يحاول البعض عن قصد او عدم وعى بالخلط بين بعض المفاهيم السياسية وذلك غالبا بهدف الدفاع عن مواقفهم المهزومة ، او لهزيمة اعدائهم من خلال زرع مثل هذه المفاهيم الخاطئة وسط الجماهير وخصوصا تلك التى لم تتخذ موقفا من الصراع الدائر والممتد خلال السنوات الاربع من ثورة ديسمبر المتفردة . نحاول فى هذه المقالة أيضاح بعض هذه المفاهيم مرتبطا بمواقف ذلك البعض : أولا : نبدأ بما اصبح الحجة الدامغة من وجهة نظر رئيس النظام والمبررة لأستمرار نظامه ، وهى القائلة باستعداده لتسليم السلطة بتحقيق أحد شرطين ، اما اتفاق القوى السياسية جميعها على خارطة طريق او بعد اجراء الانتخابات ! والحجتان تبدوان سليمتان من حيث المبدا وبالنظرة السطحية للامر ، ولكن .. عندما ينظر الشخص، الخالى من الغرض ،الى حال القوى السياسية ، حتى باستبعاد جماعات النظام السابق والحالى ، ناهيك عن تعريف النظام الانقلابى للقوة السياسية التى لم يعد هناك شك فى ضمه لجماعات تعاونت مع النظم الانقاذى حتى لحظات نهاية قيادته السابقة ، فهو بلاشك سيجد استحالة فى توافقها حتى فى معاداة المكون العسكرى . وهكذا يتضح المكر وراء الشرط الاول ، أما الشرط الثانى والذى يبدو لاغبار عليه، بل هو مطلب الجميع بعد نهاية الفترة الانتقالية ، فهو فى حقيقة الامر اشد مكرا . فمن ناحية من الواضح فيه قصد احراج الاطراف التى تطالب بتحقيق الشروط اللازمة لتحقيق انتخابات يتمكن فيها كل سودانى له الحق ان يصوت ، وذلك من مثل التعداد وحل قضايا اللاجئين داخل السودان وخارجه وغير ذلك من شروط تنظيمية ضرورية . ويأتى المكر هنا من تكرار الدعاوى بأن من يطلب تأجيل الانتخابات ، انما يفعل ذلك لكونه يعلم مسبقا عجزه عن تحقيق الفوز فيها بسبب ضعف وجوده الجماهيرى ! وقد تحدثت عن هذا الامر المخادع من زاويتين فى مقالات سابقة وأجدنى مضطرا للتكرار مرة اخرى : الزاوية الاولى ان من يدعون ذلك ينطلقون من رؤى سابقة ليس للثورة فحسب وانما لنظام الانقاذ السابق والحالى ، وهى رؤى لاتضع فى اعتبارها تطورات لم تعد نظرية وانما تدل عليها شواهد عملية . فالمشاهد لاستقبالات جماهير المناطق التى كانت تعتبر مغلقة لبعض الاحزاب التقليدية فى دارفور وكردفان وغيرها ، تدل على ان هذه المناطق قد اصبحت بعيدة جدا عن تحقيق النتائج الماضية هذا اضافة الى مواقف هذه القوى المستمرة من مطالب الثورة التى تصبح مطالب غالبية الشعب مع مرور كل يوم وخروج الى الشارع ! اما الزاوية الثانية فهى حقيقة ان قوى الثورة لاتريد التعجيل بالانتخابات اذ ان ذلك يعنى اخلالا كبيرا بالمبادئ التى تدعو اليها هذه القوى الا وهى الحرية والسلام والعدالة ، والتى هى فى نفس الوقت مبادئ الثورة التى لم تتحقق بل ان بعضها تراجع خطوات الى الوراء ! فاذا كنا اليوم نفتقد الحرية لمجرد التظاهر السلمى لأبداء الرأى فى الخراب الذى حدث خصوصا بعد انقلاب 25 اكتوبر، واذا اصبح السلام حكاوى متبادلة بين الوسطاء من اخواننا فى الجنوب وزعيم الجنجويد ، بل وكان سببا فى التمرد الواضح من كثير من مناطق السودان التى اعتبرت ماتم فى الجنوب قد انصف مجموعات حاملى السلاح على حساب مناطق السودان الاخرى وأما عن العدالة فحدث ولاحرج ، سواء كانت المقصودة العدالة الجنائية او الاجتماعية ..الخ . هذا اضافة الى الاجراءات التى قامت بها سلطات الانقلاب من رد اغلب مااستردته الثورة من منهوبات وارجاع كثير من مسئولى النظام ، وهى كلها ليست الا مقدمات لما هو ادهى ، مثلما بدأ يظهر من تلاعب فى قضايا يتهم فيها بعض مسئولى الانقاذ ، بحيث لم يتبق من استرداد النظام الانقاذى بكامله غير انتخابات مبكرة ، وقد كتب فيها الفوز للانقاذيين بالفعل قبل قيامها! غير ان ( مكر هؤلاء هو يبور ) فقد سلط الله عليهم الشارع الثائر ، الذى استمر يقدم شهيدا وراء شهيد وشعاره " الدم قصاد الدم .. ومابنقبل الدية " ، وهو يتحمل تبعات المكر المتمثل فى اجراءات الاجاعة التى اصبحت لاتخفى على احد وشعاره " الجوع ولا الكيزان ". ولمزيد من البوار لمكرهم اصبح الشارع مؤثرا حتى على بعض الاحزاب التقليدية التى رفضت الاشتراك فى حوار " الطرشان " كما اسمااه أحد الرافضين . وكذلك الامر بالنسبة للمجتمعين الدولى والاقليمى ، حيث أقر بيان اللجنة الثلاثية لتيسير الحوار بأنه لن يكون مجديا بدون مشاركة الاطراف المؤثرة التى لم تشارك . وفى الاشارة الى انقلاب اكتوبر بالاسم بأنه انقلاب وطالب بايقاف حقيقى لما يقوم به من قتل واعتقال ..الخ ومع كل تلك الامور الواضحة لكل من يبصر ، وبرغم التجارب التى مر بها قادة الانقلاب ، الا انهم ظلوا ينظرون ولايبصرون . لأنهم اذا حاولوا الابصار لراوا الفشل الذى لازم كل محاولاتهم ارجاع الامور الى الوراء . بالامس شاهدت خطابين للبرهان لايفصل بينهما سوى ايام قليلة ، وهو يرفض بكل ماأوتى من قوة الجلوس مرة اخرى مع قحت ودعى عندها ايضا لضرورة الانتخابات المبكرة ،ثم بعدها بأيام طلب بنفس القوة الجلوس للاتفاق ونسى موضوع الانتخابات المبكرة .. ثم .. وثم .. ولكن يبدو ان لكرسى السلطة حلاوة وطلاوة تسكر وتنسى ، والا لو تذكر قادة انقلاب اليوم ماحدث للانقاذيين بعد ثلاثين سنة من الحكم المطلق لقاموا بتسليم السلطة دون قيد اوشرط ، فاولئك قد سلموها بنفس الطلب الذى يقدمه لهم ثوار اليوم " سلمية .. سلمية " قبل ان تخرج الامور من يد الثوار الذى حافظوا على سلميتهم برغم الآف القتلى والمخفيين والمعتقلين والجوعى ..!
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق June, 11 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة