الذين يختارون التموضع في المناطق الرمادية، ويتخذون الحالة الزئبقية التي لا يمكن الإمساك بها، بلا شك سيجدون انفسهم في وضع لا يحسدون عليه، متي ما حوصروا وضيّق عليهم الخناق، وغالبا ما يهربون إلي الأمام، ومن يطلق ساقيه لرياح السياسة فلن يتوقف أبدا، ويظل يبحث عن مشجب ليعّلق عليه خيباته، ويتكل عليه تقلباته، حتي يصبح أضحوكة، يخر صريعا في الحلبة السياسية، ولن يقوم له قائمة إلي الأبد. هم يعلمون كجوع بطونهم، أنّ الحكم المدني الديمقراطي، يرتكز علي الصناديق الانتخابية، وليس علي صناديق الذخيرة، وأنّ القيادة والريادة تقومان علي الصدق والشفافية وليست علي "الدغمسة" والتدليس، وأنّ العدالة بالقانون وليست "بالبونية، وأم دلدوم" يدعون أنّ قواتهم جيوشا وليست مليشيات، وما علمنا أنّ قواتا مسلحة ترتكز علي القبلية والجهوية، وتتخذ المظالم والمطالب الجهوية درقة لإشباع جوع السلطة لقياداتها، تسمى جيوشا، فماذا هم فاعلون إن قرر الجيش "سيد الاسم" الخروج من الساحة السياسية؟ لا نستغرب أن يدعوا انهم قوات خاصة، شرعيتها ومهامها محدودة في اتفاق جوبا للسلام، وهو اتفاق سياسي بالدرجة الأولى بالطبع! وبعدما قايضت الحركات المسلحة مظالم جهوياتهم بالسلطة والجاه، وانفصموا عن حواضنهم الاجتماعية، اصبحوا عراة في الساحة السياسية، وبلا شك سيصبحون حفاة في بلاط الدولة المدنية المرتقبة، إذا باتوا يتخبطون في تحالفات مؤقتة لا يلوون علي شيء؟ وكما يقول المثثل حبل الكذب قصير، وقد كذبوا كذبا بواحا علي حواضنهم الاجتماعية، وطعنوا ثورة ديسمبر المجيدة طعنة نجلاء في الظهر، حين حرّضوا على الانقلاب وساندوه، تقتيلا وسحلا للشباب الأبرياء، ووفروا ملاذات آمنة للقتلة والمجرمين، وصافحوا الأيادي الآثمة المضخمة بدماء أهليهم، فأنى لهم التمّسح بمسوح الدولة المدنية، وادعاء الإيمان بالحكم الديمقراطي؟ نتصور، لبناء جيش وطني موحد، فإنّ برنامج الدمج والترتيبات الأمنية ضمن نصوص أي اتفاق سلام جاد، يقتضي استقالة قوات الحركات المسلحة من كياناتها، والانسلاخ عن عقيدتها "الثورية" واعتناق العقيدة الوطنية الخالصة تحت أداء القسم، وأيّ إجراء غير هذا بلا شك سيكون هزليا وليس جادا، وبمثل هذه الخطوات الضرورية، نتوقع انصياع قوات الحركات المسلحة، لتعليمات "إلي الخلف دور، وإلي الثكنات تحرك"، متى ما انسحب الجيش من الساحة السياسية. وليس أمام قيادات الحركات المسلحة غير هذا، فقد حرقوا جميع مراكبهم، وكسّروا مجاديفهم حين تخلوا عن حواضنهم، وغدروا بثوار ديسمبر المجيدة، ليس أمامهم خيار غير مفارقة العمل المسلح وتأسيس تنظيمات سياسيه مدنية، تحتكم لصناديق الانتخابات وليس إلي فوهة الرشاشات، وعليهم أن يكونوا لطفاء من الحكومة المدنية، إن أرادوا الاستمرار في الرضاعة من ثدي الدولة المدرار، وعدم التفكير مطلقا في اللعب بالنار. المشكلة، إن انسحب الجيش من المشهد السياسي، مع الإبقاء علي وضعية قوات الحركات المسلحة علي ما هي عليها، لا هي قوات نظاميه ولا هي مليشيات جهويه وقبلية! نكايةً في الحكومة المدنية المرتقبة. لا شك أنّ المطلب الثوري "الجيش للثكنات" يزعجهم، و"الجنجويد ينحل" يرعبهم، وهم لا يفكرون فيما سيفعل بهم الثوار، عندما يدحروا انقلاب 25 أكتوبر، لذا نرى بعض قيادات الحركات المسّلحة يحاولون إيجاد موطئ قدم وسط المكونات المناهضة لحكم العسكر، وتقديم الرشاء للإبقاء على قدسية اتفاق جوبا للسلام، وفي ذات الوقت يناهضون لجان المقاومة ذات الطرح الثوري الراديكالي. وضع حركات اتفاق جوبا المحتضر، سيكون في غاية الحرج، إن استطاعت الحكومة الانتقالية الثانية من اختراق حركتيّ عبدالواحد وعبد العزبز الحلو، إن حدث هذا بلا ادني شك أن أحجام هذه الحركات ستكون أقلّ من حبات السمسم. //إبراهيم سليمان// mailto:[email protected]@gamil.com
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 22 202
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة