من سوء حظنا أن الكارثة التي حلّت بنا مزدوجة ولا وجود لمخرج طوارئ. لم تكتف الأقدار بجلب الانقلاب الذي أحال حياة الناس إلى جحيم، بل جعلت مصير الشعب السوداني بأكمله تحت رحمة مليشيات عبثية لا تختلف عن أفعال جهاز أمن البشير بل اسوء بكثير منه . بعد أربعة سنوات من سرقة الثورة تبخرت كل الاحلام ببناء دولة مدنية فيها الحقوق متساوية بين جميع السودانيين بغد النظر على اللون أو العرق أو البقعة الجغرافية ، والسبب في ذلك يعود إلى أن أسوأ ما أنتجه التاريخ السوداني هو الأحزاب السياسية والمليشيات ونُخب انتهازية، هي التي تتصدر المشهد في هذه اللحظات العصيبة، وهي من تعمّم العذابات إلى منزل كلّ سوداني . في السودان لم يعد الناس ينتظرون من العسكر والأحزاب السياسية والانتهازين سوى البقاء على قيد الحياة وعدم تقسيم الدولة مرة أخرى ، كان الاعتقاد أن الحكومة الانتقالية مسلوبة القرار ان تحول حياة الشعب الي رفاهية بعد ثلاثون عاما عاشها تحت رحمة حكومة دكتاتورية ، لكن السارقين ليس لهم سلطة حقيقية. بعد سقوط النظام أصبحت الانهيارات شاملة على كافة المستويات. فشل سياسي واقتصادي وأمني ، كل هذا الفشل المزدوج، لم يدفع الأحزاب السياسية للظهور ومكاشفة الشارع السوداني حول حقيقة ما جرى وما سيجري خلال المرحلة المقبلة، أو الإعلان عن معالجات سريعة لمكامن الخلل أو محاسبة المتورطين في سرقة الثورة من بعض الأحزاب ، أي انتكاسة من هذه الأحزاب لا يتحملها الشعب مرة أخرى . أن ما تسمي بأحزاب سياسية بالمعنى الصحيح في السودان لا وجود لها ، الكذب والنفاق هما سيدا الموقف على الساحة السياسية ، أن القحاتة ينظرون إلى الشعب السوداني نظرة صاحب الدجاج إلى الثعالب الضالة ، فإن الاحزاب السياسية مسمى كبير له رنين إلا أن البحث في حقيقة وجود هذا المسمى على أرض الواقع ، يجعلك تخرج بنتيجة مغايرة تماماً، لأن معظم الأحزاب في السودان أضعف كثيراً مما يليق بهذا المسمى. وبالرغم من هذه الأحزاب إلا أن تاريخها لا يعرف ألا سرقة الثورات أو مشاركة الدكتاتوريات العسكرية ولو من بعيد ، وربما كان هذا هو أحد أسباب فشل قيام الدولة المدنية في السودان ، ولعل المتأمل في حقيقة ذلك ، يلاحظ أسباباً عديدة من المؤكد أنها تعود إلى عدم الوطنية أو تعود لأسباب أخرى ، ربما على رأسها وجود أحزاب اسماً وليس فعلاً ، حيث تتفق الأدبيات السياسية السودانية على أن ضعف الاحزاب وتحولها إلى هياكل ورقية يعود إلى طبيعة إنشائها وفقدانها للديمقراطية في دستورها ، إلى أن أصبحت هذه الأحزاب تفقد كل قيمة لها أمام العسكر ما عدا بقائها كأداة للمزايدة . مع غياب الأمن والأمان يبدو أن الأوضاع في الدولة السودانية ستنزلق إلى نفق مجهول خلال الأشهر القادمة ولن يكون بمقدور المواطن السوداني حماية نفسه واسرته . يدفع السودانيون ثمن انتهازية الأحزاب التي تتخذهم رهائن لمشاريعها الضيّقة. يرفضون الاتفاق مع القوى السياسية المدينة ويصنفونها على حسب مزاجهم ويرتمون في احضان العسكر ، المواطن مجرد ورقة في قبضة الانتهازيين. لم تسفر الأزمة السودانية عن مجاعة، بل يتم تجويع الشعب بشكل متعمد من العسكر بغرض أضعاف قوته ، والرضوخ إلي الحكم العسكري.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 24 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة