ضج ليل العاصمة البريطانية لندن في أول ليالي شهر رمضان بحدث فريد وغير مسبوق، حيث أضيئت نحو 30 ألف مصباح في الشوارع احتفاء بحلول الشهر الكريم. وأنار الأضواء عمدة لندن، مشاركا نحو 1.3 مليون مسلم يعيشون في العاصمة البريطانية. ورغم أن البعض قد يعتبر ذلك خطوة تدخل في اطار الشكليات، غير أنها قد تكون مقدمة لخطوات مهمة أخرى أو على الأقل مؤشرا لتنامي تأثير المسلمين في بريطانيا وهو ما تجدر الاشادة به والتفاؤل به. ويعتبر المسلمون في بريطانيا ثاني اكبر جالية في البلاد، بيد أنها جالية ظلت تكابد حالة مخاض في انتظار تحقق معادلة بين الاندماج والتمايز في المجتمع البريطاني العريض. فالمسلمون يعانون من إشكالية الاندماج الثقافي والقيمي في بريطانيا، وكذلك تأثير الإسلاموفوبيا عليهم. غير أنه بدون شك فقد تمكنت الجالية المسلمة من تحقيق نجاحات مقدرة، مثل إقامة وممارسة الشعائر الإسلامة على طول البلاد وعرضها. ويبدو أن جانبا من الاندماج الثقافي والقيمي، تمثل في تقبل المجتمع البريطاني لكثير من العادات والقيم الاجتماعية. لكن البعض يجادل بأن العيش في مجتمع غير مسلم وتقبل القيم الإنسانية العامة أمر طبيعي، إلا أن الاشكالية عندما تُفرض على الأقليات قيم غير قيمهم الأصيلة بل قد تتعارض مع أحكام الدين. وفي ذات الوقت ينظر كثير من المهتمين بشأن تعايش المسلمين مع موطنهم الجديد، إلى أن الاندماج الاجتماعي وربما السياسي، فيه مصلحة لهم وقد يمكنهم ذلك من مواجهة صعود التيار اليميني أبرز المكونات البريطانية التي تمثل تهديدا للمسلمين. ويعتبر الحد الأدنى لمطالب الأقلية المسلمة، ألا يتم التعامل معها باعتبارها جماعة صغيرة، وإنما باعتبارهم أفرادا يتمتعون بالمساواة والمواطنة الكاملة، ولهم الحق في التعبير عن قيمهم وعاداتهم. ولربما يكون مسلمو بريطانيا هم الأكثر حظا من بين الاقليات المسلمة التي تعيش في الغرب؛ فعلى سبيل نجد فروقا جلية بالنسبة لقبول الرموز الإسلامية، كقبول ارتداء النساء للحجاب وحتى النقاب، وقد يعزى ذلك إلى أن بريطانيا على المستوى الرسمي تعتبر بلدا متدينا، وأن علاقة الدين بالدولة قوية. وتوجد في بريطانيا مدارس تابعة لكنيسة إنجلترا تمولها الدولة، ويجلس الأساقفة الأنجليكان في الغرفة العليا من البرلمان، ويعتبر الملك هو «المدافع عن الإيمان» والحاكم الأعلى للكنيسة. وكان تشارلز قد قال في مقابلة صحفية: «إنني أفضل أن يُنظر إلي كمدافع عن الإيمان، لأنني أدافع عن حرية أصحاب المعتقدات الآخرين في هذه البلاد في العبادة، ويبدو لي دائمًا أنه يمكنك في نفس الوقت الذي تعمل فيه على الدفاع عن الإيمان أن تكون حاميا لكل الأديان». ولعل المفارقة المدهشة هنا أنه على المستوى الشعبي هناك تزايد مطرد لغير المتدينين مما جعل الشعب البريطاني واحدا من أقل الشعوب تديناً، مما يشير إلى مدى الخلاف بين السكان والدولة وهذا هو الهامش الذي يحاول خصوم المسلمين استغلاله. ومع ذلك لا يبدو أن ذلك يشكل تهديدا للمسلمين، إذ أوردت صحيفة الغارديان البريطانية قبل سنوات، تقريرا عن المسلمين تضمن أن أقل من ثلث البريطانيين اعتبروا أن المسلمين يتسمون بالعنف مقابل 60% في إسبانيا و52% في ألمانيا و45% في الولايات المتحدة و41% في فرنسا. لقد سبق شهر رمضان بأيام قليلة الاحتفال بأول يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا الذي صادف الخامس عشر من مارس الحالي، وكانت الأمم المتحدة قد أقرته قبل عام، ليكون يوما يهدف إلى زيادة الوعي بتلك الظاهرة، التي غدت متنامية بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية، خاصة في المجتمعات الغربية. ومعلوم أن نسبة تصاعد «الإسلاموفوبيا»، كانت قد ارتفعت في بريطانيا ستة أضعاف إثر هجمات نيوزيلندا الإرهابية التي وقعت في مارس 2019. ويثير قلق المسلمين في بريطانيا عدم الاتفاق على تعريف موحد للإسلاموفوبيا الأمر الذي يفتح الباب أمام تعريفات رغائبية ويربط الإسلام بالإرهاب بشكل مباشر. وهذا على غير ما يدعو إليه قرار الأمم المتحدة الذي نص على إن «كره الإسلام أو كراهية الإسلام أو ما يعرف بـ الإسلاموفوبيا، هو الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم، والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء، والتعصب بالتهديد وبالمضايقة، وبالإساءة وبالتحريض، وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت، وتستهدف تلك الكراهية،- بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية - الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلما». وسواء ظل مصطلح «الإسلاموفوبيا» كما هو أو تم تخفيف عبارته بعبارة «التحيز ضد المسلمين»، فإن إيجاد تعريف له باعتباره ظاهرة تهدد الأمن والسلم المجتمعي، أمر يكتسب أهمية كبيرة، كما هو الحال بالنسبة لمعاداة السامية عند الجالية اليهودية، الذي تم تبنيه من قبل الأحزاب السياسية والحكومة البريطانية. وهناك تعريف بدا مقبولا من قبل معظم الأحزاب البريطانية ما عدا حزب المحافظين الحاكم وحكومته. ويؤخذ على الحزب أن هناك العديد من مظاهر الإسلاموفوبيا لديه، حيث تم في وقت سابق تجميد عضوية بعض أعضائه، ومن أعضائه المتهمين ببث الكراهية ضد المسلمين، رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون الذي شبّه المرأة المنقبة «بلصوص البنوك». حتى إن مجلس مسلمي بريطانيا كان قد دعا إلى إجراء تحقيق رسمي بشأن ظاهرة الإسلاموفوبيا في صفوف حزب المحافظين، وقدّم المجلس إلى «لجنة المساواة وحقوق الإنسان» تقريرا يتضمن أدلة في أكثر من عشرين صفحة على العداء داخل الحزب ضد المسلمين.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق March, 24 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة