من الذين حكموا هذا البلد؟ إنهم أبناء البروليتاريا المنخفضة، بل شديدة الوضاعة، والذين خدمتهم ديموقراطية التعليم التي فرضها المستعمر الانجليزي. بدلاً عن انتظار جيل أو جيلين ممن انفصموا عن ثقافة الفقر. جاء هؤلاء ممن كانوا يعيشون داخل الرواكيب ويتغوطون في الخلاء من أبناء الفلاحين وأدخلوهم كلية غردون، فاصيبوا بصدمة حضارية أشعرتهم بأنهم ورثة اللورد الانجليزي، وانتقلت معهم ثقافة الفقر فكانت كل قراراتهم فوضوية مغلفة بعنجهية مزيفة. إن ديموقراطية التعليم أفضت إلى تهميش فكرة العمل، والركون إلى الأفندوية، والصراع حول المناصب. فأصبح هناك سياسيون عطالة لا عمل لهم ولا انتاج لهم سوى اللصوصية، وسياسيون أصغر منهم لصوصية، وبُني الصرح على جرف هار. فانهار عليهم وعلينا السقف. قال حمدوك بأنه يريد أن يكون ذهاب شخص من أمدرمان للخرطوم لشرب شاي مسألة صعبة على المواطن. وهذه هي الفكرة الرئيسية للانتقال نحو حكم البرجوازية بدلاً عن البروليتاريا. لكن حمدوك كان عليه أن يسأل نفسه عما كان ليكون مصيره لو حكمته البرجوازية وهو القادم من خرارات الدبيبات؟ ربما كان اليوم يبيع الماء من صهريج الحمار. نعم.. هذا هو تاريخ السوءدان البائس الذي تسبب فيه المستعمر البريطاني حين لم يكتفِ بجمع شتات شعوب لا علاقة بينها في رقعة جغرافية واحدة، بل أضاف إلى ذلك أنه منح هذه الشعوب البدائية أدوات حكم أكبر من ثقافتها البدائية الفقيرة تلك ولم يمهد لتلك القفزة الواسعة بتهيئة جيلين أو ثلاثة قبل أن ينقل إليهم السلطة فانتج ذلك ما أنتجه اليوم من بؤس وعقليات خربة شديدة اللصوصية والحقد والتشاكس والدموية بل ومفتقرة للعدالة والنزاهة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق March, 24 2023