بدأت أمس حديثاً عن مذكرة وجوه القلم والرأي والمهن التي مهروها بتوقيعاتهم في ١٦ سبتمبر الجاري تزكية للصحفي عبد الرحمن الأمين لرئاسة مفوضية الفساد المزمع قيامها. وقلت إن ديباجة المذكرة كشفت من غير تصريح عن مشروع مستقل للجماعة لمحاربة فساد دولة الإنقاذ استدبرت فيه لجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩استدبارا. فأهملت ذكر اللجنة على حضورها من وراء حجاب. وهذا "مكر الصفوي الشمالي" في وصف ت ملقم سيمون في كتابه "في أي صورة ما شاء ركبك: الإسلام الحضري في السودان" (١٩٩٤). فالصفوة الشمالية، متى ساءهم منك شيء، تركوك تقلي في وحشتك ولا نأمة منهم. وقلت إنهم وقعوا على عبد الرحمن الأمين لقيادة لجنتهم لمحاربة الفساد لأنه من اكتملت فيه خصائص مشروعهم. فهو على خصام سافر وغير سافر مع لجنة تفكيك التمكين. فسفر بقوله إن كل ما يصدر عنها "هو عبارة عن تخدير لا أكثر ولا أقل". فهي أفيون الشعوب. ولم يسفر عن خصومته لها بطرائق غاية في المكر الشمالي. فلم يأت بذكرها على لسانه خلال ظهوره على حلقتين لساعتين على تلفزيون السودان مع سلافة أبو ضفيرة (نوفمبر ٢٠٢٠). وربما الأدعى للدهشة أن أبو ضفيرة نفسها لم يطرأ لها أن تسأله عن لجنة التمكين. وسنحت لها الفرصة لذلك حين عاب عبد الرحمن على النائب العام امتناعه عن إصدار قانون لمحاربة الفساد وملاحقة أموال الإنقاذيين بالخارج. بل ود لو كان الرجل أمامه في تلك اللحظة ليطلعه على دخيلة نفسه في الشأن فيسأله "ما أنت فاعل يا رجل؟". فقال عبد الرحمن إن النائب العام، الذي سبق وأصدرت دولته قانون تفكيك التمكين واسترداد الأموال لعام ٢٠١٩، لم يكن حتى بحاجة إلى إصدار قانون ليطال تلك الأموال. فيكفيه مجرد نفض الغبار عن قوانين الإنقاذ لغرضه: قانون مكافحة الثراء الحرام لسنة ١٩٨٩، وقانون مكافحة غسيل الأموال (٢٠١٧؟) معززة بقانون الأمم المتحدة (٢٠٠٣)، والجامعة العربية (٢٠١٢)، والاتفاقية الأفريقية (٢٠١٨) لمحاربة الفساد. ولا أدري كيف فوتت أبو ضفيرة فرصة أن تسأله إن كان قانون تفكيك الإنقاذ واسترداد الأموال مما ربما وفى بمثل مطلوبه. كما لا أدري كيف نسمي الحلقتين مع عبد الرحمن إعلاماً والضيف مضرب عن التطرق للحقائق البارزة في نطاق خبرته في حين أعفته المذيعة من السؤال عنها حتي لا يمضي بشحمة قلبه. لو كان لي أن أجلس في المعاينة التي ستنظر في تزكية عبد الرحمن لقيادة لجنة مكافحة الفساد لتوقفت عن إجازته للأسباب الآتية: ١)لست معجباً بسبق "الصحفي الاستقصائي" لاسم عبد الرحمن كل ما ورد. ولست أرغب في الخوض في الأمر هنا. ولكن ما أخذته عليه حقاً هو أن الاحتفاء به بالصفة سرب بعض المعارف الخاطئة عن الصحافة. فسألته أبو ضفيرة عن نصحه لصحفيينا في انتقالهم من الصحافة التقليدية إلى الصحافة الاستقصائية. وتوقعت أن يقول لها عبد الرحمن أن تصنيفها للصحافة، تقليدية واستقصائية، غير صحيح لأن الصحافة الاستقصائية مجرد فرع من الصحافة لا نقلة جديدة بالمرة عنها. ٢)إن عبد الرحمن مما يمكن وصفه بالأحادية في النظر لفساد الإنقاذ، أو ما يعرف ب "tunnel vision" بالإنجليزية. فهو لا يري في تمكن الإنقاذ فينا إلا وجهاً واحداً هو استرداد أموال البلد المنهوبة في الخارج. فقال في لقاء له بأمريكا (٢٥ أغسطس ٢٠٢٠؟) إن لجنة التفكيك تعمل في الملف الداخلي ورد المنهوبات في السودان في حين أن حصيلتها من المال لا يقارن بمنهوبات الخارج. وربما كان هذا صحيحاَ. ولا يستدعي مع ذلك سوى استكمال عمل اللجنة باسترداد مال الخارج على عسره المعروف. ولكنه لا ينهض سبباً وجيهاً لقيام لجنة أخرى كالتي زكاها له وجوه القوم من الحداثيين لمحاربة الفساد تختص برد منهوبات الإنقاذيين في الخارج. فتفكيك التمكين مفهوم أوسع من مجرد استعادة المال المنهوب في الداخل أو الخارج، بل ولربما كانت هذه الاستعادة في المكان الثاني منه. فتفكيك التمكين شامل للمحو السياسي للمؤسسة الإنقاذية في كل مظاهرها (مؤتمر وطني، واجهاتها، وكادرها). وأهم من ذلك كله أن يرسي فينا مبدأ المساءلة التي لا تكون ديمقراطية بغيرها. فكثيراً ما تسمع أننا خلو من الثقافة الديمقراطية في تفسير تسرب الديمقراطية من بين أصابعنا لتنهشها الكلاب كلما استعدناها. ولا تنبت الثقافة الديمقراطية في الناس "بروس". بل نتعلمها أ ب ت من مثل تجربة التفكيك التي تُخضع رجل الخدمة العامة لسؤال منكر ونكير في حق الشعب. ٣)وجدته صحفياً صريحاً في لقائه التلفزيوني لا رجل مهام مثل التي زكته الجماعة لها. فجاء في عرضه لمباذل الإنقاذ، في غير ما مكان أو داع، بأسماء ارتبطت بها كانت إذاعتها أقرب إلى التشهير منها إلى المعلومة. وهي معلومة في غير مكانها وإن صحت. ومعلوم لكثير منا ما ترتب على لقائه ذلك من متاعب لأبو ضفيرة من السلطات. ٤)وجدته اشتكى بعد زيارة للخرطوم من أنه لم يجد من يتحدث إليه عن خبرته في رصد فساد الإنقاذ. فلجنة التمكين لم تطلب مساعدة الراغب في مساعدتها، ولم تترك رقماً أو سبيلاً ليتصل فيها مالك المعلومة. ولم يتصل به النائب العام بعد أن طلب منه أن يلقاه. وهذا مؤسف بالطبع بحق مثل عبد الرحمن بكعبه العالي في ملاحقة خفايا مباذل الإنقاذ. ولكن ذلك مما لا يفت في عضد القلم الصحفي وبالذات لصاحب قضية لم يحتج يوماً لغير قلمه لخدمتها. وتوقفت عند هذه الشكوى لخوفي أن تكون لونت سقمه من لجنة التمكين والنائب العام معاً. عبد الرحمن صحفي مخضرم محسن. ولربما احتجنا له أكثر في ميدان الصحافة من غير ميدان آخر.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/02/2021
Quote: عبد الرحمن صحفي مخضرم محسن. ولربما احتجنا له أكثر في ميدان الصحافة من غير ميدان آخر.
صحّ حديثك ولكن! بتقدروا تعملولو ال Environment بتاعة واشنطن دي.سي وللّا ساي ..؟! بكلامك دا حول حاجتنا للاستاذ عبدالرحمن، كــ صحفي استقصائي، لــَــهيَ أكبر وأكتر من حاجتنا له كــ "قاضي تحقيق"
وهذا ذكّرني بتلك الحكاية التي يحكونها عن المرحومين السياسيين البارزَين، حيث جاء - على ذِمّة الرواة - أن المرحوم الصادق المهدي، ســُــئل عن تقييمه للمرحوم الشريف زين العابدين، فقال: الشريف رجل شاعر أديب لغوي مثقف أمااااا سياسي، فــ لا!
10-04-2021, 11:01 PM
محمد أبوجودة
محمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265
Quote: وهذا ذكّرني بتلك الحكاية التي يحكونها عن المرحومين السياسيين البارزَين، حيث جاء - على ذِمّة الرواة - أن المرحوم الصادق المهدي، ســُــئل عن تقييمه للمرحوم الشريف زين العابدين، فقال: الشريف رجل شاعر أديب لغوي مثقف أمااااا سياسي، فــ لا!
بالله ما نلقى عندك الحكاية المقابلَة؟ وماذا قال المرحوم الأول حينما سُئل عن تقييمه للمرحوم الثاني؟ أو على الأقل، ماذا عقّب حينما سمع بأنه في رأي أخيه Non Politician؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة