بعد إطلاق سراح غندور، وعودة ما تبقى من الكيزان لأعمالهم، ورد أموالهم لهم، يجب أن يثوب الإسلاميون إلى رشدهم ولو قليلاً، ويعوا ويدركوا ضرورة تغيير طريقة تفكيرهم. فخلال الأسابيع الماضية، وبعد انقلاب خمسة وعشرين، وتأكد نهاية قحط، عاد الكيزان إلى نفس نبرتهم القديمة، نبرة التخوين والتهميش والإقصاء، عادوا لنبرة التهديد والوعيد، دون أن يستفيدوا أي شيء من التجربة القاسية التي مروا بها. عليهم تحديداً أن يدركوا التغيرات في الداخل والخارج، ويعرفوا أن السودان يشهد تبدلات جوهرية في الأدوار الملعوبة، وأن كيانات وقوى جديدة أصبح لها ثقلها في الشارع اليوم. فالمسألة ليست مسألة شيوعيين، فنحن جميعنا ندرك أن الشيوعيين تم استخدامهم في هذه الثورة كمغفلين نافعين، ثم تم إعطاؤهم بالشلوت كما لو لم يكونوا شيئاً مذكوراً. ولكن لماذا وقع الشيوعيون في هذا الخطأ؟ وقعوا فيه لأنهم كانوا يفكرون بنفس طريقة الكيزان، فهما وجهان لعملة واحدة. فطيلة ظهورهم في الساحة لم يتوقفوا عن التنمر المستمر بالآخرين، ونصب الشيخ خضر والشفيع وغيرهم أسياداً على باقي الشعب. هم ومعهم السنابل، والسنابل بسطاء جداً في تفكيرهم بحيث لا يعول عليهم لا في سراء ولا في الضراء. الآن هناك تحولات في اللعبة، قد قبلها الإسلاميون مثل التطبيع مع إسرائيل، لضمان حماية نظامهم الحالي المتمثل في حكم البرهان وكباشي وغيرهم من الإسلاميين داخل الجيش، وبالتالي حماية الإسلاميين. كما انهم أصبحوا محميين بعودة قضاتهم أيضاً إلى وظائفهم، وعودة أموالهم. فهل سيتحرك الإسلاميون في ذات اتجاه التمكين السابق، أم يحاولون التعامل بحكمة بمنح الآخرين حقهم في الوجود وحقوقهم في المواطنة، هل سيمارسون ذات ما فعلوه منذ ١٩٨٣ وحتى سقوط البشير؟ هذا السؤال يحب أن يطرحوه على أنفسهم بوضوح، لأن أي تجربة جديدة لن تكون قاسية عليهم فقط، بل ربما تكون دموية. هم الآن يناصبون الحركات المسلحة وحميدتي عداءً واضحاً فاضحاً، كقوة جديدة أصبح لها ثقلها الذي يهدد قوتهم المالية والعسكرية. فهل سيتعاملون معهم كمواطنين أم كأجانب كما يزعم إعلامهم؟ وكما كان يزعم مع كل من لم يكن معهم في فترة حكمهم لمدة ثلاثين عاماً؟ هذا سؤال آخر؟ نحن في النهاية -جميعنا- يجب أن نسعى لأمرين: الأمر الأول: هو استقرار الدولة. الأمر الثاني: هو التأسيس لدولة الحقوق. والأمران يتكاملان معاً ويدوران مع بعضهما وجوداً وعدماً. لقد ظللنا نقول منذ عهدهم القديم وحتى عهدهم الجديد بأنه لا أحد سيعيش مطمئناً في دولة غير حقوقية، ولا سبيل إلى تامين حقوق الجميع إلا بقبول أول حق؛ وهو حق الآخر في الوجود. أي أن يقبل الجميع حقيقة أن الآخر له الحق في أن يكون مواطناً متمتعاً بالمساواة مع غيره أمام القانون. سنلاحظ أن أول المصائب قطرة كما أن أول الغيث قطرة. فالقضاء الذي تعجل تبرئة إخوانه، يماطل في إعادة حقوق غير إخوانه، وذات القضاء الذي أعاد لاكابر الكيزان أموالهم يستنكف حتى أن يقبل قضايا من غير الكيزان والفصل فيها ويعطل مصالحهم. هذه بداية غير مبشرة، وعودة إلى نقطة الصفر، ستدخلنا في دائرة مغلقة وصراع جديد ومتجدد. نفس الأمر المتوقع من تعيينات جديدة في مناصب الدولة لهم ولأبنائهم مع إقصاء الآخرين، تحت حماية وضمان البرهان وكباشي. وهذه مصيبة جديدة. فإذا كان هرقليطس قد قال بأننا لا نستطيع أن ننزل في ذات النهر مرتين، فيبدو أن فلسفة هذا الفيلسوف قد ظهر بطلانها في السودان ظهوراً بيناً لا شك فيه. موقف إسرائيل من عودة الحركة الإسلامية يخدم هذه الأخيرة، فنحن نعرف أن إسرائيل دولة دينية ولا مبرر لوجودها سوى يهوديتها (وليس صهيونيتها العلمانية)، ولذلك فهي تسعى بقوة إلى التعامل مع السودان كدولة (دينية) أي دولة إسلامية، وليس دولة علمانية، وستحافظ على هذا الوصف (اياً كانت حقيقته)؛ عبر الاتفاقات الإبراهيمية، أي أنها اتفاقات تقف فوق أساس ديني. هذا يحمي مستقبل الإسلاميين بعد أن أنهى الإسرائيليون تخبط البشير بإزالة البشير عبر الهبوط الناعم الذي استغلظ فاستوى على سوقه بعد فشل مليونية ستة أبريل. هنا.. على الحركة الإسلامية أن تعيد تجديد مفاهيمها البالية، وتحسين ظروف معيشتها داخل الدولة السودانية مع باقي القوى التي تسكن معها. بل ومع المواطنين الذين لا يهمهم حزب ولا سياسة. وإذا كانوا لا يفهمون ما أقول فلينزلوا إلى الشارع وليروا كم هم مكروهين فيه بسبب ما فعلوه خلال الثلاثين عاماً الماضية. لذلك يجب أن يراجعوا ويقيموا -ليس ما فعلوه- بل طريقة تفكيرهم التي فعلوا بها ما فعلوا. وإلا فإن الواقع سيتجاوزهم ولن يكون اي تجاوز قادم مسألة سهلة لا عليهم ولا على غيرهم. ستكون هناك دماء حتى الركب. ما شاهدته وقرأته خلال الايام الماضي كان يدل على أن طريقة تفكيرهم لم تتغير البتة، فهم يتمركزون حول مناهجهم القديمة، ولا أعرف اهو قصور فيهم أم قصور في أحاسيسهم. ذلك أن الوعي إحساس قبل أن يكون محض تفكير واستدلال.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 04/07/2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة