النضالُ بالأدب قراءة في رواية كولونيا الجديدة لهاشم محمود

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-16-2025, 04:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-02-2022, 08:01 PM

محمد رمضان
<aمحمد رمضان
تاريخ التسجيل: 11-01-2013
مجموع المشاركات: 66

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
النضالُ بالأدب قراءة في رواية كولونيا الجديدة لهاشم محمود

    07:01 PM January, 02 2022

    سودانيز اون لاين
    محمد رمضان-إرتيريا
    مكتبتى
    رابط مختصر




    حين فَرَغتُ من قراءة رواية "كولونيا الجديدة" للأديب الإريتري هاشم محمود، وقد أَتيتُ عليها كاملةً في أقلِّ من ساعتين، أحسستُ برغبة قويةٍ في أن أُعيدَ قراءتَها مرَّةً أخرى؛ لا لأنها كانت غامضةً وملتوية، ولا لأنني لم أستوعب تفاصيلَها؛ بل لأنها كانت جذابةً ومثيرةً وممتعة؛ لغةٌ عربيةٌ مبينةٌ وأنيقة، وجُمَلٌ قصيرةٌ ومكثَّفةٌ ورشيقة، تلهث حينًا وتهدأ حينًا، وأحداثٌ تتوالى في إيقاعٍ متناغم، وإن تداخلَ زمانُها ومكانُها، وشخصياتٌ واضحةٌ وضوحَ الشمس، لا تعقيد فيها ولا عُقَد، وإن كان بعضُها في حالةِ ثورةٍ فائرةٍ وغضبٍ لا يَهدأ، وسردٌ بيانيٌّ رائق ومتنوع، يتأرجح بين الغنائية الهائمة والتقريرية المباشرة، وموضوعٌ حيويٌّ يشغلنا ويؤرقنا، لا يزال ساخنًا وملتهبًا، يتعلق بوجودنا ومصيرنا، ويتصل بإرادتنا وكرامتنا، ويرتبط بحريتنا واستقلالنا.
    لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أقتربُ فيها من عالم هاشم محمود الروائي دارسًا وناقدًا، فقد سبق أن قرأتُ له روايته الرائعة "فجر أيلول"، وكان لي شرفُ تقديمها إلى القرَّاء، وكنتُ على يقينٍ بأنني لم أقل عنه كلَّ شيء، ولم أوفِّه حقَّه فنَّانًا وإنسانًا، وهو ما سوف أحاولُ أن أفعلَه في هذه السطور.
    لا يحتاجُ القارئُ الفطِن إلى كبير جُهدٍ ليدرِك من الصفحة الأولى، أن رواية "كولونيا الجديدة" هي الجزء الثاني من رواية "فجر أيلول"؛ فهي امتدادٌ طبيعيٌّ لها، وأنها هي الأخرى روايةٌ وثائقية، وإن تميزت عن سابقتها بأنها إلى السياسة أقرب منها إلى التوثيق والتسجيل، وأنَّ نبرة الغضب والثورة فيها أكثر حِدَّةً وأعلى صوتًا؛ فالأوضاع في بلاد الكاتب تتأزم، والأمورُ هناك تتعقَّد، وحياةُ الناسِ تسوءُ يومًا بعد يوم، ولم يعد في قوسِ الصبر منزع، وقد نجد في ذلك تفسيرًا لتعجُّل الكاتبِ في إصدارها بعد أقلِّ من عامٍ من صدور سابقتها، وللعجلة آثارُها السيئةُ على نضج العمل الفني واكتماله، لكنه يريد أن يتخلَّصَ وبأقصى سرعةٍ ممكنةٍ، من الديكتاتورية التي تفسدُ حياةَ الناس في وطنه. وهذا يقتضينا أن نتوقف قليلًا عند الرواية السياسية: مفهومًا وغايةً وبناءً. ولا بأس أن نبدأ في وجازةٍ بتعريف الرواية جنسًا أدبيًّا، وإن بدا ذلك شيئًا مفروغًا منه، أو تحصيل حاصل كما يقولون، ولكنه مدخل مُهِمٌّ وضروريٌّ للقارئ العادي، أو المثقف العام، ليتذوق هذه الروايةَ المثيرة، ويدركَ جمالياتِها وطبيعتَها.
    ما الرواية ؟
    يصف أحدُ النقادِ الروايةَ بأنها "ملحمةُ القرون الوسطَى"، ويعرفُها بعضُهم بأنها "سَردٌ خياليٌّ، ذو طولٍ معقولٍ بلغة النثر"، أو بأنها "سردٌ قصصيٌّ نثريٌّ ذو طول معين"، ويَزيدُ آخرون أنها "عملٌ فنيٌّ، طويلٌ نسبيًّا، يعتمدُ على الحكاية، له بداية ووسط ونهاية". وهذه كلُّها تعريفاتٌ قصيرةٌ وقاصرة أيضًا، فهي تتضمن العناصر الأساسية للرواية، ولكنها تُسقِط كثيرًا من تفاصيلِها الفنية.
    أمَّا أوسعُ مفاهيمِها النقدية فهو الذي يُعَرِّفُها بأنها قصةٌ طويلةٌ من الفن الأدبي المنثور، وهي خياليةٌ؛ أي تختلف عن كتابة التاريخ، مهما كان فيها من حقائق تاريخية، ويستخدم فيها السردَ بدلًا من التعبير عن مشاعرَ آنيَّةٍ، كما يحدث في الشعر، وبدلًا من الحوار كما هو في المسرح. وتخضع الأحداثُ فيها، إراديَّةً أم قدريَّة، لنوعٍ من المنطق أو التسلسل، سواءٌ كان تسلسلًا زمنيًّا خاضعًا لقانون العلَّة والمعلول، وسواءٌ كان السردُ يتَّبعُ خطًّا متقدِّمًا في الزمن أو متعرِّجًا، يتردَدُ بين الماضي والحاضر. وهي تحاولُ إبرازَ المعنى الكامنِ في هذه الأحداث البشرية ودلالتها، ثم تَزيدُ على ذلك سمةً أساسيَّةً في الرواية هي الشخصية، أو مجموعة الشخصيات، التي تُبنَى عليها الرواية، والتي بدونها لا يمكن أن يكونَ للأحداثِ معنى، ولا يُمكِنُ أن يكون هناكَ عُقدةٌ أو حَبكة.
    والرواية، من حيث هي جنسٌ أدبيٌّ راقٍ، ذاتُ بنيةٍ شديدةِ التعقيد، متراكبة التشكيل، تتلاحم فيما بينها وتتضافرُ؛ لتشكل في نهاية المطاف شكلًا أدبيًّا جميلًا ينتمي إلى هذا الفن، فاللغة هي مادتُه الأولى، كما في كل نوعٍ أدبي، والخيالُ هو الماءُ الكريم الذي يَسقي هذه اللغة، فتنمو وتربو، والتقنيات لا تعدو كونَها أدواتٍ لعجن هذه اللغة المشبَّعة بالخيال، ثم تشكيلها على نحوٍ معين، ولكن اللغة والخيال لا يكفيان، فهما عامَّان في كل الكتابات الأدبية، ولذلك نجد الرواية بسبب طبيعتها السردية قبل كل شيء، تنشُدُ عنصرًا آخرَ هو عنصر السرد؛ أي الهيئة التي تتشكل بها الحكاية المركزية التي تتفرع عنها حكاياتٌ أخرى، في العمل الروائي.
    ومن المقرَّر أن لهذا السرد الروائيِّ أشكالًا كثيرة: تقليدية كالحكاية عن الماضي، وهي الشكل السردي لرائعة ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والمقامات بوجهٍ عام. وجديدة كاصطناع ضمير المخاطَب، أو ضمير المتكلم، أو استخدام أشكال أخرى كالمناجاة الذاتية، والحوار الخَلفي، والاستقدام، والاستئخار. وعن الشخصية حدِّث ولا حرج؛ فهي المكوِّنُ الأول للعمل السردي لدى الروائيين، وبخاصة التقليديين منهم، وإن كان هذا العنصر من بِنية الرواية قد أخذ يتوارَى قليلًا قليلًا من الرواية الجديدة حتى أوشك أن يختفي نهائيًا، وقد نجد الرواية الجديدةَ تميلُ إلى تدمير الشخصية بإيذائها قصدًا، ومضايقتها والحدِّ من غُلَوائها، والتشكيك في وجودها، والتقليل من أهميتها بصورةٍ متعمَّدة.
    أمَّا الحَبكةُ واحترامُ التسلسلِ المنطقي للزمن فلم يعودا شيئًا ضروريًّا في بنية الرواية الجديدة، التي تحرصُ أشدَّ الحرص على تدمير البنية التقليدية للرواية، وذلك بتدمير البنية الزمنية؛ إمَّا بالتمطيط والتطويل، وإمَّا بالتمزيق والتبديد، وإمَّا بالتأخير والتقديم. ولكن الرواية الجديدة ظلت محتفظةً بشيءٍ واحد؛ بل منحه كل أهمية وعناية، وهو اللغة التي اتخذت منها المُشَكِّلَ الأولَ لكلِّ عملٍ سَردي.
    إجمالًا تبدو الروايةُ المعاصرةُ وثبةً عبثية، غير أنها كبقية ألوان الفن المعاصر تنضح ثقافةً وتأمُّلًا حول ذاتها، وهي أكثر إحساسًا وأقلُّ عفوية، ولهذا كله تبدو لنا أوسعَ ثراءً وتعقيدًا وتنوعًا من الكلاسية، دون أن نُسقِطَ من حسابنا أن هذه أيضًا أبدعت عددًا من الروايات الخالدة تعلو على النسيان.
    وتُقدم رواية هذا القرن ملمحًا جوهريًّا آخرَ مميَّزًا، وهو أنها كُتِبت لتُقلِق؛ فالرواية المعاصرة تقدِّم عالَمًا قلِقًا، لمَّا ينتهِ من كلِّ شيء، طموحاته بلا حدٍّ، وإمكاناته دون ما يريد، وضحية صدامٍ عنيف بين مثالية محلِّقة وواقعٍ محبِط، ومع أنها تقدِّم لنا، قبل أيِّ شيءٍ، الشاهدَ على هذا الواقع المحبِط، تعرف أيضًا كيف تغرس فينا الحنينَ إلى الحياة وتعمِّقُه حتى الثمالة؛ فالحياةُ الحقَّة هي هدف العالم المعاصرِ على حدِّ تعبير الشاعر الفرنسي رَامبو.
    الرواية السياسية:
    يُمكِنُنا ببساطةٍ أن نعرِّف الرواية السياسية (Political Novel) بأنها روايةٌ فنية، مثلَ أي رواية فنية اكتملت فيها عناصرُ التشكيل الروائي، لكنها تَزيد عليها بما تتضمنه من وجهة نظر سياسية تمثل قضيةً رئيسيةً فيها. ويعرِّفها الناقد الأمريكي "إيرفِنج هاو" Irving Howe في كتابه "السياسة والرواية" Politics and The Novel بأنها الرواية التي تلعبُ فيها الأفكارُ السياسيةُ الدورَ الغالبُ أو التحكمي، وهي ذلك النوع من الرواية الذي تنفصلُ فيه فكرةُ المجتمع عن مجرد أعمال المجتمع التي لا يُسألُ عنها، والتي وصلَت إلى لا شعور الشخصيات بكل مظاهرها العميقة المثيرة للمشاكل، لدرجة أنها تُلاحَظُ في تصرفاتهم. وهذه الشخصيات نفسها دائمًا واعيةٌ بانتماءٍ أو تماثُلٍ أيديولوجيٍّ سياسيٍّ متناغم، وهي تفكر على أساس تأييدِ أو مجابهةِ المجتمع، وتفعلُ ذلك باسم، وتحت إلحاحِ الأيديولوجية.
    والروايةُ المعاصرةُ حين تعبر عن قضية سياسية، فإنها تضيفُ إلى وظائفها الفنية وظيفةً أخرَى جديدة، لم تكن ضِمنَ وظائفِها، وهي الإقناع الأيديولوجي إزاء قضية سياسية، قد تكون حادَّةً وساخنة، ولكن الروائيَّ يقدِّمها بطريقةٍ فنية هادئة، حتى تُقرَأَ من الخصوم والأنصار، وتكون مقبولةً من كليهما في آنٍ واحد.
    ويرى الناقد المجري "جورج لوكاتش" György Lukács أن بطلَ الروايةِ كائنٌ إشكاليٌّ وهامشي، يواجه واقعًا اجتماعيًّا خاليًا من المعنى، وعليه أن يخترع هذا المعنى المفتقَد، أو يبحث عنه، رغم أن بحثَه المثابرَ عنه قد ينتهي بالفشل. إن بطل الرواية السياسية بطلٌ (إشكالي) Problematic يتحركُ ـ فنِّيًا ـ في إطار قضية أيديولوجية، قد يقدر على حلِّها، أو يخفُق، أي أنه قد يستطيعُ أن يناضلَ عن عقيدته، أو يسقطَ صريعًا دونها.
    إن السياسة في عملٍ أدبيٍّ ما مثل طلقة مسدَّس وسط حفلٍ موسيقي، عالية الصوت وسوقيَّة إلى حدٍّ ما؛ ولكنها شيءٌ غيرُ ممكنٍ رفضُه لجذب الانتباه. أمَّا الكاتبُ السياسيُّ فإنه لا يَدخلُ في مغامرةٍ فنيةٍ صعبة مع قارئٍ قد يختلف معه أيديولوجيًّا فحسب؛ وإنما يدخلُ في مغامرةٍ غيرِ مأمونة العواقبِ مع السُّلطة السياسية الحاكمة، التي قد يعارضُها في الرأي، أو يختلف معها في المعتقد؛ فإذا ما حاولَ أديبٌ أن يكتبَ من مَقعَد (المعارضة) أو يسبح ضد تيار الفكر السياسي السائد، فقد تجرُّ كتاباتُه مخاطر لا تُعَدُّ ولا تُحصَى. وقد تعرَّضَ بعضُ كُتَّابِ الرواية المعاصرة للحبس والاعتقال، أو الفصل من العمل، أو المنع من النشر، أو مصادرة بعض أعمالهم، ومنهم من تعرَّضَ للاغتيال النفسي والمعنوي، أو محاولة القتل والتصفية الجسدية. وما أفدحَ الضريبةَ التي يدفعها الكاتبُ الحرُّ في هذا العصرالمربِكِ المرتبك!
    النضالُ بالكلمة في "كولونيا الجديدة":
    ابتداءً من عُنوانها، وانتهاءً بآخر سطرٍ فيها، مرورًا بكل عناصر بناءها ومجريات أحداثها، تؤكد رواية "كولونيا الجديدة" أنها روايةٌ سياسية بامتياز، وأنها كُتبَت لتقلقَ فعلًا؛ فهي ليست للتسلية وتزجية الفراغ، ولا هي للمتعة الفنية التي تدغدغ عواطف القارئ، ثم تدَعُه بعد ذلك غارقًا في بحرٍ من الخيالات والأوهام ثم لا شيءَ بعد ذلك، ولا هى مجرد رواية تعالج همومَ مجتمعٍ مقهور وتصور مشكلاته الخانقة من أجل استدرار التعاطف معه ولفت الانتباه إليه؛ إنها رواية تناضل بالكلمة، وتقاتل بالفن وتواجه بالجمال. وحين يكون الأديب بعيدًا عن وطنه المضطهد، في منفى اختياريٍّ أو اضطراري، لا يحمل سلاحًا للدفاع عنه، ولا يملك حيلة في تغيير أوضاعه، فليس أمامه سوى قلمه وأوراقه وخياله، وهي أسلحة قد تبدو ضعيفةً وهشَّةً في مواجهة آلات التدمير ووسائل الفتك، ولكنها، وبمرور الزمن سوف تثبت أنها أصلبُ وأقوى؛ فالمجد للكلمة، والبقاء للحكمة، والخلود للإنسان؛ أو كما قال صلاح عبد الصبور في مسرحيته "بعد أن يموتَ الملكُ":
    "لا تبخس كلماتِك ما تستأهله من قَدر... فالكلمةُ قد تفعل!"
    نظرةٌ على العنوان:
    حين نقرأ روايةً سياسية، أو أيَّ روايةٍ أخرى في الحقيقة، يجبُ أن نفكر، ولو قليلًا، في دلالة العنوان؛ فهو (مِفتاحٌ) أساسيٌّ للدخول إلى تفسير عالم النص الأدبي، وهو عتبتُه الأولى التي تصل بنا إلى تفاصيلِه ودهاليزه، وإن كان بعضُ الدارسين لا يولونه الاهتمامَ الكافي. وهناك بعض العناوين تشي بمحتوى الشكل، وتشير إلى أن الرواية تحمل رؤيةً سياسية؛ مثل: "يومَ قُتِلَ الزعيم" لنجيب محفوظ، و"شرخ في طريق طويل" لهاني الراهب، و"غرناطة" لرضوَى عاشور، و"بيروت بيروت" لصنع الله إبراهيم... وإن كانت هناك عناوين أخرى لا توحي بأن مضمونها يحمل أي رؤية سياسية، مثل: "الشوارع الخلفية" لعبد الرحمن الشرقاوي، و"الباب المفتوح" للطيفة الزيات، و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، و"أبناء الصمت" لمجيد طوبيا.
    والعنوان في رواية "كولونيا الجديدة"، أو المستعمرة الجديدة (New Colony) هو عنوانٌ سياسيٌّ صارخ، قصدَ إليه المؤلِّفُ قصدًا، وهو عنوان قاتمٌ ومأساوي، يثيرُ في نفس القارئ مشاعر الغضب والثورة؛ فقد تلوَّن الاستعمارُ كالحرباء، وغيَّر جلدَه القديمَ القبيح، ولم يعد تدخلًا عسكريًّا خارجيًّا ومباشرًا من دولةٍ قوية وغاشمةٍ في شؤون دولةٍ أخرى ضعيفةٍ وعاجزة، لنهبِ ثرواتها والتحكم في مصائر شعبها؛ فقد اتخذ من أبناء الدول المستضعفة أعوانًا ينوبون عنه في امتصاص دماء شعوبهم، وانتهاب خيرات أوطانهم وتقديمها له لقمةً طرية سائغةً دون أن يضحِّيَ من أجل ذلك بأيِّ شيء، أو يبذلَ في سبيله أيَّ جهد.
    إن المستعمر هنا صار واحدًا من أبناء الوطن، اغتصب السلطة، وانتزع الولاية، واستولى على الحكم، وجلس على العرش، حاكمًا فردًا وطاغيةً مستبِدًّا، تعينه على أمرِه حاشيةٌ أفَّاقةٌ فاسدة، ويحمي عرشَه جيشٌ خائن مأجور، وتدعمه قبل ذلك وبعده قوةٌ أجنبيةٌ طامعة، هي التي أتت به؛ لأنه ينفذ "أجندتها" ويحقق مآربها، وهي التي تُبقي عليه لأنه يطيعها في كل ما تأمر به، وهي التي يمكن أن تُطيح به وبمن معه إذا خالف خطَّتها أو خرج عن سياستها، أو رأت أنه صار ورقةً محروقة، لا خير فيها ولا نفع من ورائها؛ ساعتها تقلِب له ظَهْرَ المِجَن، وتدوسُه بأقدامها، لتتحالف مع من يَخلُفه، أو تتخذَ لها صنيعةً سواه. إنها صورةٌ بشعةٌ وشنيعةٌ من صور الاستعمار البغيض، وهي مأساةُ كثيرٍ من دول العالم الثالث في واقعنا العربي والإفريقي المتأزم؛ تذهب ضحيتَها الشعوبُ المقهورة، وتقع فريستها البلادُ المستضعَفة، ويدفع ثمنَها الفادحَ كلُّ المواطنين الشرفاء والمناضلين النبلاء والمفكرين الشجعان. ومن هنا تبدأُ الرواية.
    مُلَخَّصُ الرواية:
    العملُ الأدبيُّ الكبيرُ، حجمًا أو قيمةً، يستعصي على التلخيص، ومحاولةُ اختصاره في سطور، أو حتى صفحات، سوف تظل عاجزةً عن احتوائه والإحاطة به، وسوف تبقى هنالك دائمًا تفاصيلُ لم تُذكر، وأحداثٌ لم توصَف، وإيحاءاتٌ يتركُها الناقد لفطنة القارئ. وهذا ليس عذرًا مقدَّمًا، ولا اعتذارًا مسبقًا، ولكنها الحقيقة التي يدركها قراء الروايات ودارسوها على حدٍّ سواء. ولا بدَّ إذَن مما ليس منه بُد.
    قلتُ منذ قليلٍ إن "كولونيا الجديدة" هي الجزء الثاني من رواية "فجر أيلول"، التي انتهت بعودةِ بطلِها "إدريس" من بعثته التعليمية في لندن، نفورًا من هذه المدينة الفاجرة، وحنينًا إلى بلاده الطيبة وأهلِه المسالمين، ليفاجأ في إمباسيرا بأن "ليزا"، فتاةَ لندن اللعوب، قد سبقته إلى هناك؛ لأنها أحبته من قلبها، وآمنت بأفكاره ومبادئه، وضاقت هي الأخرى ذَرعًا بحضارة بلادها المادية، وكفرت بتقدُّمها الزائف. وهناك تزوجها، وجمع، أو توهم بأنه جمع، بين الشرق والغرب، وقرَّب بين أوربا وإفريقيا بعلاقة نسب، وبدأ عهدًا جديدًا من الوئام الدافئ بين من كانوا بالأمس القريب أعداءً يتصارعون وخصومًا يتقاتلون. "واحتضنها إدريسُ لأول مرَّةٍ تحت سماء إفريقيا، تاركًا كلَّ ما مَرَّ خلفَ ظَهرِه، ليبدأ حياةً يسودها السلامُ والأمان".
    تبدأ الروايةُ بمشهدٍ رمزي، يسقط فيه الملك الطاغية، أو الأخ الأكبر، كما سيلقبه هاشم محمود ساخرًا ومتهكِّمًا، ويتوسل للرعية أن يمهلوه قليلًا ليستغفر عمَّا فرَّطَ في جنبهم، ويصحو إدريس من نومه، وإن كان لا يزال نائمًا، فهو (حُلم داخل حُلم)، على صوتِ مولودٍ جديد، وأصواتٍ تهتف مبارِكةً بالميلاد.
    بعدها سوف نعرف أن "إدريس" لم ينجب من "ليزا"، رغم مرور عشر سنوات على زواجهما، مما دفع أخوه "إبراهيم" إلى أن يطلب منه أن يحاول مع امرأةٍ أخرى، ومن جهةٍ أخرى سوف نجد أبويه الطيِّبَين "إبراهيم" الأكبر و"ترحاس"، يتمنيان أن يَرَيا حفيدًا لهما من بكر أولادهما، ويدعوان الله أن يرزقه الذرية الصالحة التي تسنِدُ في الحياة ظَهرَه، وتخلِّدُ بعد الموتِ ذِكرَه. وهو ما دفع إدريس و"ليزا" أن يأخذا بالأسباب، ويتوجها مرَّةً أخرى إلى عيادة طبيب النساء والتوليد، "نحن فقط نحاول، لا يوجد ما يمنعنا من المحاولة، الحياة ذاتها مجموعة من المحاولات تخطئ وتصيب، لا تدري يا إدريس لعلها تصيب مرة"، وهناك لن يهتم إدريس بفحص الطبيب له ولزوجته، قدر ما سوف ينشغل مع رفيقه "خليل"، وفي غرفةٍ ملحقةٍ بغرفة الطبيب "انزوى الرفيقان، يتباحثان حول خطة التحرك الأولية التي كان إدريس يضع ملامحها مع المتقاربين معه في النهج الثوري الراغبين في الخلاص من قبضة وحيد القرن".
    وبعد أن عرض "إدريس" خطته بتفصيلٍ شديد، كان عليه أن يتذكر أنه ليس في مقهى أو مخبَأٍ سرِّي، ولكنه في عيادة الطبيب، وحين مَثُل هو و"ليزا" بين يديه أخبرهما بأنه لا يوجد لديهما أيُّ مانعٍ طبيٍّ يحول دون الإنجاب، وقد يكون من المُلِحِّ أن يتوجَّها إلى عيادة طبيبٍ نفسي، " كانت تلك الرسالة واضحة للزوجين، بأن العودة إلى ارتياد عيادة طبيب النساء مضيعة للوقت، كانت تلك النهاية مريحة لإدريس الذي وجد فيها خروجًا آمنًا من إلحاح العائلة ليكون له ولد".
    بعد ذلك لن يكون لإدريس هَمٌّ إلا تحريرُ بلاده من "المستعمر الجديد"، ومن الأخ الأكبر الذي بات كالكابوس المزعج في نوم الناس ويقظتهم، "تثور بداخله صور متلاطمة كأمواج البحر الأحمر، صور عابرة للبحار، متقلبة بين حَرِّ إفريقيا وبرودة أوروبا، بين الحرية التي يمارسها الإنجليز ليل نهار، وبين القيود الصدئة التي تدمي معاصم بني جلدته في كل حين". وفي خلواته كان لا يفتأ يفكر في خطة الخلاص، وكانت الخطوة الأولى من وجهة نظره أن يضع دستورًا جديدًا، وهذا لن يكون صعبًا عليه؛ لأنه درس القانون الدوليَّ واستوعب أصولَه ومبادئه.
    وفجأةً، ودون أن يمهِّدَ لنا المؤلف ذلك، سوف نجد "إدريس" في مطار القاهرةِ، كعبةِ الأحرار وقِبلةِ الثوار، وهناك يستقبله صديقُه المصريُّ "عشري"، الذي زامله عامين كاملين في جامعة "برولين"، ويتوجهان معًا ليستقلَّا تاكسي العم محمود، وهو سائق عجوز طيِّب، رأى فيه إدريس صورةَ أبيه، وأبرزَ من خلاله أكثر الصفات الحلوة التي يتسم بها عامة المصريين، من الشهامة والأمانة والذكاء وخفة الدم، وقد طلبا منه أن يتجوَّل بهما في شوارع القاهرة، وأن يبطِئَ في سيره قدرَ ما يستطيع، ولمَّا أخبرهما السائق بأن هذا سوف يكلفهما أجرةً زائدةً دونما داعٍ، قال له إدريس: "إن التجول في شوارع القاهرة فرصة لا يبددها إلا أحمق، وصُحبة رجلٍ طيبٍ مثلك لا تقدر بثمن". وبعد جولة توزعت بين مطعم نعمة؛ حيث التهما ثمانية ساندويتشات شاورما من الحجم الكبير، وبين الخالة "أم زهرة" بائعة الشاي، وهي امرأةٌ خمسينيةٌ مكافحة، رحَّبَت بإدريس ترحيبًا حارًّا وحانيًا، أحسَّ معه بترحاس تعدُّ له كوبَ الشاي، سرَت في عروقه رُوحها كأنها تقمصت هذه المرأة المصرية.
    ومنذ دخل هاتفه نطاق شبكة الاتصالات في الأجواء المصرية، كان هناك رقم يتصل به كثيرًا، عرف حين ردَّ عليه أنه "عامر"، صديقه الإريتري، الذي كان لاجئًا في القاهرة، ويعمل باحثًا في مركز "سمراء" للدراسات الإفريقية، بعد أن سعى له الدكتور "بركات"، ليحصل على هذه الوظيفة التي تضمن له دخلًا معقولًا، يستطيع به أن يواجه مطالبه ويلبي احتياجات زوجته. بَيدَ أنه كان يعيش في المدينة خائفًا يترقَّب؛ لأنه مهدَّدٌ بالقتل، بسبب أنشطته السياسية وأفكارِه الثورية، ودراساته التي كشف فيها الحقائق التي يحجبها الطغاة، والديكتاتورية التي يدعمها أصحاب النفوذ القاهر في هذا العالم، وكان أهمها على الإطلاق بحثه عن ديمقراطية القرن الإفريقي: أين تقف؟ وكيف تمضي، ودراسته عن قضية المياه ومعركة اللا حلول الدائرة بين أديس أبابا والخرطوم والقاهرة. سيحاول إدريس أن يحميَ صديقه بكل طاقته وإمكاناته، وأن يفتديَه بروحه إن استطاع، ولكن إثيوبيَّيْن مأجورَيْن سوف ينجحان في اغتياله بدمٍ بارد، ويبدو أن "سعيد"، وهو صاحب دار نشر مصري، كان يستنزف جيبَ عامر لينشر له دراساته، وفي الوقت نفسه على علاقة بسلطات كولونيا، قد ساعدهما في ذلك، أو غطى على جريمتهما المنكرة حتى لا تفوح رائحتُها. وبعد بحثٍ مجهِدٍ وطويل تم العثور عليه جثةً هامدةً في إحدى المناطق النائية، لا أثر فيه لندبةٍ أو كدمةٍ أو جراح؛ وجاء تقرير الطب الشرعي بأنه توفِّي بالسكتة القلبية.
    أثناء تلك الفترة لم يكن إدريس يَكُفُّ عن عرض قضية بلاده في كل المحافل، وكان يرى في مصر طوق النجاة الذي يمكن أن ينقذ وطنه من الغرق في بحر الديكتاتورية الباطشة والاستعمار الجديد، وفي مركز "سمراء" تعرف إلى الآنسة "عبير"، سكرتيرة الدكتور "بركات"، وهي فتاةٌ حسناء، ساعدته في معرفة ما جرى لصديقه عامر، وكانت ترشده وتهدئ من روعه، كشاب تَشرَّب من جدعنة المصريين، فصار يحسُّ بأنه "محروس بملاك مخلص بلا رغبة، وشجاعة نِسوية بلا رهبة، كفتى مصري في أفلام الأبيض والأسود، حمل حقيبته وحملته السكة الحديد من قلب الصعيد إلى محطة مصر، ثم أسلمته إلى عبير، تلك الفتاة الجدعة التي رأي في ملامحها وجه عروس النيل، وبراءة فاتن حمامة، ورزانة مديحة يسري، وشقاوة سعاد حسني، ورجولة هند رستم من دون إغراء.
    وحين علم إدريس بموت صديقه عامر، لم يجزع ولم يقنط؛ بل كان صامدًا رابطَ الجأش صابرًا، وتخيَّل، في حلمٍ من أحلام اليقظة، نهاية الأخ الأكبر، ونفوق المئات من جنوده وحرَّاسه صرعى أمام عامر، وتحولت الساحةُ إلى دموعٍ ساخنةٍ وأحضانِ ما بعد الغياب، "كلما زاد العدد المحتشد في الميدان، بدأ وجه عامر أكثر استدارة يمتطي حصانًا مجنحًا يغطي سماء الساحة ولا تنال منه قذائف الأخ الأكبر".
    لقد أدرك الديكتاتور الجبانُ "أنه لا مفر من المصير الذي تحاشاه طيلة السنوات الفائتة، الرجال يتساقطون، والقصر الكبير صار في مرمى الثوار، فجأة يكسو البياض شعره بعد أن تبددت الصبغة السوداء بالهتافات، واهترأ العود الممشوق؛ فلم يعد يقوى على الانتصاب أمام الجموع الحاشدة، سقط قناع الشباب المزيف عن الوجه العجوز فبدأ للشفقة أقرب من الانتقام، ولكن هيهات للجموع الزاحفة أن تعفو في ذلك اليوم الموعود".
    وفي هذا الوقت نفسه، وفي قمة "إمباسيرا" المباركة، "وفي غمرة هذا الزخم تطلق "ليزا" صرخات المخاض، لتدفع مع خيوط الفجر وليدَها الأول في رحم الميدان الثائر، فيجتمع رجال إدريس مهنئين إبراهيم الأكبر وترحاس والعائلة بالبطل الوليد الذي حمله إبراهيم بعد أن خلصوه من الحبل السري، وضمه إليه بقوة قائلًا في صوت رهيف:
    حامد... ولد إدريس... حفيدي.
    وتهتف ترحاس مباركة:
    الشكر للرب... رأيت وَلَدَ إدريس قبل أن أموت.

    وفي القاهرة، تسلَّم إدريس تصريح الدفن، وجهَّز صديقُه الإريتري محفوظ سيارة نقلَ الجثمان إلى مدافن الصدقة، وحضرَت عبير في ردائها الأسود لتقوم بواجب العزاء، وبينما "يستعجل محفوظ عاملَ ثلاجةِ الموتى ليجهزوا الجثمان للدفن، يدخل مع إدريس وزوجة عامر لإلقاء نظرة الوداع، فيجدون خشبة الغُسل خاليةً منه، يهم محفوظ بالصراخ، فيسد إدريس فمه بيده، ويبتسم ابتسامة ملأت وجهه، ثم يحتضنه بشدة، وينظر إلى زوجة عامر مهنئًا:
    أيتها السيدة العظيمة... يا ابنة الأرض المقدسة، ارفعي رأسك وتحللي من السواد والدموع، أخيرًا عاد عامر، أخيرًا تحرر".
    إطلالةٌ على الرواية:
    ونحن نقرأ روايةً ما، يُصبح من الضروري أن نُعنى بمجموعةٍ من العناصر الأساسية التي تشكِّلُ بنيةَ أيِّ نصٍّ سردِي؛ (الرَّاوي ـ الحدث الروائي ـ الزمان والمكان ـ الشخصية الروائية)، وكثيرًا ما كنتُ أوجِّه طلابي الذين يحبون قراءة الروايات، أو يريدون أن يشتغلوا بدرسها ونقدها، أن يمسكوا معهم بورقة وقلم، ويدوِّنوا كلَّ ملاحظاتهم وتعليقاتهم أولًا بأول، وأن يسجلوا أسماء الشخصيات التي تقابلهم، وما تقوم به من أحداث، وأن يقسموها في النهاية إلى شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية، وهذا يتوقف على الدور الذي تلعبه كلُّ شخصية، سواءٌ أكان محوريًّا أم هامشيًّا، وما تشغله كل واحدةٍ منها من مساحة، وأن يحدِّدوا موضوع الرواية وزمانها ومكانها، وأن يلتفتوا إلى الأسلوب الذي يكتب بها الروائي؛ هل هو أسلوبٌ درامي أم غنائي أم سينمائي؟ وما طبيعة الإيقاع في الرواية؟ هل هو سريعٌ متلاحق، أم بطيءٌ متثاقل؟ وما التقنيات التي يلجأ إليها الروائي في عرض حوادث روايته؟ هل يغلب عليها السرد أم يشيع فيها الحوار؟ ما نصيب الرمز في الرواية؟ وما حظ الإسقاط النفسي أو السياسي فيها؟ ثم أخيرًا وليس آخر، ما نوع هذه الرواية (تاريخية، اجتماعية، بوليسية، عاطفية، تسجيلية، سياسية، أسطورية، تحليلية، رواية خيال علمي، رواية أجيال...)؟، وماذا يريد الكاتب من ورائها؟ أمَّا قراءةُ ما بين السطور، والتكهن بما وراء الكلام، ومحاولة الوصول إلى المسكوت عنه، فهي أمورٌ لا يجبُ أن تفوت القارئ النبيه، بشرط ألا يسرف فيها، وألا يجمحَ به الشطط في التفسير والمبالغةُ في التأويل، فيحمِّلَ النصَّ فوق ما يحتمل، ويذهبَ بالعمل الأدبي إلى غيرِ وجهته، أو إلى حيثُ لم يُرد له صاحبُه أن يذهب.
    الراوي:
    أول ما يلفت الانتباهَ في رواية "كولونيا الجديدة" أن الراوي هنا ليس أحدَ شخصيات الرواية، ولذلك لم يأتِ السرد بضمير المتكلم، وإنما جاء بضمير الغائب، فالقصة لم تنتهِ بعد، وما يزالُ أبطالُها يكافحون ويصارعون، وليس لدى أحدِهم وقتٌ ليحكي ما يحدث، وهم في حاجةٍ إلى من يحكي عنهم ويصور مأساتهم. الراوي هنا هو المؤلف نفسُه، وهو شاهد عيانٍ على ما يحدث في وطنه، وعلى علاقة مباشرة بكثيرٍ ممن يناضلون في سبيله ويحاربون من أجله. وإذا كان الراوي، على حدِّ تعبير الكاتب والناقد الفرنسي "آلان روب جرييه" Alain Robbe-Grillet هو "العليمُ بكلِّ شيء، الموجود في كل مكانٍ في نفس الوقت، الذي يرمق في اللحظة ذاتها الأشياءَ يَمنةً ويَسرة معًا، ويرى باطنَ وظاهرَ الأشياء". فإن هاشم محمود هو الذي خلق عالَم هذه الرواية بكل تفاصيله وشخوصه ورموزه، وهو الذي حرَّكهم في الزمان والمكان كيف شاء، وإن لم يكن قد خلقهم جميعًا من العدم، أو جاء بهم من الخيال.
    الحدَث الروائي:
    إن الحدثَ الروائي هنا متخيَّلٌ في مجمَلِه، وإن كان يتكئُ على إطارٍ مرجعيٍّ في الواقع المعيش، وهو لا يدورُ في زمانٍ تقليدي يسيرُ في خطٍّ طوليٍّ ممتد، ولكنه يمضي في زمانٍ نفسي مستديرٍ متقطِّع، وهو يوهِمُنا، إلى درجة أننا يمكن أن نقتنع، بأنه يرصد تجربة إنسانية في واقع محدَّد، له وجود واقعيٌّ على خريطة مجتمعٍ من المجتمعات، فليس في الواقع الفعلي شخصٌ إريتري اسمه "إدريس"، سافر إلى لندن ليدرس القانون، ثم عاد ليتزوج من فتاة لندنية اسمها "ليزا"، ثم تركها بعد عشر سنوات ليجيء إلى القاهرة ويخطط لتحرير بلاده، ويعرض قضيتها العادلة في كل محفل... إن هذا كلَّه لم يحدث واقعيًّا؛ وإن كان حدوثُه ممكنًا، ووقوعُه غيرَ مستحيل.
    الزمان:
    إن الرواية هنا شبه واقعية؛ لأن وقائعها تدور في زمننا المعاصر، وتستغرق زمنًا قصيرًا، لا أعتقد أنه يمتدُّ أكثر من عام، وإن كان الروائيُّ يرجع بنا إلى الماضي، البعيد أو القريب، ثم يعود، وينتقل بنا في الأماكن على سبيل التخيل أو التذكر، ويلجأ إلى طريقة الاستدعاء، أو إلى ما يشبه أسلوب المونتاج السينمائي Montage، أي فن تركيب شيء على آخر، واختيار وترتيب المشاهد وطولها الزمني على الشاشة، بحيث تتحول إلى رسالة محددة المعنى. وهو ما يمكن أن نسميه أيضًا بـ (التوقف)؛ فعندما يتوقف زمن الحكاية المروِيَّة، ويظل الكاتبُ يشغلُ صفحاتٍ أخرى في الوصفِ والتعليق، فإن ذلك ينتهي إلى استطالة زمن القول ـ المتمثل في عدد الصفحات المكتوبة ـ مع انعدام أي مقابلة من زمن الحكاية، وهذا بالضبط ما فعله هاشم محمود في المواضع التي أشرنا إليها.
    وقد عَمَدَ المؤلف إلى حيلٍ وأساليبَ فنية أخرى مضادة، مثل (الحذف) حين يقصد إلى عدم ذكر أحداثٍ يُفترَضُ أنها لا بدَّ أن تقع بين الأحداث المذكورة، لكنه لا يشير إليها، كالذي حدث حين فوجئنا بسفر "إدريس" إلى القاهرة. و(الاختصار) وهو الصيغة المُثلَى التي يلجأُ إليها الكاتب عادةً لاختزال أحداث كثيرة في سطورٍ قليلة، والتركيز على ما يعنيه منها، مما يوحي عادةً بالتكثيف وسرعة إيقاع الزمن في القصِّ، إذا تضافرت العوامل المساعِدةُ الأُخرَى على ذلك.
    المكان:
    وإذا كانت أحداث "فجر أيلول" قد توزعت مكانًا بين إمباسيرا في إريتريا ولندن في بريطانيا، ودار أكثرها في عاصمة الضباب، فإن الأحداث في "كولونيا الجديدة" انطلقت من مسقط رأس البطل، ليدور أكثرُها وأهمُّها في القاهرة، قلب العروبة النابض، والأخت الكبرى لكل الدول الإفريقية. وأزعُم أن هاشم محمود قد فعل ذلك عامدًا؛ فالقاهرة هي التي ساندت حركات التحرر ومواجهة الاستعمار في إفريقيا، منذ أواخر الخمسينيات إلى يوم الناس هذا، وهي أقوى دولةٍ في المنطقة، وأكثرها تمدُّنًا وأعرقها تاريخًا، وهي وحدها القادرة على أن تمد يدَ العون لإريتريا من أجل الحصول على حريتها واستقلالها؛ لا لأنها دولةٌ شقيقةٌ فحسب؛ بل لأن بيننا وبينها مصالح سياسية واستراتيجية مشتركة؛ فأثيوبيا عدوٌّ مشترك، تسعى إلى استعادة أمجادها الإمبراطورية وتحقيق أطماعها التوسعية، وتريد أن يكون لها منفذٌ على البحر الأحمر عن طريق الاستيلاء على إريتريا وغيرها من دول القرن الإفريقي، وهي من جانبٍ آخر تحارب مصر حربًا قذرةً؛ حيث تحاول ببناء سدِّ النهضة أن تتحكم في حصة مصر من مياه النيل، وتهدِّد أمنَها القومي والمائي على حدٍّ سواء.
    لكنَّ ما يلفت الانتباه في اختيار القاهرة مكانًا، هو إعجاب المؤلف الشديد بها وبأهلها، والوصف الدقيق الرقيق لمعالمها وأحياءِها، كأنه من سكانها، "سحر الميادين في مصر لا ينتهي، ليست مجرد ساحات واسعة تعجُّ بأصوات مناديِّ السيارات والكلاكسات، ولا بالباعة الذين يفترشون الأرصفة ببضائع متوسطة ورديئة الجودة، إنها مقطع تشريحي من شعب النيل، فيها ترى ما تُحب أن تراه من وجوه متنوعة عابرة ومقيمة في قلب الميدان، وشهامة ونخوة يتبارى أحفاد الفراعنة في إظهارها لمن يحتاجها ومن لا يحتاجها...
    للميادين هُنا، حكايات أكثر زخمًا وصخبًا وإلهامًا، على الرغم مما تبدو عليه من عشوائية تفتقد التنميط، ووجوه كثيرة ومُتداخلة بلا تناغم، مصريون وأفارقة يفترشون ميدان الجيزة بالسلع الصينية، وقد اعتلت جباهَهم العِشرةُ التي تمسح بها القاهرة من يتنفس هواءها، كأنما يصب النيل كل الجنسيات هنا في نهاية إفريقيا، وعالم ما قبل البحر الأبيض الذي تبدأ عنده حكايات سمراء، وتنتهي في قاعِهِ أحلامٌ سمراء أيضًا، وعلى شواطئ البحار بداية ونهاية، لكن لكل هارب من كولونيا قصةً تحمل بصمة الأمير المفتون، وندبات من قبضته العجوز، خطوط دامية من مخالبة الحادة".
    والمؤلف يحدثنا كثيرًا وطويلًا، عن علاقة المصريين بنيلهم الخالد، "إن تناول الأطعمة والمشروبات على شاطئ نهر النيل ليس طقسًا للتنزه فقط، لكنه أشبه بعبادة ارتباط بين المصريين ونيلهم، عبادة تحيي الروح على ضفاف النهر الذي يتسرب في جسد مصر، كالشريان من أقصى جنوبها إلى العاصمة الأبيَّةِ، قبل أن يتفرع إلى شريانين يصافحان المتوسط كأنما يلقيان إلى الحضارات المشاطئة له بحضارة وادي النيل وما تجود به من بدايات الحياة والنور قبل أن يعرف العالم النور".
    إن هذا الكلام الرومانسيَّ قد يصور خلفية سينمائية للأحداث، وقد يُظهر افتتان إدريس بالقاهرة، واحتماءه شعوريًّا أو لا شعوريًّا بشوارعها وناسها وتاريخها، لكنه طال أكثر مما يجب، وفي أكثر من موضع، وما جئت به هنا، رغم طوله، مجرد شاهد. لقد كاد هذا الوصف المبالَغُ فيه أن يقطع حبلَ التسلسلِ الدرامي ويطغى عليه؛ وهو ما حدث حين ذكر إدريس قصة تجميل القاهرة في عهد الخديوي إسماعيل، وحين استعرض قصة النضال الإريتري ضد العدو الإثيوبي، وحين عرض اتفاقية المياه بين أديس أبابا والخرطوم والقاهرة، وحين تحدَّث عن ثورة يناير سنة 2011 وما تلاها؛ إنَّ ذلك كله ـ رغمَ أهميته ـ قد شغلَ من مساحة الرواية حيِّزًا كبيرًا، كان يمكن اختصارُه بصورةٍ أكبر، ولعلَّ عذرَ المؤلف هنا، وقد نذرَ نفسه وأدبه لتوثيق ما يحدث في بلاده، أنه يكتب روايةً سياسية ـ وتسجيلية وتوثيقية في الوقت نفسه ـ وهو ما يتطلب منه أن يعود إلى المراجع والوثائق، وأن يعتمد على التاريخ والحقائق؛ ليُبرزَ فكرته ويؤيدَ قضيته ويقنعَ قرَّاءَه.
    البطل:
    أمَّا بطلُ الرواية، وهو ما يُعَرِّفُه النقادُ بأنه الذي يشغل (مساحةً) واسعةً في بِنية النص، ويقومُ بأداء دورٍ كبيرٍ في تحريك الحدث وتنمية الحيكة وتشكيل الصراع ـ فلن يكون هنا سوى "إدريس"، بطل فجر أيلول ومحور أحداثها، وإن كان في "كولونيا الجديدة" قد اختلف بصورةٍ لافتة؛ فقد مرَّت عليه عشر سنوات بعد عودته من بعثته، لم يحقق فيها أيَّ شيءٍ مما كان يحلمُ به، وجاء عدمُ إنجابه من "ليزا" طوال هذه الفترة رمزًا عبقريًّا لذلك، ولفشله في التوفيق بين الشرق والغرب، والتقريب بين أوربا وإفريقيا، (فالشرق شرقٌ والغرب غربٌ ولن يلتقيا)، على حدِّ عبارة الكاتب الإنجليزي رديارد كيبلنج Rudyard Kipling والمستعمر العجوزُ لم ينسَ مآربَه القديمة، وإن كان قد أناب غيره من أذنابه وتوابعه لتحقيقها.
    لقد صار "إدريسُ" متعبًا مهدودًا، نالت منه الأيامُ كثيرًا، فانكسرت شهوته الجنسية، وخاب أملُه في كثيرٍ مما كان يؤمن به ويعمل له، وباتَ إلى التشاؤم أميَلَ منه إلى التفاؤل؛ ولعلَّ هذا يتضح جليًّا في أسئلته القاتمة التي نجدها في صدر الرواية: "لماذا كُتب علينا الألم؟ ولماذا يصبح الأنين فريضة على الأحياء؟ أي أحياء في هذا العالم يتجرعون ألمًا كالذي نتجرعه؟" ويظهر أقوى في حديثه إلى أخيه إبراهيم: "هذه أرض لا تصلح لولادات جديدة، انظر لنفسك ماذا سيفعل أبناؤك في المستقبل؟ لن تستطيع أن تجد جوابًا لسؤالي، أو بالمعنى الصحيح لن تقوى على الرد لأنه مخيِّبٌ لآمالك كلها، سأقول لك: نحن ننجب الأطفال لننذرهم قرابين في خدمة إلزامية لأمير "كولونيا الجديدة"، لنقتل فيهم الحُلم، ونسد في وجوههم أبواب العلم، ونحكم عليهم بالفقر والمذلة والخضوع؛ أُسوة بآبائهم...".
    لكنه لن يستسلم لهذا الإحباط طويلًا، وسرعان ما يستعيد ثقته بنفسه وإيمانه بالحياة، وسوف يعود ليأخذ بالأسباب، ويختبر قدرته على أن ينجب طفلًا من "ليزا"، يُسعد زوجته، ويُطَمْئن والديه، ويحمل راية النضال من بعده، وسوف تعود إليه رُوحُ المناضل الثائر، بكل حماستها وعنفوانها، فيضع الخطط، ويتصور الدستور، ويتكبد مشاق السفر ومخاطره من أجل قضية بلاده، وسوف يظل إلى النهاية نموذجًا للبطل المثالي الذي نحلُم به؛ يناضلُ من أجل تحقيق الأهدافِ السامية والأخلاق النبيلة، ويَنشُدُ البراءة والصدقَ والعدل، بعيدًا عن مظاهر الغش وأقنعة الزيف ومستنقعات الظلم. لقد عاد ليكافح من جديد، ويمحو من ذاكرته، ومن الواقع، عالم (الديستوبيا) Dystopia عالم المدينة الفاسدة والواقع المرير، والمجتمع الفاسد المخيف غير المرغوب فيه، وينطلق إلى (اليوتوبيا) Utopia عالم المُثل والفضائل؛ حيث الأمن والسعادة والعدل والرفاهية والحرية. لقد أصبح يدرك عن يقينٍ كاملٍ صدقَ مقولة الشاعر الإنجليزي الأشهر William Shakespeare وقد كان يتمثل بها في حديثه: "الزمنُ بطيءٌ جدًا لمن ينتظر، سريعٌ جدًا لمن يخشى، طويلٌ جدًّا لمن يتألم، قصيرٌ جدًّا لمن يحتفل، لكنه أبديٌّ لمن يُحب".
    الشخصيات:
    وفيما عدا أبطال إمباسيرا الذين عرفناهم في الجزء الأول، وقد انتهى دورُهم الأكبر هناك، لن نجد في القاهرة شخصياتٍ قديمة سوى "إدريس"، وسوف نعرف في "كولونيا الجديدة" شخصياتٍ أخرى جديدة، كلُّ شخصية منها، فيما أظن، ترمزإلى شيءٍ معين؛ فـ"عشري" كما يبدو من اسمه، يرمز للصداقة المخلصة والوفاء النبيل، و"العم محمود والست أم زهرة" يرمزان إلى طيبة المصريين وشهامتهم ونقائهم، و"عامر" هو مثال للإريتري المثقف الذي يحمل هموم وطنه ومشكلاته، حتى لو كان مغتربًا ومضطهَدًا ومطاردًا، و"الدكتور بركات" نموذج للأكاديمي المصري الذي يحيط بتاريخ بلاده علمًا، ويعرف حقوقَها تمام المعرفة، ولا ينسى انتماءه لقارته الإفريقية المباركة، و"عبير" رمز لفتيات مصر وشبابها، من أبناء الجيل الجديد الذي لن يتخلى عن مناصرة كل من يستنجد بهم ويطلب مساعدتَهم.
    البطل المُضاد:
    ويمكننا ونحن نتحدث عن الشخصيات أن نشير إلى ما يسميه النقاد بالبطلِ المضاد Anti – Protagonist أو Non – Hero، وهو البطل الشرِّيرُ الذي قد يتجلَّى بشكلٍ واضحٍ أو مقنَّع، ويتمثل هنا في "الأخ الأكبر" ذلك الطاغية المستبد، ذيل الأوربيين وعبد المستعمرين، كما يتمثل في "سعيد" صاحب دار النشر الذي يتسم بالشَّرَهِ إلى المال، ويتحالف مع الشيطان، ولا يؤمن بأيِّ قضية إنسانية، ولا حتى قضية بلاده. وهو أيضًا يظهر في صورة الأثيوبيَّيْن المأجورَين اللذين يفعلان أيَّ شيءٍ لمن يدفع لهما. وثمة إسقاطاتٌ ورموزٌ كثيرةٌ أخرى في الرواية لا أعتقد أنها ستخفَى على القارئ الكريم، الذي أعتذر إليه لأنني قد أطلتُ عليه أكثر مما يجب.
    كلمةٌ أخيرة:
    وقبل أن أختم هذه الدراسة أودُّ أن أذكر أن الأستاذ هاشم محمود قد فعلَ شيئًا عجيبًا، لم ينتبه هو نفسُه إليه، كما علمت ذلك منه شخصيًّا، فالمبدع قد يقدِّم أجمل ما لديه من وراء الوعي؛ لقد أنهى الرواية بما ابتدأها به، أو أنه بدأها بمثل ما سوف تنتهي إليه، وهو ما يمكن أن نسميه بأسلوب (الرواية المدوَّرة) التي تبدأ بنهايتها وتنتهي ببدايتها. وتمامًا كما في سورة "يوسف"، تبدأ "كولونيا الجديدة" بحلم يرى فيه إدريس نهاية الطغيان ومولد ابنه، وتنتهي بأن تضع "ليزا" طفلَها "حامد بن إدريس"، سَمِيُّ المناضلِ الإريتري الأكبر "حامد عواتي"، وفي الوقت نفسه يسقط عرش الأخ الأكبر وينتهي عهدُه البائسُ وسنواتُه النَّحِساتُ إلى غير رَجعة.
    هل أقولُ: إنَّ هاشم محمود، بروايته هذه، والروايات التي سبقتها، صار يتربَّع على عرش الرواية العربية في إريتريا، أو أنه صار من أبرز أعلامها؟ هل أؤكد أنه واحدٌ من أهم من شُغلوا بقضايا بلادهم وعملوا جادين ومخلصين على توثيقه بالكلمة وتسجيله بالفن؟ هل أكرِّرُ أنه ناضلَ بالحرف، وقاومَ بالفكر، وجابَهَ بالإبداع؟ أخشى أن أصادر رأْيَ القارئ فيما سوف ينتهي إليه من آراء؛ وإن كنتُ على يقينٍ بأنه سيشاركني المتعة بهذه الرواية، ويقاسمُني الرأيَ بأنها واحدةٌ من أفضلِ رواياتِ الأدبِ النضاليِّ في أدبنا العربيِّ الحديث.
    د. شعبان عبد الجيِّد
    ناقدٌ وأكاديميٌّ مصري

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    اعتمدتُ في هذه الدراسة الموجزةِ على المراجع الآتية:
    الأدب المقارَن: أصوله وتطوره ومناهجُه، د. الطاهر أحمد مكي، الطبعة الأولى، دار المعارف، سنة 1987م.
    أساليب السرد في الرواية العربية، د. صلاح فضل، سلسلة إصدارات خاصة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سنة 2018م.
    دراسات في نقد الرواية، د. طه وادي، سلسلة دراسات أدبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1989م.
    الرواية السياسية، د. طه وادي، دار النشر للجامعات المصرية، الطبعة الأولى، سنة 1996م.
    فجر أيلول، هاشم محمود، الطبعة الثانية، دار النخبة، سنة 2021م.
    في النقد الأدبي وفنون الأدب، د.شعبان عبد الجيِّد، شركة فكرة للدعاية والإعلان، الطبعة الأولى، سنة 2007م.
    في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد، د. عبد الملك مرتاض، سلسلة عالم المعرفة، مطابع الرسالة، الكويت، يناير سنة 1998م.


    عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 01/02/2022


    عناوين المواضيع المنبر العام بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 01/02/2022


    عناوين المقالات بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق 01/02/2022























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de