بعد أن ذاعت وتأصلت الأفكار الديمقراطية في القرن الثامن عشر، أصبح من المسلم به أن السيادة لم تعد للحاكم أو الملك وحده، ولا يجوز أن تكون موزعة بين الحاكم وبين الشعب، بل يجب أن تكون السيادة للشعب وحده، ومن ثم استقرت الآراء على أن الشعب بما له من السيادة الكاملة يجب أن يستقل وحده بإنشاء دستور الدولة وبناءً على هذا الدستور يقوم الشعب بتفويض الهيئات والسلطات التي تمارس الحكم باسمه. لذلك فان الأساليب الديمقراطية في انشاء الدساتير تظهر في اسلوبين: - أسلوب الجمعية النيابية التأسيسية - وأسلوب الاستفتاء الدستوري. أسلوب الجمعية التأسيسية هو أن يقوم الشعب بانتخاب هيئة تنوب عنه في وضع أو إنشاء الدستور، تنتخب خصيصاً لهذا الغرض ومن ثم تقره بأغلبية أعضائها وينتهي دورها بإنجاز مهمتها وتنفض. وهذا هو أسلوب الديمقراطية غير المباشرة. ومما يجدر ذكره أن الجمعية التأسيسية غير البرلمان رغم أن كليهما منتخب من الشعب، ذلك لأن البرلمان لا يعمل كسلطة تشريعية تسن القوانين العادية الا بناءً على دستور تصدره الجمعية التأسيسية ومن ثم فأن هذه الجمعية التأسيسية هي أعلى من البرلمان لأن الدستور هو أساس وجود البرلمان، وهذا الأسلوب هو الذي اتبعته الولايات المتحدة عقب استقلالها عن بريطانيا في عام 1776 ثم تلتها فرنسا في عام 1789 بعد الثورة. أسلوب الاستفتاء الدستوري هو الأسلوب الأكثر ديمقراطية على الاطلاق ذلك لأن الشعب يقوم بنفسه ومباشرة بالموافقة على الدستور. أما أن تقوم لجنة غير منتخبة فنية كانت أو خلاف ذلك، حكومية كانت أم غير حكومية فلا يؤمن أن يكون المشروع برمته مطبوعاً برغباتها. التجربة الأخيرة في وضع الوثيقة الدستورية بعد الانتفاضة ينبغي الا تتكرر، حيث كانت الوثيقة الدستورية معيبة من عدة نواح سواء كانت هذه النواحي متأصلة فيها من ضعف الصياغة والتركيب والأخطاء اللغوية أو ما جرى من تعديل عليها في الخفاء بين الفينة والأخرى بإدخال ما لا ينبغي أن يدخلها والتأخير في نشرها للعلم بها وسريانها، في استهتار تام بالشعب وحقوقه الدستورية. ليست لدينا ثقافة دستورية أو ثقافة احترام الحقوق التي من غيرها يصبح الدستور عبارة عن نقش في البحر، فما ينقصنا ليست الدساتير والقوانين ولكن احترام الدستور والقانون هو الذي ينقصنا، وكما قيل فان ديكتاتورية النفس أقسى من ديكتاتورية الحكومة، وكل شعب ينال الحكومة التي يستحقها.
يجري العمل في هذه الأيام على اعداد وصياغة مسودة دستور يقال ان اللجنة التسييرية للمحامين هي التي تتولى اعدادها وصياغتها وهناك أقاويل ترى أن جهات أجنبية تولت اعداد وصياغة دستور مؤقت باللغة الإنجليزية، وصلتني نسخة منها، وقد قيل إن هذه الجهات بالتحديد أمريكية وجنوب أفريقية وبعد ذلك تمت الترجمة الى العربية بصورة مشوهة. نتمنى ألا تكون تلك الأنباء صحيحة، وأيا كانت صحة هذه الأنباء أو تلفيقها فينبغي أن يصدر بيان رسمي ليؤكد أو ينفي هذه الأنباء. نختم بحكمة: الحكومة التي يحميها أجانب لن يقبلها شعب حر.
حسين إبراهيم علي جادين
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق November, 12 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة