قال الزعيم الأفريقي الراحل معمّر القذافي:(من تحزّب خان)، إنّ مدلول هذه الجملة الموجودة بصفحات الكتاب الاخضر للزعيم الليبي، تكاد تتطابق معنوياً مع حال احزابنا السياسية القديمة والطويلة طول أمد بقاءها في المشهد المأزوم، رغم نفاد مدة صلاحية المشاريع التي تقدمت بها في النصف الأخير من القرن العشرين الخاتم للألفية الثانية - الرسالة الثانية للاسلام، الصحوة الاسلامية، تجديد أصول الفقه، الدستور الاسلامي، اطروحة الانحياز لطبقة البوليتارية والرسالة الخالدة الممجدة للقومية العربية الواحدة - فالخيانة تجسدها تجارب هذه الاحزاب مع ممارسة السلطة والدور التمكيني الذي قامت به عبر الحقب والسنين، فكل من تقلّد مقاليد الأمور الحكومية العامة انحاز لطائفته وتماهى مع حزبه السياسي، وجعل الأولوية في تسنم المواقع القيادية في الحكومات القومية لقبيله الحزبي، فليست الجبهة الاسلامية (القومية) هي الوحيدة السادرة في غي هذا المضمار، فهناك الأمة والاتحادي والبعث والمؤتمر والشيوعي والجمهوري، قد اتخذوا المسلك التمكيني بحكومة المحاصصات الحزبية والقبلية المسماة بالمؤقتة والانتقالية، ولقد أهلك الذين من قبلهم الانشغال بالمغانم والمكاسب الحكومية الوظيفية والتكالب على المقاعد. الحركات المسلحة المنتزعة لحصّة سكان دارفور من كعكة الانتقال، هي الأخرى اصيبت بداء (التكويش)، فجيّرت مكاسب اتفاق سلام السودان الموقع عليه بعاصمة جمهورية جنوب السودان، لعدد محدود من منسوبيها الذين تربط بينهم رابطة القبيلة، ففاقمت الشعور بالتذمر بين المكونات الاجتماعية المهمشة وظهرت اجسام مطلبية تنشد الحكم الذاتي، حتى أن رئيس احدى الحركات المسلحة القادمة على صهوة حصان اتفاق السلام، حجز لنفسه كرسي مفتاحي كبير ولأثنين من ذوي قرباه احتكر موقعين دستوريين مؤثرين، دون الالتفات لنصوص الاتفاق المخاطب للناس كافة بهذه الجغرافيا التي امطرها الدكتاتور المخلوع بوابل قنابله البرميلية، وزعيم كفاحي آخر وضع أصهاره وأحسابه وأنسابه على قائمة الضباط الكبار الذين سوف يدفع بهم الى لجنة محاصصات الترتيبات الأمينة القادمة، والتي لن تكون بأي حال من الأحول بأفضل من المحاصصة العرقية الانتهازية التي صاحبت هذا الماراثون التحاصصي السياسي الغريب، هذا فضلاً عن التكتل القبلي الواضح والماثل بقوات الدعم السريع التي لعب قائدها دوراً بارزاً في الإتيان بجوقة جوبا الى دواوين الحكم، فالمسرح الانتقالي العام تفسّره المقولة الخالدة للسيد المسيح عليه السلام (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر)- خطيئة التحاصص الحزبي والقبلي. من المعلوم أن الصراع حول النفوذ الحكومي بدأ باول حكومة (وطنية) بعد (الاستغلال)، فحرم الجنوب والغرب والشرق من الحصول على كوتته المستحقة من السلطة والثروة، فاندلعت حرب الجنوب التي افضت للأنفصال، ومن سخريات الأقدار أن النخبة الحكومية الجنوبية مارست نفس الظُلم الذي مورس عليها من قبل الحكومات المركزية المتعاقبة، عندما آلت اليها السلطة في موطنها الأصلي، وبعدها انتقل فايروس التمرد المطلبي لغرب البلاد وجيء بالنافذين في الحراك المسلح لسدة الحكم ثلاث مرات، آخر مرة كانت عبر قطار جوبا، فمارست النخبة الغربية ما كانت تناهضه من سطوة الاقلية المركزية الحاكمة، ففعلت ما فعله اصحاب القبضة المتجبرة من ابناء (الشريط النيلي)، فانحاز الفاعلون في حراك ابوجا والدوحة وجوبا للقبيل العشائري وتركوا البائسين في المخيمات في مأساتهم لكي يزداد ألمهم وحزنهم، وبين ليلة وضحاها بدّل قادة المهمشين الجلباب البلدي وارتدوا الجاكيت الافرنجي وخلفوا رجل على رجل، وطفقوا يخطبون الخطب الرنّانة أمام قاطني الكنابي بالجزيرة والقضارف، ويسردوا ويعددوا لهم المظالم التاريخية التي حاقت بهم جراء الظلم المركزي تجاههم كونهم من (الهامش)، ضاربين بعرض الحائط المأساة الانسانية الكبرى التي حلّت بمعسكرات (ابو شوك)، (كلمة) و(زمزم). المثل السوداني - أب سنينة يضحك على أب سنينتين – يجسد حال دعاة التمكين القبلي الأثني والتمكين الحزبي الطائفي الطويل الأمد، وما بين هذا التمكين وذاك التمكين غاصت اقدام الشعب المسكين في الوحل والطين، فلا منجد للمواطن إلا القبيل العشائري الحائز على السلطة الحكومية، أو الحزب السياسي الواصل لطاولة الكعكة السلطوية انتهازاً وفهلوةً، ويظل التساؤل غير المجاب عليه قيد المثول والشخوص والالحاح، متى يصل المقاومون المدنيون المستقلون في مدن وارياف السودان للقصر؟، ومتى يجلسوا حول الطاولة الموضوع عليها التورتة؟، ومتى يمسكوا بالسكين القاطعة للكيكة بالقسطاس المبين؟، إنّ هؤلاء المقاومين المدنيين هم (حُلم) - حراك لجان المقاومة، الجسم الوحيد المخاطب لنبض الشارع، والذي قدم اطروحة تحويله لكيان جامع أحد الصحفيين الشهيرين، فهل يتحقق هذا (الحُلم) الكاسح والماسح للأجندة الحزبية الضيّقة، والكانس لأوهام الحالمين بعودة دولة القبيلة، والرامي بها في مزبلة التاريخ – هذا في حال قبلت المزبلة التاريخية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة