إن إسرائيل وُجدت بإرادة الإمبريالية العالمية ومساندتها المستمرة لخدمة مصالحها. وبين إسرائيل وهذه الإمبريالية التي تمثلها اليوم أمريكا ارتباط يمكن أن نطلق عليه حلف المصلحة والمصير المشترك. يقول الدكتور هشام شرابي " إن مصير الشعوب لا تقرره العلاقات وموازين القوى الآنية، بل القوى الموضوعية وجدلية التاريخ على مراحل زمنية معينة". وبالتالي فإن حجم إسرائيل في حقيقته الموضوعية لا يحدده العلاقات الخارجية أو التقنيات المتطورة والمتفوقة التي تملكها حالياً. وإنما الموارد المادية والبشرية والمحيط الذي توجد به. إن المسألة الديمغرافية ليست في صالح "إسرائيل"، ولهذا نراها تتخبط وترسم السياسات في سبيل تغيير المشهد السكاني في فلسطين المحتلة. أما المحيط الذي توجد به فهناك الفلسطينيين من جانب و مصر، الأردن، لبنان وسوريا من جانب آخر. وعلى الرغم من التخاذل و عدد الدمى التي تتحكم بها إسرائيل في هذه الدول، إلا أن "إسرائيل" تعي تماماً أنهم يبقون عرباً والدمى ستتحطم على مائدة إرادة الشعوب عاجلاً أم آجلاً. لهذا فإن "إسرائيل" تسعى جاهدة إلى زعزعة الاستقرار في الدول المحيطة عن طريق زعزعة استقرار الحكومات وخلق الفتن الطائفية وغيرها، وذلك في إطار السعي لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، لأنها تعلم أن زوالها حتمي طالما لم تسيطر على الدائرة المحيطة بها بالأكمل. أمريكا من جانب آخر مصيرها مرتبط بمصير إسرائيل، فتراها كإسرائيل تعيش في حالة حرب دائمة، لأن المصرفيين يملكون السيطرة على السياسيين والمصلحة تقتضي بالبقاء في حالة حرب والانتفاع من ثروات الأمم والشعوب الأخرى. لقد حاولت الإمبريالية العالمية منذ أول استعمار غربي وطأ الأراضي العربية أن تُفشل أي مشروع أو تجربة وحدوية عربية، لأنها على يقين أن الوحدة العربية معناها تغيير في موازين القوى. أفشلوا كل محاولاتنا في الوحدة، وشتتوا وحدتنا الجغرافية والتراثية والاجتماعية عبر وعد بلفور وسايكس بيكو وغيره. والنتيجة كانت أن استسلمنا لواقعنا وغرقنا في سيل مشاكلنا. كثير ما نسمع من يصف الصهاينة بأنهم النازيون الجدد، لما تمثل أفعالهم وسياساتهم من إجرام وانتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية والأخلاقية، ولكن ما يعزيني بهذا الوصف أن النازية كان مصيرها الزوال، وهذا يبشرني أن الصهيونية إلى زوال أيضاً. قال نجيب محفوظ :" أتحدى إسرائيل أن تفعل بنا مثلما فعلنا بأنفسنا"، بالفعل إن ما فعلناه بأنفسنا إجرام بحق أنفسنا، فقد أطال حياة إسرائيل لسنين وسنين، ولكن يبقى الأمل ما دام هناك أناشيد وأغاني تصدح في كل ميدان عربي مثل "بلاد العرب أوطاني" و "الحلم العربي" و ما دام هناك رسومات للوطن العربي الكبير ترسم على كل حائط عربي، فهي تزرع الخوف والهلع في قلب "إسرائيل" لأنها تعلم في قرارة نفسها أن حجمها صغير وستزول مهما طال الزمان.
أسطورة الإرهاب التي اخترعتها أمريكا وإسرائيل لم تعد تجدي في المنطقة، فسوريا التي تمثل اليوم ساحة الحرب العالمية الثالثة سيتم فيها إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. إسرائيل وأمريكا تعيشان حالة من الهلع والخوف الغير مسبوق، حيث يمكن أن نستشف من حرب سوريا بداية تقلص حجم إسرائيل، إذا ما بقي النظام السوري صامداً. لأن إسرائيل بذلك ستفقد الدمية الرابعة اللازمة لبناء "إسرائيل الكبرى". أمة تختزن معالم الحضارة والثروة والإمكانات البشرية، لن تعجز عن إعادة صياغة تاريخها وبناء نفسها، وما دام هناك أنشودة أو أغنية أو لوحة فنية تدق على وتر الوحدة الجغرافية والتراثية والاجتماعية لهذا الوطن الكبير فإن إسرائيل ستبقى تعيش في حالة من الهلع والخوف، ونحن سنبقى متمسكين بالأمل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة