فى مناقشات كثيرة مع بعض الاصدقاء والاهل وجها لوجه او بالتلفون أو من خلال الواتساب أو بالكتابة فى الصحف وغيرها من وسائل الاعلام ، يتساءل الكثيرون عن جدوى الاستمرار فى التظاهر او عن متى تنتهى هذه المسألة خصوصا وان المتظاهرين يرفعون شعار اللاءات الثلاث وهو مايعنى انهم لايريدون تفاوضا ، ناهيك عن اتفاق مع العسكر، برغم انهم هم القابضين على السلطة ! وقد يبدو التساؤل ذو مغزى لأول وهلة خصوصا من وجهة نظر الممسكين بمنتصف العصاة ، اذ ان هؤلاء لايخرجون من ثلاث اصناف : الذين اعتادوا على الفرجة فى كل مامر عليهم من تاريخ السودان . فهم قد كانوا من المتفرجين على المظاهرات وكل اعمال النضال ضد المستعمر ولم يشاركوا عندئذ الا فى مظاهرات الفرح عندما اعلن الاستقلال ، ثم ذهبوا فى بيات نضالى عندما التهبت المظاهرات ضد المعونة الامريكية ولم يشاركوا فى اعمال المعارضة ضد اول انقلاب عسكرى الذى استلم فيه عبود السلطة بناء على رغبة السيدين وحزبيهما . ولم يفتح الله عليهم بكلمة معارضة ضد اعمال القرصنة التى قامت بها الاحزاب التقليدية فى اختطاف ثورة اكتوبر التى اطاحت بحكم عبود ولا بالاحتجاج على العمل غير الديموقراطى الذى قام به السيد الصادق المهدى بطرد النواب الشيوعيين المنخبين من جماهير الخريجين فى برلمان مابعد الثورة . وكذلك لم يقتع هذا الصنف موقف الحزب الشيوعى من الانقلاب المايوى الذى اعتبره بعضهم منقذا للحزب الذى منع من ممارسة السياسة بشكل علنى ،اذ ان الانقلاب المايوى كان قد اعلن اتجاها سياسيا ولم يجد افضل من برامج وشعارات الحزب الشيوعى تعبيرا عن ذلك الاتجاه . ومع ذلك او بالرغم من ذلك لم يؤيده الحزب تأييدا كاملا ولكنه اعتبره خطوة يمكن ان يبنى عليها برنامج ثورى متكامل بشرط ان يكون له ولغيره من القوى السياسية الحق فى التعبير عن وجهات نظرهم فى ماتطرحه السلطة المايوية . وهو موقف لو وجد تأييدا جماهيريا لكان حظ البقاء والتطور كبيرا ومختلفا عما حدث . غير ان المتفرجين ظلوا فى مقاعد الفرجة الى ان تمكن الدكتاتور من فرض نفسه على الكل برغم تقلب مواقفه من اقصى اليسار الى اقصى اليمين . وقياسا على هذا يمكنكم تتبع مواقف هذا الصنف الى يومنا هذا ليتضح لكم الضرر الذى تحدثه الفرجة دون اتخاذ موقف مع اوضد . الصنف الثانى هو الذى يظل خائفا على مصالحه الذاتية ان كان ذلك فى شكل ممتلكاته التجارية او العقارية او الصناعية او فى شكل المحافظة على حياته وحريته الشخصية او العائلية مع متابعة لصيغة لمايحدث فى الشارع السياسى المعارض والحاكم وتتقلب مواقفه مع تقلب ميزان القوى بين الفريقين . الصنف الثالث ، وهو الغالب ، فهو ذلك الذى يقول بانه لادخل له بالسياسة وان للسياسة المختصين بها . وبالتالى فهو يبتعد عن الامور السياسية لعدم علمه بانه بهذا الموقف قد عمل عملا سياسيا فى حقيقة الامر دون ان يدرى او يقصد اذ ان موقفه هذا يكون دائما فى مصلحة فريق الرغبة فى بقاء الامور على ما هى عليه الى ان يقضى الله امرا . وبذلك ينسى قوله، سبحانه ، انه لايغير مابقوم حتى يغيروا مابانفسهم . فاذا صح هذا التقسيم لمن يمسكون العصاة من المنتصف ، فان هذا يعنى انهم كانوا وظلوا يمثلون اغلبية الجماهير طوال فترة ماقبل ومابعد الاستقلال . وان الصنفين الاول والثالث هم من يعنيهم المقال بالخطاب ، اذ ان الصنف الثانى ، والذى ينبع موقفه من المحافظة على مصالح حقيقية تجعله يقف بصف السلطة حفاظا عليها ، او يتصور ان مصالحه مرتبطة بوجود السلطة ولو من باب المحافظة على الاستقرار، هو من يمثل الآن الداعين الى هبوط ناعم او التعاون مع العسكر بشكل من الاشكال وبالتالى فهو ليس معنى بهذا الحديث ! ولمن وصفوا من اصحاب الصفين الاول والثالث ، نقول ، كما كررنا مرارا من قبل ، ان انتصار الفريق الذى يسعى لتغيير امور البلد لن يستطيع انجاز الامر الا اذا صار ميزان القوى لصالحه . وان هذا ماحدث فى كل انتصار شعبى منذ الثورة المهدية ومرورا بمعركة الاستقلال فانتفاضة اكتوبر ثم انتفاضة ابريل ثم الجزء الاول من ثورة ديسمبر المتفردة والمستمرة والعازمة على الانتصار لمبادئها وشعاراتها . ولعله من المهم ملاحظة ان هذه الانتصارات قد تمت اما بجهد شعبى\مدنى داخلى خالص او بمساندة قوى عسكرية كماحدث فى انتفاضتى اكتوبر وابريل ، او بمساندة خارجية كما حدث فى حالة الاستقلال وانه فى جميع هذه الحالات كان الانتصار نتيجة لميل ميزان القوى الى الطرف المطالب بالتغيير. ومن الضرورى ايضا ملاحظة ان الفشل الذى حدث فى بعض الحالات قد كان اولا بسبب عدم اكتمال ميل ميزان القوى لمصلحة من حاول التغيير دون مراعاة لهذا ، مثلما حدث فى حالة انتفاضة 2013 . ولذلك فان المطلوب من المجموعتين الاولى والثالثة هو اتخاذ الموقف الذى يؤدى الى ميل ميزان القوى لمصلحة التغيير الذى عبرت عنه شعارات الثورة .غير ان هذا الامر يتطلب وعى جماهير المجموعتين بضرورة اتخاذ الموقف الذى يؤدى الى ذلك . وايضا فان اتخاذ هذا الموقف يحتاج بدوره الى قيام القيادات بدورها الهام والضرورى لتوعية بعض هذه الجماهير التى تعبر الثورة عن مصالحها ولكنها فقط لاتدرى ! لذلك قصدت بهذه المقالة واخر قادمات ، ان شاء الله ، ان ابين ضرورة ان يتخذ الذين مصلحتهم مع انتصار الثورة يدون شك ، ان يتخذوا قرار المشاركة مع من يمثلون مصالحهم من الثوار ، لأنهم بهذا وحده يستطيعون الوصول الى تحقيق تلك المصالح باسرع مايمكن وباقل الخسائر. ولأنه (لايكلف الله نفسا الا وسعها ) فاننا لايمكن ان نطالب هؤلاء الا بما يستطيعون . فمن البديهى ان كبار السن وغيرهم ، لم تعد قدراتهم الصحية والبدنية تمكنهم من المشاركة فى المواكب، وان كان العديد منهم قد شارك فى مواكب ( نحنا معاكم ) بمادفع الشباب الى مشاركات اكبر فى ما بعد تلك المشاركات من الكبار . وهناك ايضا امكانياة المشاركة بالراى وبالمال وبالعمل مع المنظمات الدولية لكسب التاييد والتضامن الدولى .. الخ ..الخ .وكل هذا فى نهاية الامر يؤدى الى ميل ميزان القوى لصالح الثورة وتحقيق شعاراتها . وهو امر لم يعد يحتاج الى الحجج النظرية ، اذ ان تاريخنا البعيد والقريب يدل على هذا . ولكى لانذهب للبعيد فان تاريخ ثورة ديسمبر القصير قد اثبت ذلك بما لايدع مجالا للشك . فقد أدت المواكب المليونية الهادرة فى جميع انحاء البلاد الى شل يد الخونة عن اداء طلبات اسيادهم أكثر من مرة . والآن فان الدلائل تشير الى ان من قاموا بانقلاب 25 اكتوبر ظلوا عاجزين عن تحقيق خططهم حتى فى تكوين حكومة بديلة لحكومة حمدوك ، برغم انهم ظلوا يزعمون بانها كانت عاجزة عن تحقيق ما جاؤا ليحققوه من خلال الانقلاب والاستيلاء على كامل السلطة لهذا الغرض !وهم الآن يستجدون القوى الثورية والمجتمع الدولى بطلب العودة الى العمل المشترك لأنقاذ البلاد ، وهم فى الحقيقة يسعون من خلال ذلك الى ايجاد مخرج لأنفسهم بعد ماضاق الحال . وليس أدل على ذلك من تصريحات كبار المسئولين الانقلابيين بأنه لايعقل ان يطابهم الثوار بالعودة الى الثكنات فى نفس الوقت الذى يسنون فيه سكاكينهم للذبح ! وهو مالايمكن تفسيره بغير طلب المخرج الآمن ! ودليل آخر على حالة العجز التى يمر بها الانقلابيون زيارة الفريق العطا لمعتقلى لجنة التفكيك ليطلب منهم تهدئة الشارع !وهناك الى غير ذلك الكثير من الادلة على ان مثل هذه النتائج ماكان لها ان تحدث بغير العمل الثورى المستمر من مواكب وتوعية وتنظيم فى الاحياء واماكن العمل الى غير ذلك . ومن الناحية العملية ايضا والتى لاتترك مجالا للشك فى النتائج الايجابية للمواكب والمظاهرات والوقفات ، ماأ ضطر اليه الانقلابيون من فك اعتقال اعضاء لجنة تفكيك الانقاذ ومحاولاتهم المستميتة وغير المجدية لجذب اى جزء من الثوار الى المشاركة فى تكوين سلطة مدنية يستطيعون من خلالها الولوج مرة اخرى الى المجتمع الدولى لأنقلذ مايمكن انقاذه . هذ اضافة الى تفجر الاوضاع فى دارفور بدرجة اثبتت فشل اتفاقية جوبا فى تحقيق سلام حقيقى وكذلك احرجت قادة الحركات المسلحة الذين اتضح ان سعيهم لم يكن لسلام يخدم مصالح من ادعوا حمل السلاح من اجلهم ، وانما لركوب كراسى السلطة فحسب ! من كل هذا يتضح ان انتصار الثورة بات قاب قوسين او ادنى . وفى ظنى ان الامر لايحتاج الا لتوافق مرحلى بين كل الداعين الى اسقاط الانقلاب والوصول الى حكومة مدنية تستكمل الفترة الانتقالية بالصورة التى تنهى نفوذ الانقاذ مرة والى الابد وتفتح الباب امام انتابات حرة ونزيهة ينتهى فيها دور الطائفة والقبيلة والنفوذ المالى وبالتالى لا تسمح بعودة الدائرة الشريرة . وفى اعتقادى ان الامر يتطلب ايضا بعض المرونة السياسية من قادة الشارع لقبول بعض اخطاء حدثت هنا وهناك اثناء المسيرة السابقة حتى يصبح من الممكن لم شمل اصحاب المصلحة الحقيقية فى تنفيذ شعارات الثورة ،فالعدو المشترك هو مايعرف بالمكون العسكرى وبعده يصبح الوضع مناسبا للنقد ويمكن الفرز بصورة افضل ، خصوصا وان الشارع قد علم من معه حتى نهاية القصة واصبح يسبق القادة بخطوات !
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 04/28/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة