لعل عنوان المقال يبدوا مخيفا ومتشائما للقارئ من الوهلة الأولى ولكن قبل الولوج إلى تفاصيله المخيفة أريد أن أوضح مجريات الأحداث السياسية فى الساحة السودانية بالتفصيل وبعدها تستطيع أن تحكم بنفسك وتجيب على السؤال ... فهل ينزلق السودان نحو الحرب الأهلية ؟ خصوصا بعد إطلاعى على حديث منقول لمسؤول فى الدولة بولاية وسط دارفور وحديثه بأن تستعد دارفور لإستقبال اللاجئين والنازحين من ولايات السودان وخصوصا الخرطوم والشمال واستغربت حقيقة من أن هذا الشخص لم يحاسب أو يقال ويحاكم بل أن البرهان وحميدتي كأنما أصابتهم الدهشة والصدمة لحديثه مثلما أصابت الكثيرين الذين انتبهوا لحديثه ومروه بدون مسألة ....... السودان لم يهدأ منذ انقلاب 25 أكتوبر ، المعروف بإطاحة عبد الفتاح البرهان بشركائه المدنيين في الحكم الانتقالي، مستأثرًا لنفسه وجنرالاته بالسلطة كاملة، وهو ما أوغر صدور التحالف المدني (قوى الحرية والتغيير) وبعض الكيانات الثورية الأخرى التي وصفت تلك الخطوة بالمخطط مكتمل الأركان للإطاحة بثورة ديسمبر 2018 ومكتسباتها.
ودفع رئيس الحكومة السابق، عبد الله حمدوك، لتقديم استقالته في 2 يناير/ بعد فشله في إستعادة شعبيته المتراجعة وعودة حاضنته السياسية التي انفكت من حوله بعد اتفاقه مع قائد الجيش في 21 نوفمبر/، ليصل الحراك إلى مرحلة متقدمة من التحفيز، كان نتاجه الاعتصام أمام القصر الجمهوري أو مايعرف " باعتصام القصر"
ولم تتوقف التظاهرات طيلة الـ85 يومًا التي تلت ذلك ، وصولًا إلى مليونية 17 يناير، التي أسفرت عن 7 قتلى و100 مصاب، ليرتفع عدد من سقطوا منذ انقلاب البرهان إلى 71 مدنيًا، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية التي وجهت رسالة للمجتمع الدولي تندد فيه بانتهاكات العسكر الوحشية ضد التظاهرات السلمية.
تزامن هذا التصعيد مع حزمة من المبادرات السياسية، المحلية والدولية، لحلحلة الأزمة والوصول إلى حلول عاجلة للخروج من عمق الزجاجة التي تضيق يومًا تلو الآخر، الأمر الذي صعد من مخاوف البعض من الانزلاق نحو مستنقع الحرب الأهلية والصدام المسلح المباشر بين طرفي النزاع.
فشلت كل الوساطات المقدمة سواء من الإتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة لإثناء طرفي الصراع" الجيش والمدنيين"، ودفعهما إلى العودة خطوة للوراء، إذ يتمسك كل فصيل بمواقفه المعلنة التي عبر عنها علانية، إسقاط الانقلاب وغلق مسارات الشراكة والتفاوض مع العسكر بحسب المدنيين، والتشبث بالسلطة والاستئثار بها أو على الأقل الهيمنة على النصيب الأكبر منها بالنسبة للجنرالات.
ورغم سقوط الضحايا خلال الصدامات اليومية المتواصلة بين المتظاهرين وقوات الأمن، فإن القوى المدنية لا تتوقف عن دعوات الإستمرار في الحراك مهما كان الضحايا، لأنه الطريقة الوحيدة للحفاظ على مكتسبات الثورة وتعزيز المسار الديمقراطي للبلاد.
وتحاول القوى المدنية قدر الإمكان تجنب السقوط في فخ الصدام المسلح مع العسكر، وهو الفخ الذي ربما يصب في صالح الجنرالات ويعطيهم شرعية استخدام السلاح وفض الحراك بالقوة، وعليه حرص تحالف قوى الحرية والتغيير وغيره من الكيانات المدنية الداعمة للمسار الديمقراطي على الابتعاد عن فكرة المواجهات الخشنة، مرجحة أن تتمسك المقاومة بمسارها السلمي.
وعليه كانت دعوة التحالف إلى عصيان مدني لمدة يومين، 18و19 يناير /2022، وذلك ردًا على المجازر التي ارتكبتها القوات الأمنية بحق المتظاهرين، وأشارت "قوى الحرية والتغيير" في بيان لها أن ما أسمته "السلطة الانقلابية" واصلت "ارتكاب المجازر في حق شعب أعزل خرج يطلب حريته وكرامته، فقابلته بزخات الرصاص والمدافع المضادة للطائرات وكل أشكال العنف العاري الذي يدلل على إجرام هذه السلطة ووحشيتها ويؤكد عزلتها وذهابها المتعجل لقدرها المحتوم وهو السقوط المدوي والتشييع لمزابل التاريخ"، مؤكدة أن "المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجرائم سيحاسبون بجرمهم وأن ما ناضلوا من أجله سيتحقق في وطن لن يظلم أو يقتل فيه أحد".
في الجهة المقابلة أصر جنرالات الجيش على ترهيب الشارع وتفتيت لحمته عبر عدد من الإجراءات التي يسعى من خلالها إلى بث روح الخوف في صدور المتظاهرين، وهو ما يمكن قراءته من خلال التصريحات الصادرة وقتها عن قادة الانقلاب التي عكست نواياهم السيئة إزاء الحراك الثوري رغم الشعارات الوردية الجوفاء التي يستميل بها الجنرالات المجتمع الدولي.
فشل المبادرات السياسية المحلية والدولية :-
شهد شهر ديسمبر/ 2021 حزمة من المبادرات السياسية لحلحلة الأزمة السياسية المعقدة، التى أتت متزامنة مع موجة تصعيد ثوري أعلنت عنها القوى المدنية، لكنها لم تتجاوز حاجز المقترحات والآراء، إذ لم يتم التعاطي معها على محمل الجدية في ظل تباين مواقف الأطراف المتنازعة حيالها.
ومن أهم المبادرات التى فشلت ولم تكلل بالنجاح :-
مبادرة "حزب الأمة القومي" التي عنون لها بـ"خريطة طريق: استعادة الشرعية واستكمال المرحلة الانتقالية"، وتضمنت العودة الكاملة إلى الوثيقة الدستورية، ووضع خريطة طريق لاستكمال هياكل الفترة الانتقالية، والالتزام باتفاق سلام جوبا، كما أشارت إلى استعادة مسار التحول الديمقراطي تكون عبر توحيد رؤى قوى الثورة الحية عن القضايا الأساسية، ومن ثم جلوس جميع شركاء الفترة الانتقالية في مؤتمر تأسيسي لمناقشة كل تلك المقترحات.
مبادرة جامعة الخرطوم، التي تقدم بها عدد من الأكاديميين، وتركزت في معظمها على النقاط ذاتها التي تقدم بها حزب الأمة، أبرزها وحدة الصف الوطني لقوى الثورة عبر تطوير إعلان سياسي متوافق عليه يقود في النهاية إلى تأسيس كيان لقوى الثورة، وتطوير إعلان دستوري للمحافظة على مكتسبات الثورة، وإنجاح الفترة الانتقالية والوصول إلى التحول المدني المُستدام.
مبادرة البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان إلى طرح مسودة لحل الأزمة، تعتمد على إجراء مشاورات مكثفة مع كل القوى السياسية، المدنية والعسكرية، من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة يمكن الانطلاق منها نحو الانتقال الديمقراطي في السودان التى لم تكتمل مشاوراتها وترتيباتها برفض المدنيين وجود العسكريين فى السلطة أساسا
ختاما هل ينزلق السودان نحو الاحتراب الأهلي ؟ الشهور الماضية شهدت مواجهات حادة وعنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، بين حرق لإطارات السيارات وغلق الطرق من جانب الثوار وغاز مسيل للدموع وقنابل صوتية وخراطيم المياه ثم رصاص حي من القوات المسلحة التي تؤمن محيط القصر والمخارج والمداخل الخاصة به. بالإضافة إلى إنتشار الجريمة وعصابات تسعة طويلة والسلاح والقوات الشبه عسكرية والآليات بصورة مروعة فى العاصمة و الولايات وانفلات أمني غير مسبوق وتدهور اقتصادي مريع واحتقان وانتشار خطاب الكراهية وإثارة النعرات وظاهرة تقرير المصير عبر وسائل التواصل وغيرها ...
ويبدو كذلك أن تراجع حماس المجتمع الدولي في الضغط على الجنرلات بعد استقالة عبد الله حمدوك أغرى العسكر على مواصلة انتهاكاتهم بشكل فج، فبرغماتية القوى الدولية تدفعها للحفاظ على شعرة معاوية مع البرهان ورفاقه قبل إيجاد البديل المناسب، وإلا فلا سبيل إلا التماهي مع الجنرالات تجنبًا لإفراز بديل أكثر إرهاقًا وتهديدًا لمصالح تلك القوى.
ومن هنا يمكن قراءة تصعيد العسكر إزاء كل من يتجرأ على دعم الحراك الثوري من النخب السياسية، أو حتى من يطالب بوقف العنف، معتبرة أن من يطالب بهذه المطالب ينتقل تلقائيًا إلى صفوف الخصم المدني الذي تحول صراعه مع العسكر إلى صراع وجود وليس مناصب.
الشعارات التي رفعها المتظاهرون في المليونيات والمواكب المختلفة تعكس إصرارًا واضحًا على المضي قدمًا في دعم الانتقال الديمقراطى والسلمي للسلطة، والمطالبة بإسقاط الانقلاب وإبعاد البرهان وحميدتي عن المشهد تمامًا، واستعادة الحكم المدني، ما دفع السلطة الانقلابية إلى استعمال الرصاص الحي والدوشكا والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع، بحسب لجنة الأطباء المركزية.
المخاوف و السيناريوهات تتصاعد إزاء نشوب مواجهات مسلحة سواء بين الطرفين أو بين المواطنين أنفسهم ( عرب / زرقة) أو بين إقليم وآخر أو بين مجموعات شبه عسكرية و عسكرية وغيرها فكل السيناريوهات مفتوحة، تقود السودان إلى آتون حرب أهلية مستعرة، إن لم يتم التحرك العاجل لتبريد تلك الأجواء الساخنة وإدراك خطورة المرحلة ، فالمناخ الآن مهيأ تمامًا لوقوع ما يعود بالسودان إلى عصور الظلام الأولى، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في إستراتيجية "شد الحبل" بين العسكر والمدنيين، هربًا من السيناريو الدموي الذي لن يكون هناك مجالا للحكم من بقايا للصراع عليها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة