كيف تتم الانقلابات؟.. استقلال السودان أفسده (استغلال) العسكر (2) كتبه محمد الصادق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-27-2025, 09:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2023, 04:34 AM

محمد الصادق
<aمحمد الصادق
تاريخ التسجيل: 04-11-2021
مجموع المشاركات: 187

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كيف تتم الانقلابات؟.. استقلال السودان أفسده (استغلال) العسكر (2) كتبه محمد الصادق

    03:34 AM January, 04 2023

    سودانيز اون لاين
    محمد الصادق-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر



    لفهم الانقلابات و الانقلابيين يحسن بنا ان نمر علي ما ورد في المقال
    التالي بعنوان:

    كيف تصنع انقلابا عسكريا ناجحا:


    بعض الأفكار العامة التي يحسن الإلمام بها قبل الدخول في التفاصيل:

    1ـ قد يكون الانقلاب داخليا، فتدبره القوى التي يُفترض فيها الوقاية منه،
    كحرس الرئيس أو الملك مثلا، وهو ما يُعرف بانقلاب القصر، وقد يكون
    خارجياً، أي تتولى تدبيره قوى غير أولئك المقربين من رأس الدولة.
    فالانقلاب الداخلي صعب أمنياً لقرب مدبريه من عين القائد المستهدف، لكنه
    سهل عسكرياً بسبب القرب ذاته. أما الخارجي فعلى العكس من ذلك، ولنفس
    السبب: فهو سهل من الناحية الأمنية، صعب من الناحية العسكرية.

    2ـ لا يحتاج تنفيذ الانقلاب عادة إلى عدد كبير من المتآمرين، بل يكفي عدد
    صغير نسبيا، بشرط أن يكون متحكما في مفاصل حساسة من التسلسل القيادي.
    وتشير الاستقراءات المستخلصة من عشرات الانقلابات الناجحة إلى أن مجموعة
    محدودة من الضباط، تتبعها بضعة مئات من الجنود تكفي في المتوسط لتنفيذ
    انقلاب ناجح. مع توقف الأعداد الضرورية للانقلاب على نسبة عدد الجيش في
    الدولة المستهدفة، ومدى المقاومة المرتقبة للانقلاب.

    3ـ في بعض الدول تكون المظاهر خداعة حول موازين القوى الداخلية، وتكون
    السلطة الظاهرة مجرد واجهة للسلطة الفعلية، فيحتاج مدبروا الانقلاب إلى
    فرز واضح، يمكنهم من التركيز على مراكز القوى الفعلية لا السلطة
    الظاهرية. فرئيس الوزراء في أغلب العالم الثالث – مثلا – مجرد موظف لدى
    رئيس الدولة أو الملك، وواجهة لسلطته، فاستهدافه بالانقلاب خطأ
    استراتيجي. كما أن العاصمة في بعض الدول ليست مركز السلطة الفعلي، بل هي
    مركز رمزي، فالسيطرة عليها لا تعني سيطرة فعلية على السلطة.

    4ـ لا يحتاج الانقلاب العسكري إلى دعم شعبي أثناء تنفيذه، بل قد يضره ذلك
    الدعم، لأنه يكشف عن هويته السياسية، مما يؤدي إلى تعبئة بعض القوى ضده،
    كما يعرض حياة المدنيين للخطر. وكل ما يحتاجه الانقلاب أثناء التنفيذ هو
    الدعم السلبي من الشعب، وهو مضمون تقريبا إذا كانت القيادة المستهدفة غير
    شرعية ولا شعبية لها. لكن التحرك الشعبي لصالح الانقلاب في مرحلة التثبيت
    مهم للغاية، كما سنرى فيما بعد.

    5ـ من أهم ما يعين على نجاح الانقلاب عسكريا وسياسيا اتخاذ كافة التدابير
    لتجنب إراقة الدماء، والاقتصاد في ذلك – إن تعين -إلى أقصى حد. فإراقة
    الدماء في قتال بين أبناء البلد الواحد -مهما تكن دوافعها -لها أثر سيء
    على معنويات القوات المسلحة التي هي عماد الانقلاب، ولها أثر سياسي سيء
    على رؤية الناس لهذا القادم الجديد الذي لم تتضح ملامحه بعد.

    بين الدوافع والمخاطر:

    تتفاوت درجة المخاطرة التي يستعد لها الانقلابيون، بحسب اختلاف الدوافع
    السبعة المذكورة أعلاه:

    1ـ الذين يدفعهم دافع الثورة والتغيير أو دافع الأيديولوجيا يستعدون في
    العادة لدرجة عالية من المخاطرة، وبما اندفعوا تحت وطأة مشاعرهم الوطنية
    دون إعداد كاف، فانتهى جهدهم بفشل عسكري وكارثة سياسية.

    2ـ الذين يدفعهم دافع دستوري أو مصلحي يخاطرون بدرجة أقل، بشكل لا يعرضهم
    لفقدان أفضل مما يطالبون به، مع تفاوت بين الاثنين، حيث يخاطر ذوو الدافع
    الدستوري أكثر من ذوي الدافع المصلحي.

    3ـ الذين يدفعهم دافع إجهاضي يتوقف مستوى استعدادهم للمخاطرة على مستوى
    الخطر الداهم الذي يتوقعونه من خصومهم السياسيين والأيديولوجيين الذين
    يخططون للاستيلاء على السلطة.

    4ـ الذين يدفعهم دافع الطموح الشخصي والانتهازي فهم في الغالب من الجبناء
    الذين لا يخاطرون، ولا يتجرؤون على تدبير انقلاب إلا إذا كان تنفيذه سهلا
    ونتيجته مضمونة، وكثيرا ما يكون انقلابهم من نوع “انقلابات القصر”. ومن
    سوء حظ شعوب العالم الثالث أن هذا الصنف الأخير هو أكثر الانقلابات
    نجاحا، لضعف هامش المخاطرة فيه، رغم أن أهله لا يحملون رسالة تغيير وراء
    التمسك بالسلطة والاستمتاع بها على حساب الشعوب. وأنا هنا أتحدث عن
    الدوافع الحقيقية، لا عما يعلنه الانقلابيون من حسن النوايا والحرص على
    الشعب، فتلك دعاية ضرورية لنجاح الانقلاب وتثبيته، ويلجأ إليها الجميع
    مهما كانت دوافعهم الحقيقية.

    الانقلابات وصغار الضباط:

    تشير الإحصائيات إلى أن صغار الضباط هم عادة من يدبرون الانقلابات بدافع
    التغيير والثورة أو الأيديولوجيا، أما كبار الضباط فتحركهم في الغالب
    دوافع من النوع المصلحي والشخصي والانتهازي. ومن أسباب ذلك:

    1ـ أن صغار الضباط لم يتحولوا إلى جزء من المؤسسة الحاكمة، ولم يستمتعوا
    بقدر كاف من امتيازاتها، فليس لديهم شعور قوي بالرضا عنها أو بالانتماء
    إليها، على عكس كبار الضباط.

    2ـ أن صغار الضباط في العالم الثالث يكونون في أغلب الأحيان أحسن تعليما
    وأعمق وعيا سياسيا واجتماعيا من كبار الضباط.

    3ـ قد يضاف إلى ذلك عامل السن، فصغار الضباط الذين يكونون شبابا في
    العادة لديهم من الحماس والاندفاع ما ليس لدى كبار الضباط من الكهول.

    أخيرا فإن ضعف الحكومة المستهدفة وعدم شعبيتها من العوامل التي تقوي دافع
    الانقلاب في نفوس الانقلابيين، على عكس ما إذا كانت الحكومة قوية، وذات
    قاعدة دعم عريضة.

    فرص نجاح الانقلابات:

    المقصود بالفرص هنا الظروف السياسية والاجتماعية والعسكرية العامة التي
    تشكل شروطا سابقة تجعل عملية ا لانقلاب سهلة ونجاحها ممكنا. وتكتمل فرص
    الانقلاب العسكري في أي بلد بثلاثة عوامل:

    العامل الأول: ضعف أو انعدام الحياة الدستورية، ففي الديمقراطيات
    المستقرة يتراكم لدى عامة الشعب وبيروقراطية الدولة فهم للمعنى القانوني
    للحكومة، وأساس شرعية القيادة، ولا يقبل الناس الانقلابات العسكرية، بل
    هم يتمسكون بمبدأ الشرعية، وإجراءات انتقال السلطة سلميا، حتى ولو كانوا
    يكرهون القيادة القائمة. على عكس الدول التي تتحكم القوة أو العرف في
    انتقال السلطة فيها، فإن شعوبها لا ترفض الانقلابات ولا تقاومها، بل هي
    تدعمها في أكثر الأحيان أملا في حصول “شيء ما” أفضل مما هي فيه.

    وفي أحسن الأحوال فإن عامة الشعب في هذا الصنف من الدول يعتبرون الصراع
    على السلطة قضية “بعيدة” عنهم، وهي شأن “من يهمهم الأمر” وحدهم. فانقطاع
    الصلة التعاقدية القانونية بين القيادة المستهدَفة وشعبها، بما يفرزه من
    سلبية سياسية لدى عامة الشعب، هو الشرط الأول لجعل ذلك البلد مؤهلا
    للانقلابات العسكرية الناجحة.

    فالشعوب التي تطيع قادتها بسهولة دون مساءلة أو اعتراض، تتخلى عنهم
    بسهولة دون مساءلة أو اعتراض. وكل ما يحتاجه الانقلابيون من الشعب
    لينجحوا هو تلك السلبية. كما الشعوب التي اعتادت على مساءلة قادتها ورفض
    أوامرهم إن شاءت، فإﻧﻬا مؤهلة لرفض أوامر الانقلابيين والوقوف في وجههم
    بدرجة أكبر.

    العامل الثاني: مركزية الدولة وهرمية السلطة فيها، لأن الانقلاب في جوهره
    سيطرة على السلطة في المكان الذي يوجد فيه مركز القرار، بما يمكن من
    بسطها على سائر أنحاء البلد. لذا فإن من المفارقات أن المركزية الإدارية
    والعسكرية التي يلجأ إليها العديد من الحكام من أجل شد قبضتهم على
    السلطة، وحماية أنفسهم من معارضيهم، هي التي تسهل الانقلاب عليهم عسكريا.
    كما الدول التي توجد فيها مراكز متعددة للسلطة -كالدول الفيدرالية
    والكونفدرالية مثلاً، فالانقلاب على قيادتها معقد وصعب للغاية، لأنه ليس
    انقلابا واحدا، بل هو عدد من الانقلابات العسكرية بتعدد مراكز السلطة.

    ومن هنا كانت الانقلابات في الدول الديمقراطية أصعب بكثير منها في الدول
    الاستبدادية، رغم أن المظاهر توحي بعكس ذلك. والسبب أن السلطة في الدول
    الديمقراطية موزعة على مؤسسات متعددة، بينما هي مركزة في يد مؤسسة واحدة
    أو حتى شخص واحد في الدول الاستبدادية. كما أن الانقلاب يكون أصعب إذا
    كانت القوة العسكرية للدولة موزعة على أقاليم، خصوصا إذا وجد في الأقاليم
    من القوة العسكرية ما يكفي لاجتياح العاصمة، وإفشال الانقلاب. فوحدة
    السلطة السياسية والعسكرية عضويا مما يعين على نجاح الانقلاب ضدها، وكلما
    تعددت وتوزعت صعب الانقلاب عليها.

    العامل الثالث: عدم وجود مظلة حماية للنظام المستهدف من طرف دولة كبرى
    قوية، تمتلك الإرادة والوسائل لإجهاض الانقلاب عسكريا أو خنقه سياسيا.
    ويكون الإجهاض العسكري للانقلاب بوجود قوات للدولة الحامية على أرض
    الدولة المحمية وحولها، أو بقدرة تلك الدولة على إرسال قوات في فترة
    وجيزة تتمكن فيها من القضاء على الانقلاب في أيام اضطرابه الأولى. أما
    الخنق السياسي فيكون بمنع الاعتراف بالقيادة الانقلابية، وتحريك فلول
    النظام المنهار ضدها، والتواطؤ مع دول الجوار على عدم التعامل معها، حتى
    تضطر إلى الإذعان في النهاية.

    ومن هنا يلجأ العديد من قيادات الاستبداد في العالم الثالث إلى الدخول في
    أحلاف عسكرية سرية أو علنية، تحمي بها نفسها من شعبها ومن جيشها. وهو ما
    يجعل إمكانية الانقلاب منحصرة تقريبا في يد الدولة الحامية التي كثيرا ما
    تغدر بمن تحميهم، وتستبدلهم بغيرهم كلما وجدت مصلحة في ذلك تخدم استمرار
    نفوذها أو زيادته. فإذا كان لانقلاب أن ينجح في دول محمية من هذا النوع،
    فلا يكون ذلك إلا إذا خطط الانقلابيون لأحد ثلاثة أمور:

    الأول: التفاهم مع الدولة الحامية، وإقناعها بأن نفوذها ومصالحها مضمونان
    في ظل النظام القادم أحسن من النظام القائم.

    الثاني: التفاهم مع قوة دولية أو إقليمية منافسة، تستطيع توفير الحماية
    العسكرية والغطاء السياسي والدبلوماسي للانقلاب.

    الثالث: التستر على هوية الانقلاب، وممارسة نوع من التضليل ضد الدولة
    الحامية، حتى يتمكن الانقلاب، ويصبح وأده مكلفا لها سياسيا وعسكريا.

    وتصعب عملية الانقلاب وتتعقد أكثر إذا كانت لدى الدولة الحامية قوات
    عسكرية على أرض الدولة المحمية. ففي هذه الحالة تعتبر محاولة الانقلاب
    انتحارا، إلا في حالتين:

    الأولي: أن تكون قوات الدولة الحامية متمركزة في مناطق بعيدة جدا عن
    مناطق تركز القيادة السياسية للدولة المحمية التي يستهدفها الانقلاب،
    بحيث يستطيع الانقلابيون النجاح في تنفيذ انقلابهم وتثبيته قبل أن تجد
    الدولة الحامية أي فرصة لنقل قواتها إلى مكان تستطيع منه إفشال الانقلاب.
    ويصبح ثمن إفشال الانقلاب مكلفا للدولة الحامية بعد ذلك.

    الثانية: أن يكون النظام المستهدف يمر بمرحلة فتور وقلق في علاقاته
    بالدولة التي تحميه، وهو أمر يحدث من حين لآخر، فالعلاقات بين الدول تشهد
    مدا وجزرا دائمين. وفي هذه الحالة يستطيع الانقلابيون تنفيذ انقلابهم،
    والتظاهر تكتيكيا بأن من أهدافهم “كسر جدار العزلة” عن بلدهم، و”إصلاح
    العلاقات” بينهم وبين الدولة الكبرى التي كانت تحمي النظام المخلوع.

    ومع ذلك لا ينبغي المبالغة في تأثير الدولة الحامية، واستعداها للتدخل ضد
    الانقلابات، فللدول الكبرى حساباتها الداخلية والخارجية، ومنها حدود
    الثمن الذي هي مستعدة لبذله حماية لنظام تابع لها. فإذا لم يكن لدى
    الدولة الكبرى مصالح استراتيجية في غاية الأهمية فإﻧﻬا لا تكون في الغالب
    مستعدة لبذل أرواح جنودها من أجل حماية النظام التابع.

    وأغلب حالات الحماية من هذا النوع مجرد رادع نفسي، يُظهر لمن يُدبر
    انقلابا أن الدولة الكبرى ستتدخل ضده، لكن عندما يتحول الأمر جَداً،
    ويبدأ الانقلاب بالفعل، فإن الدولة الكبرى كثيرا ما تتردد وتتراجع مراعاة
    لحساباتها الخاصة. فـ “القدرة” العسكرية على الوقوف في وجه الانقلاب
    وإجهاضه ليست كافية وحدها، بل لا بد من “الإرادة” السياسية لذلك، وهو أمر
    يخضع لحسابات كثيرة غير حسابات القوة العسكرية.

    التحضير للانقلاب:

    تتسم الانقلابات العسكرية بأن التحضير لها يحتاج نفسا طويلا، قد يستمر
    عدة سنوات، ومن المهم هنا أن نفرق بين نوعين من الانقلابات:

    الأول: الانقلاب العسكري الصرف، أي الذي ينبع من الجيش بدءا وختاما، دون
    تدخل من القوى السياسية المدنية في خطته. ويبدأ هذا النوع عادة بمبادرة
    من ضابط واحد، يقتنع بفكرة الانقلاب، حتى تملك عليه أحاسيسه. ثم يفاتح
    بها ضابطا آخر أو اثنين، ممن تربطه بهم روابط قوية، ويثق فيهم ثقة مطلقة.
    وهكذا تتشكل نواة الانقلاب وعقله المدبر.

    الثاني: الانقلاب العسكري ـ السياسي، أي الذي تنبع فكرته من قوة سياسية
    وأيديولوجية، وإن كان العسكريون هم من يتولون تنفيذه. ويبدأ هذا النوع
    عادة بقرار من حزب سياسي أو حركة أيدولوجية، بعد الاقتناع أن الانقلاب هو
    سبيلهما الأخصر لتحقيق مشروعهما السياسي. ثم تُكلف قيادة الحركة أو الحزب
    بعض أتباعها المدنيين الثقاة بالاتصال بالعسكريين وتجنيدهم للمهمة. ثم
    تتكون نواة الانقلاب في شكل لجنة مدنية ـ عسكرية مشتركة.

    وعموما فإن لكل انقلاب “نواة” و”أنصارا”، أما النواة فهي مجموعة مغلقة من
    الأفراد الذين بادروا بطرح فكرة الانقلاب، وحددوا أهدافه ورسالته
    السياسية، وهم عقله المخطط، وخط دفاعه الأخير، والأنصار هم كل من يكتسبه
    أعضاء النواة بشكل مباشر أو غير مباشر للعمل لفكرة الانقلاب، وإخراجها
    إلى الوجود العملي، وتثبيتها على الأرض.

    إن تنوع أجهزة الجيش والأمن ووفرة عدد أفرادها يعينان على اختراقها،
    لكنهما لا يعينان على السيطرة عليها بسهولة. فهذا التنوع والوفرة يمثلان
    تحديا كبيرا للانقلاب، وفرصة ذهبية له في ذات الوقت. فالعدد الوفير يجعل
    من الصعب على قوى الجيش والأمن أن تكون منسجمة اجتماعيا وأيديولوجيا، أو
    مترابطة فيما بينها بروابط تقليدية كالقرابة والقبيلة.

    فالحاجة إلى الخبرة الفنية في الجيوش الحديثة وكسر حاجز تلك الولاءات،
    وفرض على كل الدول الاستعانة بأبنائها الذين يملكون تلك الخبرة، حتى ولو
    كانوا من خارج دائرة الولاء للسلطة الحاكمة. فالبدو ورجال القبائل
    الأميون الذين يعتمد بعض الحكام العرب والأفارقة على ولائهم التقليدي
    الأعمى، قد يصلحون جنودا أشداء، لكنهم لا يصلحون ملاحي طائرات وقائدي
    دبابات مثلا، وإنما يصلح لذلك أبناء الطبقة الحضرية المتعلمة.

    وهكذا أصبح من السهل اختراق الجيوش الحديثة، وتجنيد بعض وحداتها للمشاركة
    في انقلاب. ولا بد من التنبيه هنا على أن أهم العسكريين من وجهة نظر
    الانقلابيين دائما صنفان:

    الصنف الأول: الضباط، لما لهم من خبرة قيادية، والأهم من ذلك ما لهم من
    تأثير معنوي على تشكيلاتهم، وقدرتهم على كسبها إلى صف الانقلاب،
    بالمشاركة الفعلية، أو بالحياد الإيجابي.

    الصنف الثاني: العسكريون ذوو الخبرة التقنية كملاحي الطائرات، وقائدي
    الدبابات، ومهندسي الاتصال، وغيرهم. وأهمية هؤلاء تكمن في خبرتهم النوعية
    التي تستطيع ترجيح آفة الانقلابيين، حتى بالجهد الفردي أحيانا.

    ولتأمين الانقلاب من الأجهزة الأمنية يحتاج الانقلابيون عادة إلى تبني
    خطة دفاعية، فهم لا يسعون إلى اختراق الأجهزة الأمنية، كما يفعلون مع
    التشكيلات العسكرية، خوفا من الآثار العكسية لذلك، وهي إمكانية اختراقهم
    من طرف تلك الأجهزة. فهذه الأجهزة متخصصة في العمل السري، وعقلية ضباطها
    مهيأة للقيام بأدوار مزدوجة.

    لكن إذا تصادف أن وُجد من أعضاء نواة الانقلاب بعض قادة الأجهزة السرية،
    فسيكون ذلك غطاء مثاليا على أنشطة الانقلابيين. فالعاملون في الخدمة
    السرية هم أقدر الناس على التغطية على عمليات التحضير للانقلاب، بحكم
    عقليتهم المتآمرة، وثقة القادة السياسيين فيهم.

    ومما يعين على تأمين عملية التحضير الالتزام بهذه الاحتياطات الأربعة:
    إجراء جميع الاتصالات مشافهة، وعدم كتابة أي شيء على الإطلاق، وتوفير
    المعلومات لأنصار الانقلاب بقدر حاجتهم فقط، دون زيادة، وإجراء كل
    الاتصالات بين “النواة” وبين “الأنصار” في اتجاه واحد، أي من النواة إلى
    الأنصار وليس العكس، وعدم تكليف أي من أعضاء النواة بأي مهمة تحضيرية،
    إذا وجد من الأنصار من يستطيع القيام بها. وبالتزام هذه الاحتياطات يضمن
    الانقلابيون عدم اختراق جهدهم، وعدم اﻧﻬياره بالكامل في حالة اختراق جزء
    منه.

    إن تسرب أى من المعلومات عن عملية التحضير للانقلاب، أو انكشاف بعض
    الأفراد الضالعين فيه، لا يعني بالضرورة اﻧﻬيار العملية برمتها. فإذا
    احترم الانقلابيون طرائق التأمين الأربع المذكورة أعلاه، وغيرها من وسائل
    الحيطة والحذر، فإن انكشاف جزء من العملية لن يؤدي إلى فشلها كلها، بل
    سيظل الانكشاف محصورا في دائرة “الأنصار”، وستعجز الأجهزة الأمنية عن
    الوصول إلى “النواة”، التي هي قلب المؤامرة الانقلابية وعقلها التخطيطي.

    كما أن الأجهزة الأمنية ميالة إلى التريث، وعدم التعجل باعتقال من
    تكتشفهم من الانقلابيين، أملا في اكتشاف خيوط العملية كلها، وهو ما يعطي
    الانقلابيين فرصة لتضليلها، والتعجيل بتنفيذ مؤامرتهم قبل الانقضاض
    عليهم. وحينها لا يبقى لدى الأجهزة الأمنية فرصة لتحدي الانقلاب بعد
    الشروع في تنفيذه، فهي ليست قوة قتالية على أية حال.

    خطة الانقلاب:

    عند ﻧﻬاية مرحلة التحضير، واقتناع الانقلابيين أن لديهم الآن من القوة ما
    يستطيعون به إنجاز مهمتهم، ينتقلون إلى وضع خطة الانقلاب، بناء على ما
    يملكونه من قوة، وما يملكه خصمهم، ونوعية الأهداف، وطبيعة الأرض، والظروف
    الملابسة. ويتوقف نجاح الانقلاب – إلى حد بعيد – على دقة الخطة،
    ومرونتها، ومواءمتها للمكان والزمان، ولميزان القوى. فمع حسن التخطيط
    تستطيع قوة صغيرة الحجم تنفيذ انقلاب ناجح، ومع عدم التخطيط الجيد تستطيع
    قوة صغيرة موالية للسلطة المستهدفة إفشال الانقلاب. وأهم عناصر الخطة أن
    يضع الانقلابيون تصنيفا واضحا للقوات العسكرية التي تستطيع التدخل معهم
    أو ضدهم. والمعيار في ذلك أمران: طبيعة تلك القوات، وومكان تموقع
    وحداتها.

    فالقوات التي يجب أخذها في الحسبان خلال التخطيط لأي انقلاب هي الوحدات
    التي يمكّنها نوع تسليحها ومكان تمركزها من التدخل في عملية الانقلاب –
    معه أو ضده – خلال مدة لا تزيد عن 12 إلى 24 ساعة من بداية تنفيذ
    الانقلاب. ويلي تلك الخطوة تحديد الأشخاص المتحكمين في كل تشكيلة عسكرية.
    وليس من اللازم أن يكونوا هم قادتها الرسميين، بل قد يكونوا ممن فرضوا
    أنفسهم بحسن السيرة، أو بالخبرة الفنية، أو يكونون ممن منحهم قربهم من
    رأس الدولة أو قرابتهم له وضعا متميزا داخل التشكيلة. فالصنف الأول
    والثاني تحدد الخطة طريقة توظيفهما لصالح الانقلاب، والأخير تحدد الخطة
    طريقة الحذر منه وتحييده.

    أما الخطوة الثالثة فهي التعرف الدقيق على نظام التسلسل القيادي داخل
    الجيش المستهدف، حيث تتشابه الجيوش ظاهريا في بنيتها وفي تسلسل القيادة
    داخلها، لكن مركز القرار والتحكم داخل جيوش العالم الثالث ليس بالضرورة
    متماشيا مع تسلسل الرتب الطبيعي، بل إن الولاء والقرب من رأس الدولة هو
    الذي يحدد أين يقع مركز الثقل وصناعة القرار وإصدار الأوامر.

    فقد يكون قادة الجيش الرسميون مجرد واجهة رسمية لهيكل ميت، وتكون القوة
    الحقيقية في يد وحدات وتشكيلات خاصة تابعة لرأس الدولة مباشرة، ومنفصلة
    عن هيكل الجيش التقليدي. وقد تكون القوة الحقيقية في يد القيادات الدنيا
    التي تتلقى الأوامر مباشرة من رأس الدولة، لا من قياداتها العسكرية
    العليا، رغم تبعيتها الشكلية لتلك القيادات.

    فلا بد أن يفهم الانقلابيون أين يقع مركز الثقل في القوات المعادية، فلا
    يخدم الانقلابيين التركيز على بعض القادة الذي منحتهم السلطة ألقابا
    قيادية، ومكاتب فخمة، وسيارات أنيقة، مراعاة لمكانة رتبهم العليا في
    العرف العسكري، بل الذي يهم الانقلابيين أن يخترقوا تلك القيادات التي
    بيدها صلاحية القرار وقدرة التحرك.

    وكثيرا ما تقع بعض المحاولات الانقلابية في خطأ قاتل حينما تبدأ بالسيطرة
    على بعض القيادات العليا في الجيش التي لا تملك سلطة فعلية أكثر من
    مواقعها البروتوكولية، فإذا أصدرت قيادة الجيش أوامرها، تحت ضغط
    الانقلابيين، إلى الوحدات العاملة للتحرك ضد السلطة، فهمت تلك الوحدات أن
    في الأمر خطأ ما، لأﻧﻬا اعتادت تلقي الأوامر القتالية من رأس الدولة فقط،
    لا من قيادة الأركان أو وزير الدفاع مثلا. وربما ترفع تلك الوحدات الأمر
    إلى رأس الدولة، فتوقع بالانقلابيين من حيث أرادوها أن تساعدهم. فهذا
    النوع من القيادة الموازية الذي يحتفظ به بعض قادة الدول في العالم
    الثالث، يجعل التسلسل القيادي في الجيش لا قيمة كبيرة له، ويجعل القوة
    الفعلية في يد الوحدات الخاصة والتشكيلات الدنيا المرتبطة برأس الدولة،
    لا في قيادات الأركان أو وزارات الدفاع.

    ومن أهم عناصر الخطة الانقلابية تحديد الأهداف التي يتعين التعامل معها
    أثناء تنفيذ الانقلاب، ومن هذه الأهداف:

    أولا: القيادة السياسية

    يتعين على الانقلابيين تصنيف أعضاء القيادة المستهدفة إلى قسمين: قسم
    يتحتم عزله وتحييده من بداية تنفيذ الانقلاب حتى تستقر السلطة الجديدة،
    وقسم يمكن تجاهله، نظرا لهامشيته، وعدم أهميته، وضعف وزنه القيادي.

    وفي الظروف الاعتيادية يمكن تقسيم جهاز الدولة إلى نوعين من المؤسسات:
    مؤسسات سيادية، وهي التي تملك وسائل الإكراه، ولها دور في القرار
    الاستراتيجي والتوجه السياسي، كرئاسة الدولة، ووزرات الدفاع والداخلية
    والخارجية، وومؤسسات خدمية، ليس لها من ذلك شيء. كوزارات الصحة والثقافة
    والتربية القومية، وما إليها.

    فالقسم الأول يتحتم السيطرة عليه ضمن تنفيذ الانقلاب، أما القسم الثاني
    فيمكن تجاهله في البداية على الأقل، اقتصادا في جهد الانقلابيين ووقتهم،
    وتفرغا لمهماتهم الأهم والأخطر. ويدخل في القسم الأول التي يتحتم تحييده،
    قادة الجيش والأمن الذين لم يشتركوا في الانقلاب، ولم يمكن إقناعهم
    بالانضمام إليه أثناء التنفيذ، وبعض الشخصيات المتنفذة، ممن ليس لهم موقع
    رسمي في جهاز الدولة، لكنهم محل ثقة القيادة المستهدفة، وأهل ولاء لها.
    وتزداد أهمية كل شخص بقدرته على تحريك جهاز الدولة أو جماهير الشعب ضد
    الانقلاب، كأي وزير أو قائد حزبي ذي شعبية واسعة، لأن تحرك أي شخص من هذا
    الوزن قد يعرض الانقلاب للخطر.

    وعموما فإن المطلوب ليس اعتقال كافة أعضاء القيادة المستهدفة بالانقلاب،
    فإمكانات الانقلابيين محدودة، ووقتهم ضيق، وليس من مصلحتهم العسكرية
    تبديدهما في ذلك، ولا من مصلحتهم السياسية استهداف الجميع. بل المطلوب
    التركيز في الساعات الأولى على اعتقال العناصر القوية المؤثرة في النظام،
    وتأجيل الباقي إلى حين توسع قاعدة الانقلاب، بانضمام بعض القوى المحايدة
    إليها، كما يحدث عادة مع ظهور بوادر النجاح، وحينها ينظر الانقلابيون إن
    كان هناك حاجة لتوسيع عملية اعتقال القادة السياسيين أم لا.

    وقد تكون تلك العناصر الخطرة التي يتحتم اعتقالها لا تتقلد مناصب رسمية
    مهمة في الدولة، وإنما تعمل من وراء واجهات وشخصيات ضعيفة أخرى. ففي كل
    النظم غير الديمقراطية “رجال أقوياء” ليسوا في الواجهة، لكن قربهم من رأس
    الدولة أو قرابتهم منه، تجعلهم ذوي نفوذ خاص في الدولة، وولاء قوي
    للنظام، ويتولى كثير منهم بعض المهام الخفية الحيوية، كأعمال
    الاستخبارات، كما يحظون بصلاحيات وإمكانات تحرك غير محدودة. فإلى هؤلاء
    ينبغي الانتباه في عملية الاعتقال، لأﻧﻬم يمثلون خطرا خفيا قد يؤتَى
    الانقلابيون من قِبَله وهم غافلون.

    فالخطة الانقلابية الناجحة هي التي تنبني على قراءة دقيقة لجهاز الدولة
    كما هو بالفعل، لا كما توحي به المظاهر البروتوكولية. وفي بعض الدول تكون
    البنية معقدة جدا: فالحكومة الفعلية غير الحكومة الرسمية، والقرار الفعلي
    بيد دائرة مغلقة من أقارب رأس الدولة، يمثلون ما يشبه “الحكومة الخفية”،
    وأغلب هؤلاء ليسوا أعضاء في الحكومة الرسمية. وحتى وزراء المؤسسات
    السيادية كالدفاع والداخلية لا يكونون في هذه الحالة أهل قرار فعلي، ولا
    هم مطلعون على سير الأمور بما يكفي، بل هم مجرد موظفين، وواجهات لغيرهم.
    وهنا يحتاج الانقلابيون إلى التأكد من أن أعضاء “الحكومة الخفية” قد تم
    اعتقالهم وتحييدهم. ومن أمثلة هذه “الحكومات الخفية ” أعضاء الأسر
    المالكة، وأقارب رأس الدولة في الدول المحكومة حكما قبَليا.

    ويوجد بعض الأشخاص من ذي السلطة الرمزية، الذين لا حاجة لاعتقالهم، بل
    يعد اعتقالهم خطأ سياسيا وإعلاميا في كل الأحوال، لأن الانقلابيين
    يستطيعون استخدام مكانتهم في إضفاء الشرعية على الانقلاب، وإظهار تآكل
    الولاء للسلطة القديمة، حتى عند أقرب المقربين منها.
    سادسا: الأحزاب والنقابات

    لا تستطيع الأحزاب السياسية والنقابات المهنية تحدي انقلاب عسكري في
    الظروف العادية. لكن هنالك استثناءات من هذه القاعدة. ومنها أن تكون
    الأحزاب أو النقابات امتدادا لحركة سياسية راديكالية متأدلجة، حسنة
    التنظيم، لديها جناح سري، أو ميليشيات شبه عسكرية. فإذا أضيف إلى ذلك كون
    قيادتها كارزمية، وذات شعبية مرتفعة، لا تهاب الصدام والمواجهة. تضاعف
    الخطر على الانقلاب منها. ويتفاوت خطر هذا النوع من الأحزاب والنقابات
    تبعا لتفاوت حجمها العددي، وانسجامها الداخلي، وروحها النضالية. فمثل هذا
    النوع من الأحزاب والحركات السياسية قد تضر بالانقلاب إذا تمكنت من تسيير
    مظاهرة عنيفة تتحدى سلطة الانقلابيين المتأرجحة، أو قامت بعمليات تخريب
    للبنية التحتية يربك تنفيذ الانقلاب.

    فلا بد أن تتضمن خطة الانقلاب تحديد هذا النوع من قيادات الأحزاب
    والنقابات، والإعداد لاعتقالها. علما بأن اعتقالها قد يكون أصعب من
    اعتقال بعض قادة الدولة، نظرا لطبيعة تنظيمها، وقدرتها على التخفي والعمل
    تحت الأرض. ومما يجب الانتباه له هنا أن بعض الأحزاب والنقابات والحركات
    السياسية صغيرة العدد، والتي لا أهمية لها ولا أثر في المسرح السياسي في
    الظروف العادية، قد تتحول قوة ضاربة خطيرة أثناء ظروف الشد والجذب التي
    تصاحب الانقلاب. وذلك إذا كانت من النوع الراديكالي الذي ينطبق عليها
    وعلى قيادتها الوصف أعلاه.

    ومما يعين على تحييد خطر الحركات الراديكالية أن قيادتها في الغالب قيادة
    مركزية مهيمنة، وأتباعها معتادون على “انتظار التعليمات” قبل المبادرة
    بأي فعل، فإذا استطاع الانقلابيون اعتقال رؤوس الحركة، فإن جسمها من غير
    رأس يصبح مشلولا لا خطر منه.

    وهنالك ثلاثة أنواع من القوى السياسية التي لا يحتاج الانقلابيون إلى
    تحييدها أو التضييق عليها: القوى السياسية الداعمة للانقلاب ابتداء، أو
    التي انضمت إليه عند بداية تنفيذه، والقوى السياسية التي اتخذت موقفا
    محايدا من الانقلاب، في انتظار انجلاء الأمور، والقوى الهامشية التي
    يمقتها الشعب، والتي لا يضر تحركها الانقلاب ولا يعطله.

    وفي بعض الظروف يكون إفساح الحرية للقوى الهامشية الممقوتة للتحرك ضد
    الانقلاب مفيدا للانقلابين من جهتين: كسب تعاطف القوى السياسية المعتدلة،
    وعامة الشعب، ممن يكرهون تلك القوى المتطرفة، وإيجاد غطاء لمحاربة القوى
    الأخرى المعارضة للانقلاب، تحت ذريعة تعاوﻧﻬا مع المتطرفين الممقوتين.
    وهذه لعبة ملتوية وخطرة على أية حال، يجب الحذر من اللجوء إليها إلا في
    حالات الضرورة، لأن إفساح اﻟﻤﺠال للمتطرفين الهامشيين في ظروف التوتر قد
    يمنحهم دعما شعبيا لم يكونوا مؤهلين له في ظروف الهدوء، وبالتالي قد
    يحولهم إلى قوة حقيقية تهدد الانقلاب.

    وفي كل الأحوال، لا بد أن تتضمن خطة الانقلاب إغلاق مقرات وفروع كل القوى
    السياسية والنقابية التي لا يضمن الانقلابيون ولاءها لهم، أثناء مرحلة
    تنفيذ الانقلاب. وذلك احتياطا من استعمال البنية التنظيمية ووسائل
    الاتصال التي تملكها تلك القوى السياسية في التعبئة ضد الانقلاب.

    تنفيذ الانقلاب:

    يعتبر تنفيذ الانقلاب عملا عسكريا، لكن له خصوصيته التي تميزه عن الأعمال
    الحربية. فالانقلاب عملية عسكرية جراحية تضرب قلب جهاز الدولة، لتنتقل
    منه إلى السيطرة على جسم الدولة بأسره. وإذا كانت السرعة والمفاجأة
    مهمتان في العمليات العسكرية الحربية، فإﻧﻬما في الانقلاب أول شروط نجاحه
    وبقائه.

    كما يمتاز الانقلاب باستخدام كافة القوة المتاحة في نفس الوقت، لأن الحسم
    السريع هو طريقه الوحيد للنجاح، بخلاف الحروب التي يهتم مخططوها وقادتها
    بالمحافظة على جزء من قواتهم خارج المعركة، احتياطا للأسوإ في المستقبل.
    وسبب هذا الاختلاف هنا أن الانقلاب لا يملك هامش وقت، فلا بد أن ينجح في
    وقت قصير أو يكون الفشل مصيره، والقوة المفيدة للانقلاب اليوم غير مفيدة
    له في الغد. فليس أمام الانقلابيين سوى دخول حلبة السباق مراهنين بكل ما
    يملكون. فإما نجاح كامل أو فشل كامل، ولا توسط بين الحالتين.

    وبحكم عامل الوقت هذا، لا يملك الانقلابيون المرونة التكتيكية التي
    يمتلكها قادة الحروب، ففي الحرب يمكن تصحيح الأخطاء، وتغيير الخطط،
    والتموين بالسلاح، واستبدال المقاتلين. كما في الانقلاب فليس أي من ذلك
    ممكنا في غالب الأحوال. ومن هنا كانت أهم مراحل الانقلاب والتي يتوقف
    عليها ما عداها، هي مرحلة التحضير ومرحلة التخطيط. فلا بد أن تتضمن خطة
    الانقلاب دراسة مفصلة لكل هدف، وتحديد كل تحرك، ومهمات كل تشكيلة من
    التشكيلات العسكرية المشاركة، دون ترك أي شيء للصدف، أو السماح بأي فراغ
    في العملية. وبالتخطيط المفصل هذا لا تحتاج قوات الانقلاب إلى مقر تنطلق
    منه في عملياتها، بل إن وجود مقر مادي لها يضر الانقلاب ولا ينفعه، حيث
    سيصبح هدفا للقوى المناهضة للانقلاب، وسببا في محاصرته واختناقه.

    ومن المفيد وجود بعض المرونة في توقيت تنفيذ الانقلاب، وعدم تحديد توقيت
    مسبق في الخطة يجب الالتزام به بصرامة. ذلك أن مرونة التوقيت تساعد
    الانقلابيين على الاستفادة من أي ظروف طارئة مواتية، كغياب رأس الدولة في
    سفر إلى الخارج، أو اضطرابات سياسية تؤدي إلى سخط شعبي على الحكومة.

    لكن هذه المرونة المرغوبة لا تكون ممكنة دائما، لأن عملية اختراق الجيش
    التي يقوم بها الانقلابيون في مرحلة تحضير الانقلاب عملية حساسة، وكلما
    توسعت زاد خطر انكشافها. فلا يستطيع الانقلابيون الانتظار طويلا حينما
    تصبح لديهم قوة كافية لتنفيذ انقلابهم، لأن كل انتظار يحمل معه مخاطر
    انكشاف جديدة. هذا إضافة إلى أن احتمال تراجع بعض العسكريين عن ولائهم
    للانقلاب، بسبب الخوف أو غيره، احتمال وارد في كل لحظة.

    فالعامل الحاسم في تحديد توقيت الانقلاب هو القدرة على التنفيذ. فإذا أحس
    مخططو الانقلاب وقادته بالرضا عن مستوى قوتهم، فلم يعد أمامهم إلا التقدم
    نحو التنفيذ. ومما يعنيه ذلك أن تحديد توقيت يتم إبلاغ القوى الانقلابية
    به فترة من الزمن قبل يوم التنفيذ أمر غير وارد عمليا ولا أمنيا. لأن
    تحديد التوقيت يتوقف على سير التحضير وإعداد الخطة، كما أن الإخبار به
    بمدة قبل وقته يشتمل على خطر تسرب الخبر إلى الأجهزة الأمنية الحكومية.

    لكن الانقلابيين عادة ما يخططون لتنفيذ انقلابهم في وقت متأخر من الليل،
    لأن في ذلك عدة مكاسب منها: الاستفادة من الظلام ستارا لتحركهم، ومفاجأة
    القوات الحكومية وهي في حالة استرخاء وكسل، وخلو الشوارع من المدنيين
    أثناء التحركات العسكرية.

    لكن هذه القاعدة “الليلية” ليست عامة في كل الظروف، ففي بعض الحالات
    النادرة يكون الانقلاب في أوقات النهار أفضل، وأضمن لاعتقال القادة
    السياسيين والعسكريين في السلطة المستهدفة. ويصدق هذا الاستثناء خصوصا
    على انقلابات القصر التي لا يتوقع حدوث قتال فيها في العادة. حينما
    تستيقظ حكومة ما على صوت الدبابات أو السيارات العسكرية تجوب الشوارع في
    الساعات الأخيرة من الليل، فإﻧﻬا ترتبك في البداية، فلا تدري هل هذا
    التحرك غزو خارجي، أو عصيان عسكري، أو تمرد طائفي. والمطلوب من
    الانقلابيين هو خلط الأوراق، ومنع السلطة من تشخيص ما يدور تشخيصا دقيقا
    يمكنها من الدفاع عن نفسها في الوقت المناسب.

    ومما يعين الانقلابيين على خلط الأوراق الارتباك الذي يسود بين قيادات
    الدولة عند بداية الانقلاب، والفارق بين ما يُدعى في صنعة الاستخبارات
    “المعلومات الصلبة” و”الضجيج” الذي يحيط بتلك المعلومات، أي الشائعات
    المصاحبة. فكل تحرك للانقلابين في أي مكان من العاصمة ينتج عنه العديد من
    الشائعات والتقارير المتضاربة التي تصل إلى أجهزة الأمن. وما دام الوقت
    لا يسمح لأجهزة الأمن بفرز دقيق وتمييز موضوعي بين ما هو معلومات وما هو
    شائعات، فإن ذلك يصب في مصلحة الانقلابيين.

    وتتألف القوى الانقلابية من وحدات مرنة الحركة، لكل منها مهمة محددة،
    وقيادة مستقلة، ويختلف حجمها ونوعيتها باختلاف هدف كل منها. وهي تحرص على
    التنسيق من بعيد، بشكل لا يمكن الطرف الآخر من تحديد هدفها النهائي،
    وطبيعة تحركها. ويتوزع قادة الانقلاب على تلك الوحدات، بحسب مهمة كل
    وحدة، وحاجتها إلى حضور ذلك الشخص في تحقيق مهمتها النهائية. فقائد
    الانقلاب يكون مع الوحدة المكلفة بالسيطرة على القصر الرئاسي أو الملكي،
    والناطق باسم الانقلاب يكون مع الوحدة المكلفة بالسيطرة على الإذاعة
    والتلفزيون، والمكلف بتحييد الجيش يكون مع الوحدة المكلفة بالسيطرة على
    قيادة الأركان… وهكذا دواليك.

    تكوين التشكيلات الانقلابية:

    وتتألف التشكيلات الانقلابية عادة من اﻟﻤﺠموعات التالية:

    1ـ فريق يتولى اقتحام مقرات القيادات العسكرية والأمنية التي لم تنضم إلى
    الانقلاب، وتملك قدرات للتدخل ضده. ثم يستخدم تلك القيادات في إصدار
    أوامر إلى قواتها لمساندة الانقلاب، أو البقاء على الحياد. ولا بد أن
    يكون هذا الفريق كبير العدد، ثقيل التسليح (دبابات، مدفعية. ..الخ) قادرا
    على اقتحام مواقع محصنة.

    2ـ فريق يتولى السيطرة على سكن رأس الدولة (القصر الملكي أو الرئاسي)
    ويتحصن داخله، ويحكم دفاعاته من حوله. ويعتقل رأس الدولة (الملك أو
    الرئيس) وينقله إلى مكان آمن مجهول محدد سلفا. وهو أيضا يحتاج إلى أن
    يكون كبير العدد، مسلحا تسليحا ثقيلا، قادرا على اقتحام التحصينات.

    3ـ فريق يتولى السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي، ويستخدمه
    لإذاعة “البيان الأول” الذي يعلن تغيير قيادة البلد وأهداف الانقلاب. ثم
    يحكم دفاعاته من حوله. ويكفي أن يكون هذا الفريق متوسط العدد والتسليح.

    4ـ فريق يتولى اعتقال القادة السياسيين الذين يمكنهم الإضرار بالانقلاب
    عسكريا أو سياسيا، وإيداعهم في مكان آمن مجهول، محدد سلفا في خطة
    الانقلاب. وهو يتألف من وحدات صغيرة خفيفة الحركة، تتوزع فيما بينها
    المهام، وتعمل بالتوازي.

    5ـ فريق يتولى قطع وسائل الاتصال والمواصلات، وسد منافذ العاصمة جويا
    وبريا وبحريا (إن وجدت منافذ بحرية)، ومنع الدخول إليها أو الخروج منها،
    حتى يستقر الانقلاب ويتم التأكد من نجاحه، وهو مثل سابقه، وإن كان يزيد
    عنه بالحاجة إلى فنيين.

    6ـ فريق يتولى جمع المعلومات عن القوى المعادية، وبث الإشاعات بنجاح
    الانقلاب، ويكون أفراده في زي مدني. فإذا كان الانقلاب مدعوما من طرف حزب
    أو حركة سياسية، فإن بعض المدنيين الموالين للانقلاب يستطيعون تولي هذه
    المهمة، جزئيا أو كليا.

    7ـ فريق يتولى أعمال الدوريات، وفرض منع التجول في العاصمة خلال مرحلة
    اضطراب الانقلاب، ورصد أي تحرك معاد للانقلابين في أي مكان من المدينة،
    ويمكن أن يشترك في هذا الفريق بعض المدنيين في زي عسكري.

    وأصعب مهمات التشكيلات الانقلابية من الناحية العسكرية هي اقتحام الموقع
    الحصينة مثل القصور الملكية /الرئاسية، ومقار قيادات الجيش، لكن بعض
    العوامل تعينها على ذلك، منها: قطع اتصال القوات المدافعة بقيادتها
    السياسية، وضعف الدافع القتالي لدى تلك القوات ابتداء، وضخامة القوة
    المهاجمة، وقوة تسليحها الثقيل، ومنح المدافعين كل فرص الاستسلام دون قتل
    أو قتال.

    ثم يكون بعد ذلك تحدي الدفاع عن تلك المواقع الحصينة بعد اقتحامها. وليس
    لاقتحام المواقع المحصنة والدفاع عنها صيغة تكتيكية ثابتة، بل يختلف
    التكتيك باختلاف طبيعة المكان والقوات والتحصينات. وعلى الانقلابيين في
    كل بلد أن يبتكروا الطرائق المناسبة لذلك في ظروفهم الخاصة.

    تثبيت الانقلاب

    من أخطر أوقات الانقلاب، تلك الساعات أو الأيام الأولى التي تفصل بين
    الاستيلاء على قلب السلطة، وبين مد النفوذ على جميع أجهزة الدولة، وجميع
    أقاليم البلد. وكثيرا ما فشلت الانقلابات في هذه المرحلة الحرجة. لذا
    يتعين على الانقلابيين في هذه المرحلة تحقيق هدف مزدوج، هو: السيطرة على
    كامل جهاز الدولة العسكري والمدني، واستخدامه للسيطرة على كامل أرجاء
    البلد.

    ولعملية التثبيت مظهران: تثبيت الانقلاب بالقوة العسكرية على أرض الواقع،
    وتثبيته بالإعلام والسياسة والدبلوماسية في قلوب الناس، أما الشق الأول
    فإن أحسن ما يفعله الانقلابيون لتحقيقه هو التسريع في بسط النفوذ،
    والتأكد من تحييد القوى التي تستطيع أن تُشكل تهديدا لمشروعهم في فترة
    التذبذب الأولى. مع اعتماد منهج وقائي صارم، يُدرك أصحابه أن أي فراغ أو
    خلل يظهر في سلطتهم قد يغري الآخرين بمقاومتها، وأن أي مقاومة للانقلاب
    يمكن أن تقود إلى مزيد من المقاومة، فإذا استمر مسلسل المقاومة فإن
    الانقلاب سيفشل في النهاية. ولا يعني تحييد القوى التي قد تشكل خطرا على
    الانقلاب الصراع معها، وإنما الحيلولة بينها وبين التدخل ضد الانقلابيين
    لبضعة أيام، يتمكن فيها الانقلاب ويرسخ وجوده، ويصبح قادرا على احتوائها
    سياسيا.

    أما الشق الثاني فهو يركز على ترسيخ وجود السلطة الجديدة في أذهان الناس
    من خلال مبادرات سياسية ودبلوماسية وإعلامية، تجعل التغيير الجديد
    مرغوبا، وتفتح الباب كمام الجميع لمساندته ودعمه معنويا. ومما يلجأ إليه
    القادة الجدد في هذا المقام: تسيير مظاهرات مؤيدة لهم، ومناهضة لنظام
    “السلطة البائدة”. وشن حملات إعلامية تخدم هذا الهدف المزدوج، وفتح قنوات
    التفاوض مع كافة القوى السياسية والاجتماعية، وطمأنتها أن الانقلاب يخدم
    مصلحتها، وفتح قنوات الاتصال الدبلوماسي، مع سفارات الدول الأخرى، لكسب
    اعترافها، وطمأنتها أن القادة الجدد يرغبون في حسن العلاقة معها.

    ومن المبادئ العامة التي يتعين الالتزام بها في تثبيت سلطة الانقلابيين ما يلي:

    1ـ عدم الإفصاح عن أهداف الانقلاب السياسية، وعدم استهداف أي طرف سياسي
    أو اجتماعي بعينه خلال الأيام الأولى من الانقلاب، وتوزيع الأمل على
    الجميع، بخطاب سياسي عام وغائم يُرضي الكل ولا يُسخط أحدا، خصوصا تلك
    القوى التي تستطيع الإضرار بالانقلاب عمليا، كقوى الجيش والأمن غير
    المشاركة في الانقلاب، والأحزاب السياسية والنقابات والصحفيين ورجال
    الأعمال ورجال الدين…الخ

    2ـ انتقاء عناصر من النظام القديم، واتخاذهم حلفاء مؤقتين، تخفيفا من
    صدمة التغيير المفاجئ عليهم، وعلى العامة الذين اعتادوا عليهم. وأقل
    نتائج ذلك تحييد تلك العناصر في أيام الاهتزاز الأولى، والطعن في مصداقية
    النظام المخلوع، من خلال زرع انطباع في قلوب عامة الشعب بأن لا أحد ينبغي
    أن يهب لنجدة نظام تخلى عنه أقرب المقربين إليه.

    3ـ التوجه إلى أعضاء الطبقة المتوسطة المتعلمة من اﻟﻤﺠتمع، ممن لم
    يستفيدوا من النظام المخلوع، واتخاذهم مساندا للنظام الجديد. فتعليم
    هؤلاء يؤهلهم عمليا للمساندة الفعالة، وحرماﻧﻬم من مكاسب النظام القديم
    يمنحهم دافعا نفسيا لها. فلا أحد يساند النظام السياسي الجديد مثل
    الإنسان المتعلم الطموح المحروم.

    ومن أجل فهم عملية التثبيت التي يحتاجها الانقلابيون حينما يسيطرون
    عسكريا، ينبغي أن ننظر فيما يمكن أن يكون رد الفعل النفسي لمختلف القوى
    المتأثرة بالانقلاب:

    أولاً: الجيش والأمن

    بالنسبة لقادة الجيش والأمن الذين لم يشاركوا في مؤامرة الانقلاب، يمثل
    الانقلاب أثناء تنفيذه مزيجا من الفرصة السانحة والخطر المحدق، وتتوقف
    ردة فعل هؤلاء على تقديرهم لميزان القوى أثناء الانقلاب: فإن وجدوا أن
    الانقلاب يسير إلى نجاح، فالغالب أن يلتحقوا به أملا في الاستفادة من
    ولاء اللحظة الحرجة، وإذا وجدوا أن القوى الانقلابية ضعيفة ومتذبذبة فسوف
    ينضمون إلى القوى الموالية للسلطة المستهدفة، سعيا وراء كسب ثمن الإنقاذ،
    وإن وجدوا الأمر متأرجحا وقفوا على الحياد خوفا من المراهنة على طرف قد
    يخسر الصراع في النهاية.

    وعموما يميل أغلب القادة العسكريين والأمنيين إلى الحياد الآمن أكثر من
    ميلهم إلى المخاطرة بمعارضة الانقلاب، ولا يلجأون إلى مقاومته إلا إذا
    اضطرتهم ظروف المكان إليها، أو أغراهم التأكد من فشل الانقلاب، أو ارتكب
    الانقلابيون خطأ المبادرة بقتالهم دون ضرورة.

    ومهمة الانقلابيين بعد النجاح الأولي أن يبادروا بفتح قنوات الاتصال مع
    هؤلاء، وإغرائهم بالانضمام إلى القافلة الانقلابية، وإسناد بعض المهام
    الهامشية إليهم، مثل تسيير الدوريات وفرض منع التجول، مع مراقبتهم والحذر
    منهم حتى يتأكدوا أﻧﻬم لا يبيتون شرا ضد القيادة الجديدة. وربما يحتاج
    الانقلابيون إلى إسناد مهمات دعائية لبعضهم، خصوصا من كانوا أهل قرب
    وولاء للقيادة القديمة، لأن في ذلك طعنا في مصداقيتهم ومصداقية القيادة
    القديمة، تمهيدا للتخلص منهم في النهاية، حيث أﻧﻬم ممن لا يؤمن جانبه.

    ثانياً: البيروقراطية الإدارية

    بالنسبة لقادة البيروقراطية من كوادر الإدارة العليا، مثل وكلاء
    الوزارات، وحكام الأقاليم، ومديري الشركات العامة. فإﻧﻬم في العادة
    ينظرون إلى الانقلاب أثناء تنفيذه باعتباره فرصة لتحسين وضعهم من خلال
    منح الولاء للانقلابين في وقت هم في أمس الحاجة إليه، وتوقع ثمن ذلك
    مناصب أرقى في النظام الجديد. وربما أحس بعضهم بعدم الأمن، لأن تورطهم في
    سياسات النظام يجعلهم غير آمنين من أن تطالهم يد العقاب ضمن تصفية الحساب
    مع ذلك النظام.

    لكن الغالب أن يميلوا إلى مداهنة الانقلاب بعد نجاحه العسكري الأولي، فهم
    ليسوا أهل ولاء للقيادة السياسية، بل أهل ولاء لمناصبهم، وتقدمهم المهني
    في البيروقراطية. وهذه الطائفة مهمة جدا للحكام الجدد، لأن استخدام
    خبرتها الإدارية في تسيير شؤون الدولة هي التي ستمكنهم من بسط نفوذهم على
    جميع أرجاء الدولة، وتجعل سلطتهم حاضرة في جميع أطرافها. لذا فإن من أهم
    ما يفعله القادة الجدد هو اللقاء أو الاتصال بهؤلاء الإداريين وتعبئتهم
    لنصرة السلطة الجديدة والسير في ركابها.

    وبعض قادة الجيش والأمن والبيروقراطية الإدارية الذين لم يشتركوا في
    الانقلاب، ولا ساندوه في أوقات الحرج، يميلون بعد نجاح الانقلاب إلى
    الإحساس بالعزلة، وعدم الاطمئنان على مستقبلهم المهني، وحتى على حياتهم.
    وقد يدفع هذا الإحساس بعضهم إلى إعلان مساندته للسلطة الجديدة بشكل
    مفتعل، وبعد فوات الأوان، وقد يدفع بعضهم إلى العمل سرا ضدها، وهو أمر
    خطير في مرحلة التثبيت.

    وللتعاطي مع هذه المشكلة يحتاج الانقلابيون إلى التخفيف من إحساس هؤلاء
    بالعزلة والخطر، من خلال لقاءات مباشرة معهم، تحمل فكرة رئيسية واضحة،
    وهي أن السلطة الجديدة ليست خطرا على مناصبهم ومواقعهم، وليس من أهداف
    الانقلاب إعادة صياغة الجيش والإدارة بشكل يهدد مستقبلهم المهني. لكن هذه
    الرسالة يجب أن تصل بقوة وثقة، لا يفهم منها المتلقي حاجة السلطة الجديدة
    إلى دعمه، ولا ضعفا في مواقفها.

    ثالثاً: الجماهير الشعبية:

    خصوصا الطبقة المتعلمة وأعضاء البيروقراطية الدنيا، ممن لا يخسرون شيئا
    بسقوط النظام القائم، فهم غالبا متعاطفون مع الانقلابيين أثناء تنفيذ
    الانقلاب وتثبيته، حتى وإن كانوا لا يرجون مصلحة كبيرة من ذلك. فجهلهم
    لما يأتي أحب إليهم من الواقع السيء الذي عرفوه.

    لكن لا ننسى أن التعاطي مع الجماهير في مرحلة تثبيت الانقلاب لا بد أن
    يبدأ أولا باستعمال وسائل الإكراه، مثل حظر التجول، وتعطيل وسائل الاتصال
    والتنقل، والهدف من ذلك هو “تجميد” الوضع العام، وسد الباب أمام أي تنسيق
    من طرف القوى المناهضة للانقلاب. ثم ينتقل الانقلابيون من “التجميد” إلى
    “التحريك “، أي استعمال وسائل السياسة والإعلام لتحريك الأوضاع لصالح
    السلطة الجديدة ومشروعها. فالجماهير التي تم احتجازها في البيوت ابتداءً
    حماية للانقلاب، لا بد من إخراجها إلى الشارع بعد ذلك دعما للانقلاب.
    وقليل من التعبئة يكفي لجعل هذه الجماهير أقوى نصير.

    فإذا أضاف القادة الجدد إلى التعبئة بعض القرارات الرمزية، مثل إطلاق
    سراح السجناء السياسيين، وإعلان عفو عام، أو بعض الوعود البراقة كزيادة
    الرواتب، وتوفير فرص العمل، وتحسين ظروف المعيشة، وإجراء انتخابات. فإن
    ذلك سيجعلهم يكسبون من تعاطف الجماهير الشعبية أكثر مما كانوا يتصورون.

    رابعاً: القوى المستفيدة

    توجد دائما بعض القوى الاجتماعية والسياسية المستفيدة من الوضع القائم،
    الراغبة في بقائه، لكن إلى أي مدى هي مستعدة للمخاطرة، والدخول في مواجهة
    مع الانقلابيين من أجل الإبقاء على الوضع القائم؟ هذا هو السؤال الذي
    ينبغي أن يطرحه الانقلابيون على أنفسهم ضمن عملية التثبيت للانقلاب. وليس
    من مصلحة الانقلابيين الدخول في مواجهة مع هذه القوى، ما دامت لا تحمل
    خطرا أمنياً أو عسكرياً ضدهم، وإنما يحتاج الانقلابيون إلى تحييدها، وعدم
    وضعها في زاوية ضيقة بالإعلان عن استهدافها بتغييرهم المرتقب. فالحياد من
    طرف هذه القوى هو يحتاجه الانقلابيون لينجحوا في التثبيت.

    خامساً: القوى الخارجية

    من المهم أن ينتبه الانقلابيون في مرحلة التثبيت إلى نوعين من القوى
    الخارجية، وأثرهما على مستقبل السلطة الجديدة: الدول الكبرى، وخصوصا منها
    تلك التي تربطها روابط سياسية تقليدية ببلدهم، أو كانت توفر حماية للنظام
    السابق، وودول الجوار التي تتأثر مصالحها بشكل مباشر بطبيعة النظام
    الحاكم في بلدهم، وتتأثر بتقلبات السياسة فيه. وكلاً من الطرفين يستطيع
    الإضرار بالقيادة الانقلابية الجديدة، من خلال رفض الاعتراف بها، وتعبئة
    فلول النظام المنهار ضدها.

    فلا بد من إقناع الأولى – ولو تظاهرا – أن مصالحها في ظل النظام الجديد
    مضمونة، ونفوذها باق، بل الإيحاء لها أن نفوذها سيكون أرسخ مع الواقع
    الجديد، ولا بد من إقناع الثانية أن سياسة التعاون وحسن الجوار ستكون
    القاعدة الثابتة في علاقة السلطة الجديدة بها. فإن كان بينها وبين بلدهم
    ملفات عالقة معقدة، كخلافات الحدود وما إليها، كانت تلك فرصة مهمة لتقديم
    وعود وضمانات لها في هذا الشأن، مما يجعلها تطمئن للانقلابين وتدعمهم، أو
    تلتزم الحياد على الأقل، فلا تسعى لزعزعة سلطتهم المتأرجحة.

    ويُعبر الانقلابيون تقليديا عن هذا الأمر في بياﻧﻬم الأول، فيضمنونه
    تأكيدا على التزامهم بالمعاهدات الدولية التي وقعها بلدهم، وبالحفاظ على
    المصالح المشروعة للبلدان الأخرى فيه. وتلك رسالة مهمة للعالم الخارجي
    بشكل عام، وهي تخدم الانقلاب قبل أي طرف آخر. لكن بعض الدول التي تتأثر
    مصالحها بالانقلاب أكثر من غيرها، وتستطيع التأثير في مسار الانقلاب
    واستقراره، تحتاج طمأنة أكبر، من خلال حديث مباشر إلى سفرائها.

    سادساً: القوى الانقلابية

    قد يبدو هذا العنوان في غير محله، لكن الأمر ليس كذلك. فالانقلاب يحتاج
    في مرحلة التثبيت إلى أن يؤمن نفسه من نفسه، أقصد أن “نواة” الانقلاب
    بحاجة إلى تأمين نفسها وانقلابها من بعض قوى “الأنصار” المشاركة في
    الانقلاب، والتي قد تفكر أثناء التنفيذ في تحويل مسار الأحداث لصالحها،
    من خلال تدبير “انقلاب داخل انقلاب”، وانتزاع قيادة الدولة من قادة
    الانقلاب الأصليين حتى قبل أن يمسكوا بها. ويتأكد هذا الأمر فيما يتعلق
    بالتشكيلات القوية الثقيلة التسليح التي تم تكليفها بالسيطرة على القصور
    الملكية /الرئاسية، أو على قيادات الجيش والأمن.

    لقد ذكرنا في بداية هذا الكتيب أن القوى الانقلابية تنقسم إلى قسمين:
    “النواة” وهي اﻟﻤﺠموعة التي تشكل عقل الانقلاب المدبر، وصاحبة المبادرة
    به، و”الأنصار” وهي مجموعة الأفراد والتشكيلات التي اكتسبتها النواة
    لمشروعها الانقلابي. ومن الطبيعي ألا تكون النواة والأنصار على نفس
    المستوى من الإيمان برسالة الانقلاب والولاء لها، والاقتناع بها. فلا بد
    أن يضع عناصر “النواة” في حسباﻧﻬم أن بعض “الأنصار” قد يغدرون بهم في
    لحظة ما من لحظات تثبيت الانقلاب، خصوصا بعد أن تبدو الثمرة يانعة
    والغنيمة مغرية.

    ويحتاج الانقلابيون إلى ثلاثة إجراءات وقائية لتفادي هذا الأمر: إعادة
    توزيع تشكيلات الأنصار القوية، بعد أن تنهي مهمتها الأولى التي آلفت بها
    أثناء تنفيذ الانقلاب، والسيطرة على أجهزة الاتصال بين قادة التشكيلات
    الانقلابية، بحيث يتابعون أي تنسيق من طرف حلفائهم، وإبقاء قادة تشكيلات
    الأنصار مشغولين دائما ببعض المهام، مما يحول بينهم وبين التفكير في
    غيرها.

    سابعاً: دور الإعلام:

    من أهم وسائل تثبيت الانقلاب احتكار الإعلام، وحسن استخدامه في الساعات
    والأيام الأولى من الانقلاب. ومما يزيد في أهمية الإعلام هنا أن متابعة
    الناس له ستكون في ذروتها، كما أنه المصدر الوحيد تقريبا للمعلومات أثناء
    حظر التجول.

    ويمكن تلخيص مهمات الحملة الإعلامية أثناء مرحلة التثبيت في ثلاثة أمور:
    أولها، إظهار قوة الانقلاب ونجاحه، وسيطرة الانقلابيين على جميع مرافق
    الحياة العامة، وقدرتهم على فرض الأمن والنظام. ففي ذلك رادع لكل من يفكر
    في التحرك ضد الانقلاب، وجلب لمزيد من المؤيدين له، من المترددين
    والحياديين، وثانيها، إقناع الجمهور أن الانقلاب ليس مُدبرا من طرف قوى
    خارجية، أو جماعات متطرفة يمقتها الشعب، من خلال استخدام الرموز الوطنية
    في الخطاب الإعلامي، مثل الحديث عن “عظمة الشعب…” و”عظمة الوطن”،
    وثالثها، تشويه صورة أي مقاومة للانقلاب من خلال التأكيد على أﻧﻬا “أعمال
    شغب معزولة” يقوم بها “أفراد مضلَّلون” من طرف “ذيول النظام البائد” الذي
    لا يريد للشعب “التحرر والانعتاق”.

    والأفضل دائما التستر على أخبار أي مقاومة للانقلاب، وعدم السماح
    لأنبائها بالوصول إلى الجمهور، حتى لا يثير ذلك مزيدا من المقاومة. فإن
    بلغت المقاومة حدا لا يمكن التستر عليه، فالأفضل الاعتراف بها، حفاظا على
    مصداقية الخطاب الإعلامي، مع اعتماد استراتيجية التشويه المذكورة أعلاه.

    +++++++++++++++++++++++++++++++
    منقول
    من موقع المعهد المصري للدراسات:
    https://eipss-eg.org/https://eipss-eg.org/

    مقالات ذات صلة
    -----------------
    بماذا ولماذا نحتفل؟ .. استقلال السودان أفسده (استغلال) العسكر!!
    https://sudaneseonline.com/board/505/msg/1672551052.html



    عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 24 2022
  • الفكي: إختلافنا مع مناوي سياسيا لايعني نكران دوره صورة صحيفة اليوم التالي صحيفة اليوم التالي
  • بيان من حركة/ جيش تحرير السودان حول أحداث مناطق شرق بليل بولاية جنوب دارفور
  • بيان مهم من اللجنة المكلفة بمتابعة مطالب العالمين بوزارة الصناعة
  • بنود موازنة 2023- التعتيم في الراهن الاقتصادي
  • لجان المقاومة : الاتفاق الاطاري فتح الباب لعودة الفلول وعمل على شق الشارع واتفاق حمدوك افضل
  • هجمات مسلحة على عددٍ من قرى ولاية جنوب دارفور غرّبي السودان
  • دعت لفتح ملف صندوق إعمار الشرق .. “الجبهة الشعبية” تتوعد رئيس “مؤتمر البجا” بالعزل السياسي


عناوين المواضيع المنبر العام بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق December, 24 2022
  • كل التهاني والامنيات السعيدة لكل الاهل والاحباب فيبارك أعيادنا -عيد ميلاد مجيد
  • تأجيل مليونية 25 ديسمبر إلى اليوم التالي
  • الرشيد أحمد عيسى نقيباً للدراميين
  • فيديو شكلة قوية بين مضيفة وراكب في طائرة هندية بين اسطمبول ودلهى
  • قباني و ابوالريش..جوز مايخسر
  • /اعتِرافاتٌ في غايَةِ الخُطورَةِ/
  • تأجيل مليونية 25 ديسمبر .. " انحنا زمان شِن قُنّا " ..
  • 200 مليون أمريكي تحت تأثير العاصفة الشتوية الثلجية
  • Chaos on Capitol Hill: What Happened؟
  • ثوار الواقع الجديد: أو "شبكات الأمل و الغضب"‏
  • حوار الحلو مع جريدة الجريدة
  • من اجل حفنه دولارات الغربه والتعب
  • رصد مقرات تعذيب الثوار بواسطة المباحث الفيدرالية
  • التحالف بين حميدتى والمراغنة بإشراف المخابرات المصرية
  • عناوين للصحف الصادره اليوم السبت 24 ديسمبر 2022م
  • اخى الغالى هل سمعت عن الرفقه الدافئه؟
  • فتاوى دينية للمنافق الهارب عبدالحى يوسف تشعل السودان
  • افتتاحية لجريدة امارتية :- البشير ..الكذب سيد الأدلة!
  • المقرئ الراقص في مصر يعتذر: حركة لا إرادية وأرجو الغفران

    عناوين المقالات بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق December, 24 2022
  • لا تسدوا على الناس طاقة الترويح الحلال عن النفس كتبه نورالدين مدني
  • الإتفاق الإطاري من الضامن لتنفيذه؟ كتبه زين العابدين صالح عبد الرحمن
  • وجدي صالح .. وقع فى الفخ ... كتبه طه احمد ابوالقاسم
  • إيران .. مرور مائة يوم على الإنتفاضة ضد الدكتاتور! نظرة على الشوط المقطوع وآفاق انتفاضة الشعب الإي
  • جرائم الاحتلال والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي كتبه سري القدوة
  • سبعون عاما.. استعراض لبؤس حكم الجلابة كتبه د.أمل الكردفاني
  • مع الفرعون الإله حميتي حكايات خيالية لا تصدق ؟ 1/3 كتبه ثروت قاسم
  • الأنظمة العربية المعتدلة في مواجهة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة كتبه د. مصطفى يوسف اللداوي
  • انقلاب الجبهة الاسلامية... على من تقع المسؤولية؟ كتبه اسماعيل عبد الله
  • ( لا بحق وحقيقة ) الحكاية برمتها فوق طاقـــة البشــــر !!! بقلم / عمر عيسى محمد أحمد
  • حان الوقت لتخرج الاقاليم عن سلطة دولة الجنجويد، و لوردات الحرب.. كتبه خليل محمد سليمان
  • مواهب قبرت كتبه عبد المنعم هلال
  • هبشوا وطار !! كتبه ياسر الفادني
  • ( أحمــد ) (صلى الله عليه وسلم ) يمثل القدوة الحسنة للعالمين !! بقلم الكاتب / عمر عيسى محمد أحمد























  •                   


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de