يقول الكاتب إبراهيم جابر: "في الجاهلية، كانوا يصنعون أصناما من تمر، فإن جاعوا أو ضجروا منها أكلوها، الآن يصنعون أصناما، إن ضجرت منهم أكلتهم، وإن ضجروا منها.. أكلتهم!" عُرفت شعوبُ الدول الأقل قدرةً على التطور بأنها الأكثر قدرة على صناعة الدكتاتوريات على امتداد تاريخها المشترك.. ويعود ذلك إلى حقيقة أن الديكتاتورية بذرة خبيثة توجد في جميع اصقاع الأرض، إلا أنها لا تنبت ولا تزدهر إلا في الأراضي الخصبة الصالحة لها. فما هي الدكتاتورية، ومن هو الدكتاتور؟ الدكتاتورية هي شكل من أشكال الحكم، تكون فيه السلطة مطلقة في يد فرد واحد (دكتاتور)، وكلمة دكتاتورية من الفعل (dictate) أي يملي والمصدر dictation أي إملاء. إذن هي شكل من أشكال الحكم السياسي الذي يتولاه فرد واحد، بحيث لا تقيده قيود قانونية أو دستورية أو عرفية. وهكذا فان الدكتاتورية نوع من الحكم الاستبدادي. أما الديكتاتور، فيُعرف بأنه، شخص مريض، يرى نفسه فوق الناس، فهو أعلمهم وأفهمهم، وهم رعيته وجنده وعبيده، يستغل حاجتهم ليلبي حاجته، وغالباً ما يتصور الدكتاتور نفسه هنا بأن له صلة روحية بالله الذي يلهمه ما يجب أن يفعل، أو أنه يتصور نفسه أنه هو الإله، ولذا يحيط نفسه بهالة من الحصانة والعصمة. فالديكتاتور بحاجة إلى شعب يطيعه، وأفواه مفتوحة أمام كلماته العبقرية، لا يُناقش إلا إن وجد النقاش يزيده فخامة، ويوسع من دائرة التفاف الناس حوله، وهو يعاني من أزمة الصوت العالي، لأنه يعشق سحر صوته، لذلك تجده يصرخ في من حوله حتى يشعر بالسعادة وبسيطرته على مملكته. ويحصل الدكتاتوريون على السلطة عادة بوسائل غير دستورية، وغالبا ما تكون عنيفة ويحتفظون بها بالقوة. وقد قسم البعضُ الديكتاتورية إلى دكتاتورية فردية، وأخرى جماعية. فالفردية تكون بتسلط فرد على مقومات الدولة تسلطاً شاملاً معتمداً على القوة العسكرية التي هي ملك للدولة. ويقصد بالمقومات (الأرض، الثروة، الشعب، الحكم) أما الدكتاتورية الجماعية، فتكون بتسلط جماعة (حزبية، عشائرية، عسكرية، دينية...الخ ) على مقومات الدولة. لكن كيف يُصنع الدكتاتور وما هي الأخطاء الشائعة التي تكون بمثابة خصبة لتوالد فايروس الدكتاتورية؟ إن تمجيد القائد فوق ما هو عليه، وتسخير وسائل الإعلام لوصفه بالفخامة والعظمة والقدسية، وأنه الراعي والحامي والضامن والنابغة والعلامة والمبدع والملهم والعبقري الذي يفهم في كل شيء ، بجانب التجابن من قبل أتباعه وميلهم الى الركون والانزواء الى الراحة وطلب الأمان على المجاهرة بالحق والوقوف في وجهه وأعوانه وبطانته؛ لهو أولى الخطوات نحو استئلاهه ومده بصلاحيات البطش والتنكيل بالجميع. إن ظاهرة تلميع القادة وتقديسهم حد العبادة التي ما برحت تصاحب مسيرة الثورة السودانية منذ ثورة الثائر السوداني محمد أحمد المهدي في أواخر القرن التاسع عشر وحتى ثورة ديسمبر المسروقة، لهي من أكبر المعيقات أمام نجاح ثوراتنا.. إذ أن اختزال قضية الكفاح الثوري في الأشخاص، _بلا شك_ يكرس لإعادة إنتاج دكتاتور جديد أشد بأساً وبطشاً من ذي قبل، فما أن تصل الثورة إلى القمة حتى تشتعل ثورة أخرى تنادي بذات الأهداف والرؤى السابقة. لذلك يجب ان يضع الشعب السوداني الثائر حداً لهذه السلسلة اللا متناهية، من خلال إيجاد دستور محكم وشامل للدولة، يسوق الجميع إلى انتخابات نزيهة يختار الشعب ممثليه بحرية كامله، تفضي بدورها إلى استقلالية مؤسسات الدولة استقلالاً كاملاً... ولا يتم ذلك كله إلا بتثقيف الشعب وترسيخ مفهوم انتمائه للدولة كسيدٍ، لا مسيود.. وأن جميع القادة على اختلاف مواقعهم بالدولة؛ ما هم إلا موظفين مُسخّرين لخدمته هو، وليس العكس، وذلك مقابل مرتب معلوم يخرج عادة من جيب الدولة نظير ما يؤديها هذا الموظف من خدمات. وحتى نستطيع أن نخرج من هذه الدوامة القاتلة، على الشعب السوداني الكف الفوري عن الانقياد وراء حملات التلميع المنظم لشخصيات لا يساوون أمام ما تذخر بها البلاد من مؤهلات إلا كحصاة ملقاة على صفح جبل عملاق.. وما ان يتغير هذا المستأله من موقفه، أو يتضح للعيان موقفه مؤخراً حتى تنقلب حملات التقديس إلى تنقيص وتخوين وتدنيس.. وما عمليّة تلميع المجرمَين (البرهان وحميدتي) عقب سقوط سيدهما الطاغية المعزول عمر البشير ، رغم تاريخهما الدامي؛ إلا نتيجة لتلك الأخطاء السالفة الذكر. فيا أيها الشعب السوداني الحر العنيد، اصح، فقد ولّى عهد الشذاجة بلا رجعة..واعلم أنه لا أفضلية لأي مسؤول عليك مهما ارتفعت مكانته القيادية، فلا تدفعه نحو الدكتاتورية التي سترد إليك وستسحقك انت فقط.
احمد محمود كانِم 30نوفمبر 2021 أقلام متحدة
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 11/29/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة