام، يشارك فيه الخبراء من القانونيين والعلماء والمهتمين، ليتفقوا على العقوبة المناسبة طالما أنها تعزيرية. وفي ظني أن وزير العدل، أو لجنته، قد اختارت أن تقف في المنتصف، ولا تمضي في الطريق إلى نهايته. فهم قد اختاروا عدم الأخذ بعقوبة الرجم، لكنهم خشوا من ردود الفعل التي ستجابههم، والعنف اللفظي، وربما التكفيري الذي سيتعرضون له، فاختاروا، تعزيراً، عقوبة قاسية لترضي بعض المعترضين. ولسان حالهم يقول نعم لقد ألغينا عقوبة الرجم، لكننا جئنا بعقوبة تؤدي لنفس المصير، وما كان لهم أن يسلكوا هذا الطريق. طالما أنهم اقتنعوا بعدم وجود سند لعقوبة الرجم بنص القرآن، ولم يقتنعوا بالأحاديث والروايات التي تعضد هذه العقوبة، فقد كان عليهم الرجوع لنص الآية القرءانية المحددة في سورة النور، والتي تحدد عقوبة الجلد. فعقوبة الشنق ليس لديها سند لا في القرءان ولا في السنة، وطالما هي عقوبة تعذيرية فيجب أن تخضع للنقاش والاتفاق المجتمعي لاختيار العقوبة المناسبة والتي تتسق مع الآية القرآنية، ولا تلتف عليها. العاصفة التي ستواجه وزير العدل واللجنة التي قامت بالتعديل قد بدأت نذرها على كل حال، والجدل لن يكون في العقوبة البديلة، بل في فعل إلغاء عقوبة الرجم، وكل النقاش والجدل سيتمحور في هذا الجانب، بين مؤيد للإلغاء، ومطالب بالإبقاء على النص القديم، ولن يفيد الاستدلال بالعقوبة الجديدة بالقول :"نحن في النهاية حكمنا عليه بالإعدام، وسيموت المذنب رجماً أو شنقاً. هذا سيكون استجابة لابتزاز متوقع، ولا يصلح أن يكون دافعاً للمشرع في اختيار العقوبة. هناك معايير قانونية وتشريعية وإنسانية واجتماعية كثيرة غابت عن نظر اللجنة، ويجب العودة إليها. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة