بعد تجاربي مع فساد الأجهزة الحكومية في السودان على كافة المستويات، وجدت أن الهجرة لم تعد خياراً بل فرض عين. نعم يا سادة.. ارفقوا بأبنائكم، وأحفادكم، وهاجروا فإن أرض الله واسعة، وهذا المرحاض الذي تعيشون فيه سيلوث عقول أطفالكم، الذين إما أن يتعلموا اللصوصية، أو يعيشوا بلا حقوق. سقوط الطبقة الوسطى: ربما هاجرت حتى الآن قرابة أربعمائة ألف أسرة خلال الأشهر الماضية فقط، ومع استمرار هذا الوضع المتردي، فإن الطبقة الوسطى والمتمدينة ستخلي مكانها للطبقات الدنيا، هذه الأخيرة التي اعتادت على الفقر، وللطبقات العليا التي تملك السلطة (تحالف المال والسلاح). وبخلو الدولة من الطبقة التي تحمل القيم الأخلاقية فإن السوءدان سيصبح إقليماً أشبه بأرض سدوم وعمورة، بحيث لا يوجد فيها سوى المجرمين. ولو أننا اليوم نظرنا وتأملنا في كل اللاعبين الأساسيين فسنجدهم أجمعين ليسو أكثر من عصابات ارتزاق بدءً من شلليات العسكر وانتهاء بما يسمى زوراً بالأحزاب ومجموعة قحط. وعلى المستوى الداخلي، فإن كل مؤسسات الدولة ليست أكثر من عصابات تعمل كشبكات تسيطر على تصريف مصالحها عبر قنوات رسمية، فهناك مافيا في كل شيء، مافيا الأراضي (زراعية وسكنية)، مافيا الخبز، مافيا البنزين، مافيا الدواء، مافيا الصعوط والسجائر، وحتى مافيا الزبالة، نعم يا سادة، صدقوا أو لا تصدقوا؛ فهناك مافيا للزبالة. ولهذه المافيا وجودها داخل أجهزة الحكم ومؤسسات الدولة، وهناك في أعلى مستويات الحكم أصحاب المناصب وإخوانهم وابناءهم ممن يحصلون على أتاواتهم الشهرية لا مقطوعة ولا ممنوعة من خلال تسهيل الإجراءات. إن كنت تريد أي شيء (وأقول أي شيء) فيجب أن تجد منفذاً لهذه الشبكات الفاسدة. مع ملاحظة مهمة: أدت تصرفات لجنة التفكيك الوهمية إلى تحصين هذه الشبكات من الملاحقة القانونية عبر ما يسمى بمبدأ عدم جواز محاكمة الشخص عن نفس الجريمة مرتين، أو ما يسمى باللغة الإنجليزية Double Jeopardy. وأنا متأكد أن وجدي صالح الذي يحاول العسكر تلميعه كلما خبا ضوؤه، كان على علم بما نقوله هذا، لأنه محامٍ ويعرف أن كل الإجراءات العشوائية التي قامت بها لجنته ستنتهي إلى ما انتهت إليه الآن من إفلات المجرمين الحقيقيين من العقاب بل وتأمين مستقبلهم من المحاسبة المستقبلية. الدولة اليوم منهارة، وهي دولة السماسرة بإمتياز. دولة كائنات وضيعة ترى الوضاعة ظاهرة في وجوهها الشاحبة الكالحة. في كل مسؤول وموظف مرتشٍ. جلست مع أحد هؤلاء اللصوص، وكان مكتبه الوثير ممتلئاً بالضحايا من المواطنين، وكان أغلبهم من كبار السن، فوجدته يقول لهم كلاماً فارغا وورجغة تبدو لمن لا يفهم وكأنها كلاماً منطقياً، فيشعر هؤلاء المواطنون بالضياع والتوهان، فانسحبت بسرعة من مكتب هذا اللص، وعرفت أنني في المكان الخطأ دون أن أعرض مشكلة الفساد في إدارته.. لقد تبين لي بوضوح أنه (راس الهوس). هؤلاء القوم لا دين لهم ولا أخلاق ولا ذمة. ثم رأيت مجموعة غريبة من الرجال تدخل إلى مكتبه، وتم منع أي شخص آخر من الدخول. عرفت أن هؤلاء هم (الناس الفوق)، من أولي الشوكة، والذين يأكلون من عرق البؤساء الذين رأيتهم قبل قليل في الداخل. إنني إنسان أغضب بسرعة حين أرى الباطل، وأشعر باليأس حين أشعر بالعجز عن رد هذا الباطل. وبيئة هذا المرحاض لا يمكن أن تورثني إلا القرف والمقت المزمن، أو، (وهذا هو الخيار الذي أخشاه)، أن أتماهى مع هذا الوضع فأتلوث مثله ولو حدث هذا فسأصبح أكثر خلق الله شراً، وهذا ما لا أتمناه لنفسي. لذلك فهذا المرحاض لا يمكن أن يتحمله إلا القتلة واللصوص من فاسدي القيم، ومن وضيعي الطبقات. ولذلك أتوقع مزيداً من الهجرات إلى الخارج في الأشهر القادمة للأسر المحترمة والمتمدينة. وإني أنصح ما تبقى من هذه الأسر بأن تبيع ما تملكه هنا وتهرب بفلذات أكبادها إلى بلاد محترمة، بها نظام حقيقي بحيث يمكن أن يطلق عليها مسمى دولة. اللهم اخرجنا من هذه الأدبخانة يا رب.. الوحا الوحا.. العجل العجل.. الساعة الساعة..
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق September, 16 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة