السودان يحتل المركز الرابع والستين بعد المائة (164)، وفق تحليل مؤشرات الفساد للعام المنصرم 2021، وذلك على ذمة منظمة الشفافية الدولية المعنية بقياس درجات الفساد السياسي وغيره لبلدان العالم، في هذا المؤشر توضع الدولة الأقل فساداً على رأس القائمة، ثم التي تليها حتى ذيل القائمة (الطيش)، الذي نالته دولة جنوب السودان الشقيقة في تقرير السنة الماضية، للأسف، ومقر هذه المنظمة هو جمهورية المانية الاتحادية – برلين بحسب المعلومات المتوفرة بالموسوعة العالمية – ويكيبديا، فهي مؤسسة غير ربحية بها مائة فرع محلي تأسست في العام 1993 للميلاد، وتتمثل مهمتها في السعي الدؤوب نحو خلق تغيير من اجل عالم خالي من الفساد، وقد اصبحت الاصدارة السنوية المحتوية على المؤشر العالمي للدول الأكثر فساداً، مصدراً موثوقاً للباحثين الاكاديميين والحكومات والناشطين للوقوف على حال الدول الموبوءة بهذا الداء العضال، الذي دفعت ثمنه اعداد مهولة من سكان الكوكب الاخضر، وفي تقريرها لهذا العام أكدت المنظمة على أن منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ما زالت تحت قبضة اقليات مهيمنة على المجالين السياسي والخاص. وربطت منظمة الشفافية الدولية مسألة التقدم في ارتقاء السلم الرافع للبلدان من حضيض الفساد، بمدى حفاظ هذه البلدان على تطبيق القوانين والاجراءات الراعية لحقوق الانسان واتباعها لانظمة الحكم المدني، ومن هذه الزاوية يستطيع المراقب أن يسبر غور الاسباب الحقيقة التي اوصلت بلادنا لهذا الدرك السحيق من الفساد السياسي والاداري الملحوظ، لقد لعبت الحكومات العسكرية ومازالت الدور الابرز في استشراء الرشوة والمحسوبية والجهوية بين اروقة دواوين الحكم جميعها، حتى صار الموظف الحكومي الفاسد مثال يحتذى وتقتدي به الناشئة، وامست جرائم الاعتداء على الاموال العامة والخاصة تعرّف على انها بطولات ترفع لمرتكبيها القبعات، فالفساد السياسي والاداري في بلاد السودان مرض مزمن صعب علاجه ويئس الكثيرون من الساسة والحكام من أن يداووا جراحه النازفة، وآخر هؤلاء الساسة رئيس الوزراء المستقيل الذي اصطدم بالحائط الاسمنتي السميك لهذا البنيان الفاسد، فمع اخفاق الرجال الصالحين والنساء الفالحات من ابناء وبنات هذا الوطن الجريح في تضميد هذا الجرح الغائر، يستمرأ المناصرون للدكتاتوريات العسكرية المضي قدماً على ارصفة هذا الطريق المحفوفة جنباته بالمفاسد. ومن الجزئيات المحزنة والمبكية الواردة بين صفحات هذا التقرير، أن جائحة كورونا قد تم استغلال تدابيرها ومحاذيرها الصحية والأمنية، كذريعة للحد من الحريات الأساسية للشعوب واجتناب الضوابط والتوازنات المهمة والمطلوبة لتحقيق معايير مؤشر هذه المنظمة العالمية، ما أدى للتهاون في الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، واهمال تدابير المساءلة المحققة للشفافية والتراجع عنها، ولمواطني الدول المتحكم عليها بواسطة الحكومات الغير مدنية، أن يتصوروا حجم المأساة المفروضة عليهم، عندما يكون الوباء مطية لتنفيذ الاجندة السياسية الخبيثة بدلاً من أن يكون مدعاة للنهوض ومواجهة آثاره الكارثية باعتباره أحد اعداء الانسانية الثلاثة – الجهل – المرض – الفقر، فتقوم هذه الحكومات المعطوبة بالصيد في هذا الماء العكر، ومهما رصد الراصدون افرازات جور الانظمة الشمولية المتربصة بشعوبها، لا يمكنهم احصاء عيوب ومثالب هذا الحكم الجبروتي والطاغوتي المأزوم، الفارض على الناس العيش بين مطرقة ظلمه وسندان الوباء الفتّاك. وبحسب توجيهات ونصائح هذه المنظمة الشهيرة، فانه لن يكون هنالك تحسن بسجل السودان في ترتيب الدول الاكثر فساداً، ما لم يدخل قائمة الدول ذات الحريات المدنية المحمية، ولكي يكون من ضمن هذه الصفوة الخالصة والمتخلصة من شوائب الفساد، عليه اللحاق بركب الحكم المدني وتأسيس اركان سلطاته الثلاث - التنفيذية والتشريعية والقضائية - المنفصلة عن بعضها البعض والمتمتعة بالاستقلالية، والتي يجب أن يجلس على هرم هياكلها الادارية رجال ونساء مدنيون ومدنيات لهم ولهن الكفاءة المهنية، وأن يقدموا ويقدمن ابراء الذمة والوثائق المثبتة لعدم ادانتهم وادانتهن في الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، ويتمتعون ويتمتعن بسجل وظيفي حافل بالخبرات العملية الحقيقية، لا تلك السير الذاتية المزيّفة المحشوة بالكلمات النثرية المنمقة المالئة للصفحات، فالطريق للمجد وارتقاء القمم والاحتفاء باعتراف مؤشرات مؤسسات التقييم العالمي، يمر عبر بوابة ثورة ديسمبر المجيدة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة