وجدت بعض الجزائرين والتونسيين يتحدثون عن بعض أنواع الزراعة كحل للأزمة الاقتصادية. في الواقع، ستجد ذات الحديث في مصر ولبنان والسودان وغيرهم، لكنهم لا يعرفون أن هذه حلول اللا حلول. إن الأزمة الاقتصادية في تلك الدولة ليست اقتصادية بل بنيوية، تتعلق بالبنية الكلية للدولة، فإذا ظلت البنية الكلية تعاني من الضعف فإن الحلول الجزئية لن تحقق أي تغيير على أرض الواقع. إن بناء الدولة يعني نسيج متكامل فوقي وتحتي (معرفي، سياسي، ثقافي، اقتصادي، قانوني، إداري، مال ومحاسبي)، هكذا يبدأ إصلاح الواقع، وما دامت هناك قلة تتحكم في تلك العناصر وتستفيد من ضعفها فإن الإصلاح لا يمكن أن يتم في ظل عداء تلك القلة. إن المسألة لا تتعلق -كما يظن الكثيرون- بالدموقراطية؛ لأن هذه الأخيرة نفسها لا بد أن تخضع لتحكم قلة تحرك الدفة بحسب اتجاه الريح لتحافظ على مصالحها المتخفية خلف الآيدولوجيا، كالليبرتارية في الغرب والدين في الشرق. في الحقيقة فإن درجة ذكاء الشعوب بشكل عام منخفضة جداً، لعدة أسباب من أهمها تنوع الانشغالات الذهنية، والانسياق العاطفي والتحيزات النفسية وصراعات أصحاب المصالح...الخ مما يحول دون وجود جماهير قادرة على تقييم واقعها بشكل عقلاني ومما يجعل هذه الشعوب غير مؤهلة حتى لاختيار حكام مؤهلين من خلال صناديق الاقتراع. إن اللعبة تبدأ من تلك القلة المسيطرة لا من الشعوب المُسيطر عليها. لذلك فالحلول التي تطرحها الشعوب تبدو شديدة السذاجة وغير متسقة مع القدرات بقدر اتساقها مع الاحلام والأوهام. وهذه الأحلام والأوهام تسوقهم وتسوق الدولة برمتها إلى مزيد من خضوعهم وخضوها لمزيد من التحكم والسيطرة من قبل تلك الأقلية، والتي يجب أن نفترض في كل الأحوال حسن نيتها دون أن يكون هناك ما يؤكد ذلك. اللبيرتارية كمخلِّص: هل الليبرتارية هي المخلص؟ هل الدين هو المخلص؟ إن الآيدولوجيات عموماً هي أحد عوامل ضعف الدولة وقوتها في نفس الوقت، وإن كان لا بد منها -فهذه حقيقة تؤكدها الشواهد منذ فجر التاريخ- لكن المسألة لا تتوقف على الآيدولوجيا بقدر ما تتوقف على الكثير من العوامل المادية، كمساحة الدولة وعدد السكان، وعوامل معنوية كالثقافة العامة والرواسب التاريخية والبرادايم الآني الذي تشكل من خلال الفشل والصراع. لذلك فإن زراعة الخروب ليست حلاً لا للجزائر ولا تونس ولا لأي دولة أخرى، إنما ضرورة البحث عن شكل جديدة للدولة. (يتبع)
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق July, 17 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة