قلنا في المقال السابق أن الحرب يجب أن تجعلنا نعيد كل حساباتنا وسياساتنا وأن نراجع منظومتنا التربوية فهناك خلل كبير في قضية التربية ناتج عن مفاهيمنا الخاطئة فبدلا من إرشاد الناس وتذكيرهم باستمرار بأخلاق القرآن وأن حسن التخلق بها هو أقصر طريق لنيل رضوان الله وجنته يستعيضون عن كل ذلك بمسائل أخري... خذ مثلا التضخيم الزائد والأحاديث المتكررة لمشاهير رجال الدين في الفضائيات والسوشال ميديا والمساجد وكذلك في المدارس والجامعات عن محبة النبي .. متحججين بما جاء في الحديث: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ: مَتى السّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَها ؟ قالَ: ما أعْدَدْتُ مِن كَثِيرِ صَلاةٍ ولا صَوْمٍ ولا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ)
نعم .. هذا الحديث ينبئنا أن الرجل غير مكثر من العبادات لكن لا يعني أنه غارق في المعاصي وإلا فماذا يعني حب الله وحب الرسول ؟؟!! فللأسف هناك انتكاس كبير في منظومة التربية الإسلامية فالآن يسود في مجتمعنا الإسلامي .. مفهوم غريب لمحبة الرسول وبناء آمال عريضة عليها في التخليص من التقصير في الدنيا بل إنّ المحبة صارت دينا في حد ذاتها وهو ما يشبه عقيدة "المخلص" عند النصاري يصر أحد المشايخ الكبار أن.. (العندو المحبة .. ما بتجيهو الحبة) !!! وكثير من المحبين يعرفون أن أعمالهم (شينة) ولكنهم مطمئنون و(نايمين قفا) أنهم يوم القيامة أول ما تعرف الملائكة أنهم من المحبين فسيفرشون لهم الطريق ورود إلي جنات المأوي والخلد والفردوس
كان الصحابة يحبون الرسول و قد كان موجودا بينهم وحبهم له كان يعني حبهم لدين الإسلام وأخلاق الإسلام وطبيعي أن يختلط حبهم للدين مع حبهم لشخصية الرسول فاحبوا طريقة كلامه ومشيه وملامحه وهيئته .. الخ لكن مسلمي اليوم لم يروه ولم يلتقوه وما بقي من محبته .. إلا حب ما جاء به: (لا يؤمنُ أحدُكم حتّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمّا جئتُ بِهِ) وكان الإسلام يعني للصحابة القرآن والرسول لكن الله أراد أن يستمر القرآن بدون الرسول بعد أن أدي الرسول مهمته في توضيح القرآن ولكن الكثير من مسلمي اليوم كأنهم يرفضون موت الرسول مع أن هذا أكده القرآن: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ} مثلما قال عن عيسي: {مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَم َ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ} فالبعض يصر أن الرسول حي وأنه موجود في المدينة ويذهب الكثيرون لزيارته والسلام عليه [هناك] !! مع أن الإمام مالك كان يكره - كما ذكرنا في مقال سابق- أن يقول القائل: زرت قبر النبي وحتي أن الصحابة في تشهدهم في الصلاة -كما جاء في الحديث-: (كانوا يقولون والنبيُّ حيٌّ: السلامُ عليك أيُّها النبيُّ، فلمّا مات قالوا: السلامُ على النبيُّ)
فمحبة النبي لنيل شفاعته وسيلة يتخذها الناس للتهرب من التزامات الدين وأهمها التخلق بخلقه فكيف لمن هم غارقون يوميا في الكذب والغش والاحتكار والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل .. أن يتستروا وراء محبة النبي ويتغطوا بشفاعته ؟؟!!
اترككم تنصتون لما قاله أحد الذين اهتموا بقضية التربية الإسلامية الدكتور مصطفي محمود في كتابه الشهير: الشفاعة: محاولة لفهم الخلاف القديم - ونواصل ... ¤▪¤▪¤▪¤▪¤ يقول الدكتور مصطفي محمود:
"... وأما الشفاعة بمعنى هدم الناموس واخراج المذنبين من النار وادخالهم الجنة، فهي فوضى الوسايط التي نعرفها في الدنيا، ولا وجود لها في الاخرة ... ولا يعقل من نبي القرآن أن يطالب بهدم القرآن، ولكن المسلمين الذين عرفوا بالاتكالية قد باتوا يفعلون كل منكر ويرتكبون عظائم الذنوب اتكالا على نبيهم الذي سوف يخرجهم في حفنة واحدة من النار ويلقي بهم في الجنة بفضله وكرمه..."
ثم يتساءل مصطفي محمود :
"... وما الهدف من أمثال هذه الاحاديث المدسوسة سوى افساد الدين، والتحريض على التسيب والانحلال وفتح باب الجنة (( سبهللة )) للكل ؟ .. ومرويات كثيرة رواها أصحابها بلا عدد وبلا حصر وأحيانا بحسن نية ظنا منهم أنهم يزيدون بها في تمجيد النبي ويرفعون مقامه عند ربه، وينسون أنهم بكلامهم يفسدون جلال المشهد ويهدمون جدية اللحظة ... هل هذه لحظة يساوم فيها النبي ربه لاخراج رجل من النار وادخاله الجنة، وهو لم يفعل خيرا قط في حياته ؟؟؟ ان لم يكن هذا هو الهزل فماذا يكون ؟ وحاشا لله .. ما كان لرسولنا العظيم أن يفعل هذا .. ان هي الا تخرصات وأكاذيب وأقوال مدسوسة .. ولو استطاعوا أن يجعلوا منه ابنا لله لفعلوا"
"وحُسن فَهم القرآن وسلامة تفسيره كان التأمين الحقيقي والضمان الوحيد لسلامة الدين نفسه .. ولا تستخفكم الكلمات والعبارات التي تُدخلكم الجنة بغير حساب لمجرد أنكم تلفظتم بكلمة التوحيد، فالتوحيد ليس مجرد كلمة وإنما حقيقة تملأ القلب ويترجمها العمل ويؤكدها السعي في الأرض وفي مصالح الناس وتعبر عنها حركة الحياة بأسرها: {وَأَن لَيْسَ لِلإنسَٰنِ إلَّا مَا سَعَىٰ، وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ، ثُمَّ يُجْزَاٰهُ الجَزَآءَ الأَوْفَىٰ}.. ليس للإنسان إلا ما سعى، والسعي هنا يتضمن كل حركة الإنسان ومجموع عمله ونشاطه وثمرات فكره ومجموع خيره وشره ونفعه وضرره إلى وقفة المنتهى أمام ربه حين تحين الساعة، أما الكلام مجرد الكلام فلا يُقدم ولا يُؤخر أما قال وقلنا وقالوا فهي شقشقة ألسن ومجرد هواء لن يُدخل أحداً جنة ولا يُنجي أحداً من نار" [الي هنا انتهي كلام مصطفي محمود]
□■□■□■ نذكّر بالدعاء علي الظالمين فهو دعاء لا شك مستجاب الذين أخرجوا الناس من ديارهم بغير حق وسفكوا دماءهم وانتهكو أعراضهم وأخذوا حقوقهم وساموهم سوء العذاب
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد الصادق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست