بثقافتنا المهزومة تجاه الآخر، سنجد أن اطفالنا يتربون على ضِيق المفاهيم. فالطفل عندنا يجيب على سؤال ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر بإجابة بائسة يزرعها في عقله أهله وهو أن يصبح: "دكتور". ويمكن أن يضاف إليها: مهندس. هذا العالم المتكامل رغم اتساعه يتم تضييقه في مدارك الطفل فيتم نفي كل العلوم والفنون والآداب، وكل ما أنتجته تلك العلوم والفنون، من تكنولوجيا ومتاحف عالمية وكاتدرائيات تاريخية وفلسفات عظيمة، وجمال يفوق الوصف، ليقتصر معنى الحياة في دكتور ومهندس. يتعلم الطفل أن يكون افندياً وليس إنساناً حراً، وليس فناناً، وليس مبتكراً، وليس مبدعاً. وبما أننا في عصر الأمركة، في عصر السوق، فإن حلم أن تصبح طبيباً أو مهندساً أضحى حلما كلاسيكيا جداً، ومع ذلك فعندنا يزداد معنى الحياة ضيقاً بأن يتم تضييق الحلم أكثر وأكثر ويقتصر على أن تصبح غنياً بغض النظر عن أي تواؤم مع ما هو إنساني. وما أجمل الملايين بصراحة إذا جمع المرء بينها وبين الإنسانية، وأقصد بالإنسانية أن يكون المرء فناناً مبدعاً ويملك إحساساً بضرورة تعظيم الوجود. غير أن قانون السوق لدينا لا يتيح الجمع بين هذين الحسنيين. فإما أن تكون غنياً ليس في دماغك سوى جمع المال، أو تكون إنساناً ولكن فقيراً بائساً، وهنا فإن النظام العالمي الليبرتاري الجديد سيولِّف بين الأغنياء والفنانين، بأن يعتمد كل منهما على ما بيد الآخر. ولكن ليس ذلك في كل الأنظمة الرأسمالية، ففي دول الفقر، كالسوءدان وغيرها من الدول، يكون الراسماليون من الغجر الذين اعتمدوا على الالتفاف على القوانين والأنظمة وبناء علاقات فاسدة مع المسؤولين، وهؤلاء عقولهم مظلمة وعدائية بل وبدائية. فحتى أنشطتهم التجارية لا تتمتع بالابتكارية بقدر ما هي أنشطة ناتجة عن فساد الحكومة. لذلك توجد قطيعة بينهم وبين كل ما هو إنساني. إنهم لا يهتمون حتى بدخول المسارح ناهيك عن تشييدها، ولا بدعم الفرق الفنية، أو توفير منح دراسية للتلاميذ النجباء، بل هم منكفؤون بشدة على جمع المال، ولا يشيدون اي صروح معرفية حقيقية، بل كل شيء يعتمد عندهم على الداعية الذاتية، لذلك يميلون إلى إدارة فرق كرة القدم التي تظل فاشلة لأنها مُدارة من راسمالية طفيلية فقيرة الابداع والابتكار والهمة الإنسانية. ظلت الراسمالية في أوروبا وأمريكا تدعم الفنون والآداب والعلوم، وتأست على التخصص الدقيق وليس التجارة الفوضوية المعتمدة على اقتناص الفرص، لذلك فالرأسمالية العريقة اكتسبت خصال التمدين الثقافي، ومن ثم تمكنت من تسجيل أسماء تجارية عالمية في شتى المجالات التجارية كصناعة الشيكولاتة والترفيه والاعلام والمتاجر والصناعات الثقيلة والخفيفة، والتكنولوجيا..الخ. أما الراسماليون عندنا فقد نتجت أموالهم بأسلوب اقتناص الفرص العابرة نتيجة علاقات متشابكة بين السلطة والإثنية، وهي لا تستطيع أن تترسخ كما ترسخت البرجوازية الغربية لأن الدولة في حالة فوضى وهم نتاج تلك الفوضى والفوضى لا يمكن الاعتماد عليها في ترسيخ أنشطة متخصصة قادرة على الدخول في منافسات عالمية. ◾️مستقبل العالم والرأسمال: النظام الراسمالي الجديد سينتصر، وهذه مسألة حتمية، النظام القديم سينهزم ويتبخر، شئنا أم أبينا، والعالم يدخل في تأثيرات هذا التحول بشدة. الدول الفوضوية ستتفكك، وستعاني، والدول التي كرست كل قوتها لبناء مؤسساتها وضبط قوانينها وأنظمتها الإدارية والمالية المحاسبية ستنطلق. شئنا أم أبينا أيضاً. فشبه دولة كالسودان ستعاني لعقود طويلة إن لم تتفكك الآن لعدة دول متوسطة المساحة كي تحصل على استقرار نسبي. ومع وجود شبكات فساد واسعة مرتبطة بالسلطة السياسية، فإن معاناة أشباه الدول هذه ستزداد، بل وكل ساعة تمضي تعني تراكم المعاناة، وترحيل (حل التفكك الإيجابي) إلى المستقبل، لأن تلك الشبكات الفاسدة ستحاول باستمرار الحفاظ على الفوضى داخل وحدة سالبة. وبالتالي تأخير ساعة الصفر لتصحيح المسار. (يتبع)
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق July, 18 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة