حميدتي تأرجح كثيراً بين خطي المناوءة والمواءمة مع ثورة التغيير، وما من أحد ممن تبقى من المنظومة البائدة قد توفرت له السوانح لأن يكون أفضل السيئين، غير قائد الدعم السريع، لكن مشورة مستشاريه غير الأكفاء أوقعته في متلازمة التأرجح هذه، وآخر أخطاءه الاستراتيجية، إصداره لخطابه الحيي المهين المتضامن مع الانقلاب، حين كانت الفرصة قد أتته تجرجر أذيالها، عندما ارتكب البرهان حماقة السطو على سلطة الانتقال، وما كان يجب على محمد حمدان السير القذة حذو القذة على خطى قائد الجيش، ومن كبريات اخفاقاته، إحضار جماعة سلام جوبا، الذين تركوه وذهبوا للتحالف مع غرماءه من القوى القديمة المتربصة به، وشهر عسله الأخير مع جماعة الحرية والتغيير لن يدم طويلاً، لأن زواج المتعة ينتهي بانتهاء مراسم المدة القصيرة المتعاقد عليها، أضف لذلك انعدام الثقة بينه وبين الحلفاء، نتيجة لفقدانه للمواقف الثابتة، ومثل هذه التقلبات المفاجئة مع الحلفاء في عالم البولتيكا، لا ولن تخدم المتقلب، وفي غالب الأحايين تودي بالمتذبذب لنهايات مأساوية، ولا يفوت على فطنة المتتبع لمجريات كواليس التسوية قناعة الوساطات الدولية والإقليمية بضرورة توحيد الجيوش، وهذه النقطة لا يجد حميدتي فيها من نصير، سواء كان تحالف الحرية والتغيير، أو تحالف الميرغني (جوبا) الجديد. الجيش قد حسم أمره في اكتفاءه بما يسمى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولو جيء بقوات الدعم السريع في هذا المجلس الأعلى ستكون عطيتها عطية (مُزيّن)، أي أن الهالة الكبيرة التي حظي بها قائد الدعم السريع في المرحلتين الانتقاليتين، لن يجدها في هذا المجلس العسكري الجديد، لا سيما و أن مؤسسة الجيش متربصة به الدوائر، وفي كل الأحوال سيكون حمدان في حال لا يحسد عليه، فلعبة البولتيكا مثل لعبة كرة القدم لا تتسامح مع من يهدر الفرص، وقد كانت مساحات اللعب مريحة للّاعب حميدتي في سباق ساس يسوس بعد الاطاحة بالدكتاتور، لكن أضر به المستشارون، المتكالبون على ثروته، الّذين لا يكترثون لمآل مصيره المحتوم، وأيضاً من أعظم المثبطات لهمته وعمله الفطري الدؤوب، سيطرة شقيقيه على اقتصاديات وسياسات القوة العسكرية والسياسية التي يقودها، فضلاً عن ولوجه فخ الاستقطاب العشائري الذي امتازت به حركات السلاح المسلح الدارفورية، وقد خسر بتحالفه مع الحركات الإثنية قطاع عريض من مكونه الاجتماعي الممتد عبر جنوبي كردفان ودارفور، ومن خطل مسلك مجلسه الاستشاري أنه انحصر في مكوّن قبيلة واحدة، مشياً خطو الحافر على الحافر مع النهج الذي اتبعته حركات السلاح، تصاعداً مع ارتفاع حرارة حمى التكالب القبلي الذي ضرب كل أروقة الحراكين الكردفاني والدارفوري. حال حميدتي اليوم شبيه بحال الغريق الذي يتعلق بالقشة القاصمة لظهره – (الحرية والتغيير)، وكما يقول المثل حاله كحال (كالمستجير من الرمضاء بالنار)، ولكي تعي وتعلم مدى مجاهيل المتاهة الخطيرة التي أدخل الجنرال حميدتي نفسه فيها، عليك أن تعيد النظر في سيناريو خروجه من وصايا الوثيقة الدستورية الأولى – (المعطوبة)، ثم دخوله تحت (طاقية) مشروع سلام جوبا المزعوم، والذي رعته المخابرات الاقليمية والدولية، وفي آخر المطاف سوف يجد الجنرال نفسه معزولاً، منفياً، ومطارداً من قبل محاكم التفتيش الجنائي الدولية، في جرائم لم يرتكبها بمفرده ، نفس السيناريو الذي قاد الدكتاتور للمصير التراجيدي قبل ثلاث سنين، ولا عزاء لمن لا يجيد فنون وألاعيب البولتيكا، والويل والثبور لكل من لا يصغي لموجهات بيوتات الخبرة العالمية، ولا ينصت لمخرجات دراسات المؤسسات الدولية المتخصصة في شئون التنمية والسلام واندلاع الحروب والنزاعات في افريقيا وآسيا، ما يحدث في علن وخفاء محاضر اجتماعات الآليات الثناءية والثلاثية والرباعية والخماسية، والتحالفات السياسية الغريبة والمستجدة والطارءة، لا يخرج عن مبدأ تحقيق المصالح الدولية، فما على حميدتي فعله هو أن يوقف تمدد هذه الأطماع (لو يستطيع)، بغير ذلك سيكون مصيره مصير رئيسه القابع بكوبر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة