يمكننا التعبير عن العنصرية بتعريف ابتدائي اكثر شمولا يضم كل انواع المملكة الحيوانية ، بأنها التمييز السلبي فيما بين الجماعات البشرية على اساس العرق او الاصل الاثني كما بين الانواع الحيوانية على اساس النوع البيولوجي، و العنصرية تكيف تطوري ارتبط بغريزة البقاء انتظم جميع انواع المملكة الحيوانية..في تاريخ التطور البيولوجي كانت العنصرية سمة بيولوجية مهمة لأجل البقاء و ذلك لأهميتها في الحماية من الافتراس بواسطة الغرباء ..قبل عشرات الاف السنوات في الماضي التطوري عندما كان الوجود البشري شأنه شأن الوجود الحيواني خاضع لصراع البقاء الضاري ما بين فريسة و مفترس، فالانواع و الجماعات المختلفة هي في الغالب عدو او مفترس..فغالبا الفرد من المجموعة الحيوانية او البشرية الذي لم تتطور لديه سمة العنصرية التي تمكنه من التمييز السلبي ضد النوع او الجماعة المختلفة عن جماعته ستتقلص لديه فرصة النجاة و سيكون فريسة سهلة، بخلاف الافراد ممن طوروا سمة عنصرية لتساعدهم على التأهب و الحذر من المجموعات و الانواع المختلفة (هي غالبا معادية او مفترسة)، و بالتالي اتخاذ قرارات الدفاع المناسبة للنجاة.. في حالة البشر بالذات و بخلاف جميع الانواع الاخرى نجد ان كثير من التكيفات التطورية التي ساعدت اسلافهم في البقاء و التطور ، ذات التكيفات باتت اليوم تعيق البقاء و التطور و على رأسها تكيف سمة العنصرية.. فالعنصرية و يعبر عنها بدقة الشوكة او العصبية كانت توفر حماية للقبيلة او العشيرة في الماضي ضد الغرباء الذين هم في الغالب اعداء و غزاة...و لكنها اليوم باتت تعيق الدولة و تقوض نظامها و تتسبب في الاقتتال الاهلي و الصراعات و الانقسامات.. و فيما يتعلق بسواد البشرة، ففي صراع البقاء يعتبر التكيف هو احد آليات التطور بالانتخاب الطبيعي للانواع و الجماعات...لون البشرة السوداء سببها كثافة صبغة الميلانين التي تساعد في حماية الجلد من الاشعة فوق البنفسجية المنبعثة من ضوء الشمس في المناطق الاستوائية...بينما البشرة البيضاء بها ميلانين اقل حيث لا تحتاجه جماعات المناطق الباردة غير المشمسة..و عليه وفق قانون التطور البايلوجي تركيز صبغة الميلانين التي تمنح الجلد لونه الاسود ضرورية للبقاء و التكيف مع البيئات المشمسة و الاستوائية لمقاومة اشعة الشمس الضارة.. اما عن التكيف النفسي لتفضيل لون البشرة البيضاء على البشرة السوداء فله جذور ضاربة في ماضي التاريخ التطوري مرتبط بغريزة البقاء كذلك..فالانسان البدائي تلازم سواد الليل لديه بالموت لأنه اضعف ما يكون للدفاع عن نفسه ضد المفترسات و التي لها مقدرة على الرؤية الليلية بوضوح، بينما ارتبط اللون الابيض لديه بشروق الشمس حيث يستعيد الرؤية العامل المهم للبقاء..و هذا التكيف التطوري لتفضيل اللون الابيض على الاسود انعكس على الوعي الجمالي و الذي هو في الاصل تكيف تطوري مرتبط بالبقاء بتفضيل لون البشرة البيضاء على السوداء حتي لدي كثير من السود، و هذا قد يفسر نزعة كثير من السود الي تفضيل لون البشرة البيضاء على السوداء و تغيير لون بشرتهم للافتح باستخدام المستحضرات و الوسائل الصناعية و اشهرهم المغني الاسود مايكل جاكسون، و سوق مستحضرات تفتيح البشرة رائج في بلادنا..
و عن الامتهان الثقافي للون البشرة السوداء و وصمه بالعبودية فجذوره تعود الي الديانات الابراهيمية، و تحديدا قبل ما يزيد عن ثلاث الاف عام في الديانة اليهودية، حيث يتحدث سفر التكوين عن عقاب و لعنة نسل حام على الخطيئة بالسواد و العبودية:
20 وابتدأ نوح يكون فلاحًا وغرس كرمًا: 21 وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه. 22 فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا. 23 فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء. فلم يبصرا عورة أبيهما. 24 فلما استيقظ نوح من خمره، علم ما فعل به ابنه الصغير. 25 فقال: «ملعون كنعان! عبد العبيد يكون لإخوته». 26 وقال: «مبارك الرب إله سام. وليكن كنعان عبدا لهم. 27 ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدا لهم».
ثم جأت النصوص الاسلامية المقدسة بتكريس سوء و امتهان اللون الاسود و استخدامه للوصم..فنقرأ في ذلك بعض الايات: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (آل عمران106).
نخلص في نهاية هذا المقال الي اننا (النوع البشري) نعيش اليوم بتكيفات تطورية سلوكية و نفسية بائدة و ان كانت ساعدت اسلافنا البدائيين في البقاء و التطور الا انها باتت تهدد بقائنا و تطورنا اليوم بعد استنفاذها غرضها، و ذلك لأن بيئة و مهددات حياتنا اليوم اختلفت عن تلك التي واجهها اسلافنا في الماضي السحيق...التربية و التعليم و القانون وسائل ضرورية في احداث هذه المؤامة بين تطورنا النفسي و السلوكي و حاجتنا الراهنة للبقاء و التطور.
بقلم مهند وديع
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 04/13/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة