الملكة إليزابيث الأولى ( 7 سبتمبر 1533 - 24 مارس 1603). آخر ملوك أسرة (تيودور )الشهيرة، ولقب عصرها بالعصر(الإليزابيثي ). وكانت ملكة الجزر البريطانية(إنجلترا وأيرلندا) من 17 نوفمبر 1558 وحتى وفاتها بعد 44 عاما في الحكم . ومكونة أول أسطول حربي بريطاني مهد لقيام الامبراطورية البريطانية.
تولت الملكة إليزابيث الأولى حكم إنجلترا في ظل ظروف بالغة التعقيد، منها صراع دموي على وراثة العرش شاب تلك الفترة من الزمان، ميزته الصراعات بين الأسر الحاكمة في كل أوروبا ..وخاصة الجزر البريطانية.
والمثير في الموضوع..أنكم لو تتبعتم أصول الأسر المالكة الأوربية سواء سواء في العصر الوسيط أو الحديث أو حتى المعاصر ، ستكتشفون أنهم تقريبا جميعا تجمهم صلات قربي من نوع ما !
والجدير بالذكر أن الدول الملكية الأوربية حاليا تحكمها تقريبا عدة أسر شهيرة من بقايا الأسر المالكة (المتصاهرة منذ القدم) في كل ملكيات أوروبا.
فكما نعلم أن هذه الزيجات (الملكية المدبرة ) بين هذه الدول كانت تتم لأسباب عديدة غير الحرص على (نقاء الدم الملكي الأزرق) كما كان يعتقد سابقا.
بل معظمها كانت تتم بسبب الصراعات على السلطة بين الأسر المالكة في داخل الدولة نفسها ( على سبيل المثال ما لقب بحرب الورود في بريطانيا بين أسرتي يورك ولانكستر، Wars of the Roses ) .
وكذلك الصراعات والغزوات بين دول القارة ، والتي كانت تحل بالمعاهدات التي تتبعها مصاهرات ملكية تعزز السلام بين الممالك الصغيرة والكبيرة المتصارعة في أوروبا.
( مع التأكيد أن حل النزاعات بالمصاهرات هذا لطالما كان شائعا عبر كل عهود التاريخ وحتى اليوم ، خاصة بين القبائل والعشائر في كل العالم وكذلك الأسر الحاكمة والمشيخات بل حتى القرى المجاورة المتصارعة).
أما ما يهمنا هنا تحديدا فهو الصراع الذي أنتج في النهاية أسرة ( تيودور) الحاكمة،بعد معاهدة السلام والتصاهر الي أدت إلى نهاية حرب الورود( والورود هنا لم تكن سوى رموز ملكية تميز الأسر المتصارعة على أحقية الحكم )، وهما تحديدا هنا أسرتي يورك ولانكستر كما ذكرت ،والتي إنحدرت منها في النهاية أسرة ( تيودور ) الشهيرة، أسرة الملكة إليزابيث الأولى..
وذلك عندما إنتهت الحرب بين الأسرتين اللتين تنحدران من أصل ملكي واحد قديم..بزواج هنري تيودور من أسرة لانكستر بالأميرة إليزابيث إبنة الملك إداورد الرابع من أسرة يورك .
ولكن بعد ذلك لم يلبث أن نشأ صراع عنيف ودموي على العرش داخل أسرة تيودور نفسها .. هذا الصراع المحتدم الذي كان ينتهي عادة ( بإعدام وجز رقاب المنافسين والمنافسات على العرش من نفس الأسرة ) شييا كانوا أم شبابا في عمر الزهور !
ولكن، الأمر الذي ميز الصراع في عصر إليزابيث الأولى بالذات، كان هو الصراع المذهبي الذي ورثته عن والدها هنري الثامن .
وهو الصراع الدموي بين أنصار المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي الناهض حديثا في ذلك الزمان بعد دعوة مارتن لوثر الإصلاحية في ألمانيا.
هذا الصراع الديني الدموي الذي أدى في النهاية ..رغم عنفه المفرط آنذاك، إلى تثبيت الكنيسة البروستاتنية الإنقليزية في مواجهة الكنيسة الرومانية الكاثيوليكية.
فلو راجعنا الحروب العنيفة التي أضطرت إلى خوضها الملكة إليزابيث الأولى منذ أن توجت ملكة وهي شابة يافعة ، سنجد أن نصفها كان حروبا دارت بين أنصار المذهبين داخل إنجلترا..وكذلك في القارة الأوربية.
بل حتى كان الإنقسام المذهبي داخل أسرتها شخصيا، والذي فجره أصلا والدها هنري الثامن عندما تبنى المذهب البروستاتني فقط للزواج من عشيقته آن بولين ( والدتها ) إبنة إيرل ويلتشير لاحقا ،وذلك عندما لم يسمح له البابا بإلغاء زواجه من زوجته الأولى الملكة كاثرين( الأميرة الأسبانية إبنة إيزابيلا وفردناندو .. الذين هزموا ملوك الطوائف المسلمين في الأندلس بسبب خلافاتهم).
ولقد كافأت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية إيزابيلا وفردنادو بلقب ( الملكين الكاثوليكيين).
المهم، كي أختصر القصة الطويلة هذه ، وأدلف فورا لأسباب شهرة ومجد الملكة ( إليزابيث الأولى )..
فهذه الملكة التي ورثت عرش إنجلترا بعد أختها غير الشقيقة الملكة ميري ( التي لقبت بميري الدموية،Bloody Mary ).
والتي وصفت بأنها ورثت عن والدها دمويته وعنفه ، هذا رغم أنها صبت جام غضبها تعذييا وقتلا للطائفة التي تبناها والدها الراحل طائفة البروتستانت ،ربما كرد فعل إنتقامي لما فعله بوالدتها الملكة والأميرة (كاثرين أوف أراغون) الكاثوليكية، والتي حتى وفاتها غبنا وحزنا لم تعترف بطلاقه منها ،وإذلاله لها عبر تغيير مذهبه إلى البروستاتي كي يتزوج بإحدى وصيفات القصر آن بولين ..وهي التي أعدمها لاحقا أيضا بالمقصلة بعد أن اتهمها وأخيها بالخيانة كي يتزوج من زوجته الثالثة ( كان ملكا عابثا مزواجا وعنيفا ) ..تزوج سبع مرات ..وماتت معظم زوجاته إما غبنا أو بالمقصلة .
خلف هنري الثامن إبنه إدوارد السادس من زوجته الثالثة ولكنه توفي يافعا، ولكن بعد أن أوصى لخلافته لحفيدة عمته ماري ملكة فرنسا
وهي النبيلة (جين جرين) التي حكمت تسعة أيام فقط ثم أعدمت بالمقصلة.
وذلك لأن أنصار الأميرتين( ميري وإليزابيث ) كانوا أكثر عددا بين أوساط طائفة النبلاء وكذلك وسط عامة الشعب .
وبعد أحداث دراماتيكية عديدة ، شاء القدر أن تخلف الملكة ميري في حكم بريطانيا أختها غير الشقيقة إبنة ( آن بولين) . .إليزابيث الأولى ( البروستاتنية ).
والتي تجنبت قدر إمكانها أن تحذو حذو أختها في التنكيل والانتقام من أنصار المذهب الكاثوليكي.
هذا رغم إضطرارها في النهاية إلى حبس وإعدام منافستها على العرش الملكة (ميري ستيوارت ملكة سكوتلاندا)، إبنة عمتها ومنافستها على العرش نسبة لأحقيتها فيه من حيث عراقة الدماء الملكية..وكذلك تمسك ميري ستيورات بمذهبها الكاثوليكي الذي كان يدعهما أنصاره. وكذلك الكنيسة وفرنسا وأسبانيا .
المهم، استطاعت الملكة إليزابيث الأولى أن تثبت نفسها وتحقق أمجادا جعلت الشعب يلقبها بألقاب تمجيد عديدة ، أهمهما( الملكة الشمس ، والملكة العذراء، وغلوريانا).
خاصة بعد هزيمتها للأسطول الأسباني الرهيب ( الرامادا) عام 1588م
وكذلك إحباطها لثورة الكاثوليك في إيرلندا.
وتصديها وثباتها في وجه النفوذ الكاثوليكي في كل القارة ، بل لكرسي البابوية نفسه .
ولقد أضطرت إليزابيث لخوض حروب عديدة في القارة الأوربية ولكن معظمها كانت دفاعية أو لنجدة أصدقائها البروتستانت .
لم تنتصر في كل الحروب، لعدم طاعة قادتها لها ومخالفتهم لأوامرها .
تميزت إليزابيث الأولى بالفصاحة في خطاباتها العامة والخاصة ،خاصة أمام البرلمان .
فلقد كانت توجز وتصيب الهدف في عبارات بليغة. وذلك نسبة للتعليم الرفيع الذي تلقته .
وإلمامها بمعظم لغات الدول التي كانت تتعامل معها إضافة.. للاتينية طبعا.
تهربت إليزابيث الأولى من كل الخطاب سواء أن كانوا ملوكا أو أمراء أو نبلاء من كل أنحاء أوروبا .
عاشت عدة قصص حب ..ولكنها خشيت أن تكللها بالزواج ، وكذلك رفضت أن تسمي لها وريثا للعرش ..خشية من تكرر المؤآمرات الانقلابية ضد حكمها.
ومن أقوالها الشهيرة: ( أفضل أن أكون فقيرة ووحيدة على أن أكون ملكة متزوجة)، ( لقد تزوجت من وطني، وكل الشعب هم أزواجي).
تميز عهدها بنشاط إقتصادي وسياسي محموم . مع دول خارج أوروبا حتى دول شمال إفريقيا التي هرب إليها الأندلسيين المورسكيين (المسلمين)..نكاية في أعدائها الامبراطوريتين الإسبانية والنمساوية الخاضعتين للكنيسة الرومانية الكاثوليكية في ذلك الزمان .
تميزت أواخر أيام حياتها حكمها بتفجر نهضة فنية وأدبية ومسرحية..كان من أبرز شخصيات هذه النهضة ( وليم شكسبير) .
.....
هذه هي الملكة إليزابيث الأولى.
رحم الله الملكة العظيمة الأخرى إليزابيث الثانية..
وأواصل بإذن الله ..
Fri,9 Sep 2022
آمنة أحمد مختار إيرا
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق September, 08 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة