لقد صدر قانون تنظيم التعليم العالي و البحث العلمي لسنة ٢٠٢١م دون مشورة سابقة مع الجامعات و مجالس إداراتها . و بقدر سرورنا بالتخلص من قانون ١٩٩٠م الذي أعاق مسيرة الجامعات طوال ثلاثينية الإنقاذ ،إلا أننا فوجئنا بأن القانون الجديد يحمل في طياته نفس ملامح و فلسفة القانون القديم من حيث النظرة الشمولية التحكمية التي تتعارض مع ما تطلعت اليه الجامعات بعد الثورة من إستعادة تامة لإستقلاليتها الإدارية و المالية و الأكاديمية ، مما يجعلنا نتطلع لوقف تنفيذه ، و إعادة النظر فيه علي ضوء الملاحظات و المقترحات الواردة أدناه، عسانا نخرج بقانون أفضل يتناسب مع ما نتطلع إليه من تعليمٍ عالٍ حرٍ و مستقلٍ و مواكبٍ للثورة و للعصر.
ملاحظات عامة :- ١- من المؤسف عدم إستشارة الجامعات في أمر هو من صميم إهتماماتها و مسؤولياتها التخطيطية و التنفيذية. ٢-القانون في جوانبه الإدارية و المالية يسلب الجامعات إستقلالها و يعتبرها عاجزة عن التخطيط السليم حتى في مجال المناهج و البنى التحتية اللازمة لتطوير الأداء الأكاديمي. ٣- يحرم الجامعات من حرية إختيار رؤساء و أعضاء مجالس إداراتها إذ يُخضِع ذلك لإعتماد جهات خارج الجامعة. ٤- يحرم الجامعات من حرية إختيار المديرين و نوابهم و عمداء الكليات و رؤساء الاقسام العلمية و يخضعها لإعتمادات خارجية. ٥- يحرم الجامعات من حرية إبتداع و تطوير المناهج العلمية ، و يتدخل في ما ترغب الجامعات في تقديمه من برامج و مناهج و ما تحتاجه من بنى تحتية لوحداتها العلمية و البحثية. ٦- يحرم الجامعات من حرية إنشاء ما تراه من كليات و أقسام علمية و وحدات بحثية. ٧- يتحكم بشكل مباشر في تحديد حجم و طبيعة علاقات الجامعات المالية بالدولة، مؤثراً إعتبار ما تقدمه الدولة ك (دعم) ، أي هبة ، و ليس ميزانية رسمية تغطي الإحتياجات الفعلية ، و لازمة السداد قانونياً بإنتظام من وزارة المالية. ٨- لم يتطرق القانون إلى مطلب الثورة بإسناد أمر التعليم العالي إلى مجلس قومي مستقل تابع لرئاسة الوزراء ، و ليس وزارة إتحادية تنفيذية قد يخضع ملؤها الى إعتبارات سياسية بحتة. ٩- لم يتطرق القانون لموضوع و مستقبل الجامعات الحكومية الولائية كتجربة و كظاهرة أفرزت العديد من السلبيات و الإشكالات الإدارية و العلمية و اللوجيستية و حتى المجتمعية. ١٠- إشتمل القانون علي تكوين غريب للمجلس القومي للتعليم العالي و البحث العلمي تميَّز بترهل حكومي جعله يضم عدداً كبيراً جداً من الوزراء و موظفي الدولة و موظفي وزارة التعليم العالي، دون حاجة حقيقية أو منطق معقول. ١١- يحرم القانون معظم الجامعات الولائية من عضوية المجلس بينما هي ،اذا بقيت في خريطة التعليم العالي، هي الأكثر حاجة لتبادل الخبرات ، و للتناغم مع الخطط القومية العامة للدولة ، و للشعور بالإنتماء و عدم العزلة. ١٢- يلاحظ عدم الدقة في ترقيم بنود القانون فالترقيم أحياناً رقمي بينما في أحيان أخرى حرفي، و حتى الحرفي لا يستخدم النظام الابجدهوزي المعروف بل يستخدم الحروف عشوائياً.
بجانب هذه الملحوظات العامة ، يمكن إيراد بعض الملحوظات التفصيلية و المقترحات علي النحو الآتي :- ١- البند ٤ (أ):- يبدو مبتوراً حيث أنه يتجاهل العلوم البحتة كإحدى مجالات إعداد و تأهيل الطلاب. ٢- البند ٤ (ب):- يُقترح تعديله بحيث يقتصر علي وضع إستراتيجيات التعليم العالي و ليس استراتيجيات مؤسسات التعليم العالي. ٣-البند ٤ (ج):- يقترح أن يقتصر الأمر هنا علي المراكز البحثية التابعة للمجلس القومي و لا دخل للمجلس بتطوير وسائل و مناهج البحث العلمي في الجامعات. ٤-البند ٤ (د):- يقترح حذف هذا البند فهو يتحدث عن تدريب الطلاب الذين لم يتم قبولهم في مؤسسات التعليم العالي..إن هذه مسؤولية جهات أخرى ليس من بينها المجلس القومي للتعليم العالي. ٥- البند ه (١):- تضاف عبارة " إلغاء وزارة التعليم العالي و البحث العلمي" في بداية هذا البند و يكتب في نهايته عبارة " و تؤول له كل ممتلكات و صلاحيات وزارة التعليم العالي و البحث العلمي". ٦- البند ه (٢):- لتفادي إشكالية مسمى الوحدات الإدارية يُقترح أن يستبدل هذا البند بالآتي: " يكون مقر المجلس بالخرطوم و يجوز له إنشاء مكاتب أو فروع في أي مدينة أخرى متى ما إقتضت الضرورة ذلك." ٧-البند ٦ (أ):- أولا يقترح أن يكون الترشيح لعضوية المجلس القومي من مجالس إدارات الجامعات و من الأمانة العامة ، و ليس بتوصية من وزير التعليم العالي، حيث المقترح أن لا تكون هناك وزارة بل مجلس قومي تديره أمانة عامة . ثانياً: يقترح أن تكون رئاسة جلسات المجلس القومي إما لرئيس الوزراء أو لوزير التربية و التعليم. ٨-البنود ٦(ب-ل ):- يقترح إلغاء التمثيل الحكومي المترهل علي أن يقتصر تمثيل الجهاز التنفيذي في المجلس القومي علي: وزراء: التربية+المالية+العمل و هذا يتطلب حذف البنود الآتية: (د،ه،و،ز،ح،ط،ي،ك،ل) جميعها . ٩- البند ٦ (ن+س):- يقترح تمثيل كل الجامعات الحكومية بالتالي إلغاء التفاصيل الواردة في البندين ٦(ن) + ٦(س). ١٠- البند ٦ (ع):- يقترح حذف تعبير " التي مضى علي إنشائها أقل من خمسين سنة" و يترك البند مفتوحاً ليشمل كل الجامعات غير الحكومية. ١١- البند ٦(ش):- يحذف. ١٢- البند ٦(ت):- يحذف. ١٣- البند ٦(ث):- يحذف. ١٤-البند٧(١)(أ):- إضافة " و الخطط" بعد كلمة السياسات. ١٥- البند ٧(١)(ب):- يُحذف فهو تكرار للبند ٧(أ) و مَُضَمَّن فيه. ١٦- البند ٧(١)(د):- يُقتَرح حذفه ..فهذا البند فيه تعدي مباشر علي إستقلالية الجامعات و حقها في وضع سياسات و شروط قبول الطلاب و تحديد أعدادهم حسب خططها و إمكانياتها. ١٧- البند ٧(١)(و):- يقترح حذفه فهو يمثل تدخلاً مباشراً في تعيين مديري الجامعات و هذا أمر يجب أن يُترك للجامعات لتحدد كيفية إختيار مديريها و كل طواقم إداراتها العليا. ١٨- البند٧(١)(ح):- يحذف حيث أن مؤهلات و شروط خدمة و ترقيات أعضاء هيئة التدريس من مسؤولية الجامعة المباشرة و تخضع لظروف التنافس الحر. ١٩- البند٧(١)(ط):- يُحذف فهو تَحَكُّم مباشر في مالية الجامعة و هدم صريح لإستقلالها المالي . يُقترح أن تكون العلاقة مباشرة بين الجامعة و وزارة المالية، مع ضرورة إختفاء مصطلح " دعم" و العودة لمصطلح و مفهوم " ميزانية " لما ينطوي عليه من معاني قانونية ، و إلتزامات دستورية ، و إستقلالية مطلوب عودتها للجامعة. ٢٠- البند٧(١)(ل):- يُلغى فهو مُضَمَّن في ٧(أ)+٧(ب). ٢١-البند٧(١)(ن):- يُلغى حيث أن وضع المناهج من شؤون الجامعة الخاصة و في هذا البند تعدي مباشر علي حرية الجامعة الأكاديمية ، و حقها في وضع المناهج و تطويرها وفق رؤاها ، وعلي ضوء التقييم الذاتي لأجهزتها العلمية. ٢٢- البند٧(١)(ص):- يُلغى فهو تكرار لبنود سابقة. ٢٣- البند٧(١)(ق):- تغيير كلمة " إنشاء" إلى " التصديق علي". ٢٤- البند٧(١)(ر):- يُلغى حيث أن إستراتيجيات و سياسات التأهيل و التدريب لأعضاء هيئة التدريس و الباحثين بالجامعات ليست عمل المجلس القومي للتعليم العالي بل هي ضمن أخص مسؤوليات الجامعات. ٢٥- البند٧(١)(خ):- يلغى حيث أن رصد المشاكل المجتمعية و إيجاد الحلول لها ليست مسؤولية المجلس إنما مسؤولية الجامعات و المراكز البحثية المتخصصة. ٢٦- البند ٩( أ+ب):- تحذف حيث أن تعيين مجالس الجامعات و مديريها و نوابهم يجب ألا يكون من مسؤوليات المجلس القومي للتعليم العالي و يجب أن يترك للجامعات حرية تعيين هؤلاء علي أسس ذاتية و ديمقراطية يحددها منسوبو تلك الجامعات ، و لا ينبغي أن يكون في ذلك أي تدخل خارجي حتى و لا بمجرد الإعتماد. ٢٧- البند ٩(ز):- يحذف لأنه يعطي رئيس المجلس القومي للتعليم العالي سلطات مبهمة و تكاد تكون مطلقة يمكنه أن يستمدها من أي قانون يشاء. ٢٨- البند ١٢(١)(أ):- نعم لإصدار قانون خاص بكل جامعة و كان من المفترض أن يتم ذلك متزامناً مع إصدار القانون العام لتكتمل الصورة بدون بروز تناقض بين القانون العام و القوانين الخاصة. ٢٩- البند١٢(ب)(٢):- يحذف فهذا تدخل لا يجوز في حق الجامعات الحكومية في ما ترغب من برامج أو تُنشئ من أقسام علمية أو مراكز و معاهد و كليات..يجب ألا تربط هذه المجالات بموافقة المجلس القومي أو حتى إعتماده. ٣٠- البند (١٥):- المحتوى صحيح و لكنه يتناقض مع ما يتناثر داخل القانون من بنود تُحَجِّم دور الجامعات في المسائل المتعلقة بالقبول و الامتحانات و الإجازات العلمية و منح الألقاب العلمية . ٣١-البند ١٦(١)(أ):- يقترح تغيير كلمة " إعتمادات" إلى كلمة "ميزانيات" ليكون الإلتزام المالي الحكومي واضحاً و مثبتاً ، و لايكون في شكل منحة مزاجية أو هبة غير مُلزِمَة. ٣٢- البند ١٦(١)(ج):- يقترح حذف جملة " بموافقة وزارة المالية و التخطيط الإقتصادي" ليبقى تحديد رسوم الخدمات التي تقدمها الجامعة شأن داخلي تتحكم فيه ظروف الجامعة و طبيعة و توقيت الخدمة المطلوبة. خاتمة:- يبدو أن القانون بوضعه الحالي يحتاج مراجعة و تدقيق من حيث فلسفته العامة التي يجب أن تتناسب مع مفاهيم الحرية و الديمقراطية، و تنبذ الشمولية التحكمية ،و يضمن للجامعات ما تحتاجه و تستحقه من إستقلالية إدارية و مالية و أكاديمية، لتتمكن من تأدية رسالتها في بيئة صالحة قانونياً و إدارياً و علمياً و سياسياً. عليه لا بد من تعليق العمل بقانون تنظيم التعليم العالي و البحث العلمي لسنة ٢٠٢١م، و إخضاعه لمزيد من التشاور تمهيدا لإصدار قانون بديل ، بفلسفة تعكس روح الثورة ، و تهيئ الجامعات للإنطلاق نحو آفاق أرحب لتستعيد مواقعها الطبيعية ضمن أفضل جامعات العالم كما كانت جامعة الخرطوم في عهدها الزاهر . و الله و الوطن من وراء القصد.
بروفيسور مهدي امين التوم
Sent from my Galaxy
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 15 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة