قبل سنوات كاد مستثمر عربي أن يحطم الآلة الحاسبة التي أمامه..كان الرجل وسط فريق من مستشاريه يحسبون تكلفة تشغيل مصنع الحديد الذي ينوون تركيبه بالخرطوم جنوب..في كل مرة كانت تكلفة استخدام الكهرباء الحكومية أعلى ..التكلفة تحوي عدداً كبيراً من المحولات يجلبها المستثمر ثم تتحول ملكيتها في اليوم التالي لشركة الكهرباء..في النهاية توكل صاحب العلامة التجارية الرائجة في عالم السيخ على توليد الكهرباء ذاتياً..الغريب أن من يفكر في الاستغناء عن الكهرباء الشحيحة ويدبر حاله عليه أن يحصل على موافقة هيئة الكهرباء بعد أن يدفع كل الرسوم عن يد وهو صاغر. البارحة نشرت الزميلة التيار خبراً يفيد أن هيئة الكهرباء بصدد رفع سعر كهرباء المصانع بنسبة (١٦٠٠٪)..الزيادة ستبلغ ثلاثة جنيهات للكيلواط ساعة ومن قبل كانت ثمانية عشر قرش وفق ذات المعيار ..الزيادة المدمرة ستبتدئ منذ أبريل القادم..سيتم قطع الكهرباء من المصانع آناء النهار حتى لا يغضب سكان المدن والمترفين من أصحاب مكيفات الفريون والتكييف المركزي ..وما يجدر ذكره أن القطاع الصناعي يستهلك الآن نحو (٥٠٪) من الكهرباء حسب إفادة التيار..وكانت حكومة السودان قد بشرت قطاع الصناعات بإنشاء محطة توليد جديدة في بورتسودان تعمل بالغاز وتمولها الإمارات العربية المتحدة. الجزء الثاني من الكارثة جاء على لسان عبدالحي شريف مدير الغابات بالنيابة ..الآن (٧٠٪) من السكان يعتمدون على الغابات كمصدر للطاقة وذلك حسب مدير الغابات..ارتفاع نسب الاعتماد على الغابات كمصدر للطاقة سببه ارتفاع أسعار غاز الطبخ حيث تجاوزت أنبوبة الغاز الصغيرة عتبة المئتي جنيه في بعض الولايات..القطع الجائر للأخشاب يحول بلدنا إلى مجرد صحراء صفراء لونها لا تسر الناظرين. الغريب أن بلادنا تنتج نحو نصف استهلاكها الحالي من الكهرباء من مصادر مائية رخيصة جداً..بل أن سد مروي الذي كلف أكثر من ثلاث مليارات دولاراً كان استرد كل رأس المال المنفق في نحو أربعة أعوام..حتى الغاز بإمكان بلدنا أن تكتفي منه وتدخل حيّز المصدرين إذا ما اكتمل مشروع رجل الفولة ..هذا المشروع يكلف فقط ثمانين مليون دولاراً حسب دراسات جدوى..إذا ما اكتمل هذا المشروع ربما تتحول بلدنا إلى مصدر للغاز الطبيعي..في كل عام تضطر هيئة مصافي الخرطوم لحرق الغاز بسبب عدم وجود مواعين تخزينية . في تقديري..أن المطلوب منا ألا ننظر للكهرباء والغاز بأنهما مجرد مدخل إنتاجي عادي يخضع لقانون العرض والطلب والتكلفة ..الكهرباء والغاز طاقة محفزة للإنتاج ..إن كان بالإمكان أن تمنح الكهرباء الزراع والصناع مجاناً .. بسبب عدم توفر الكهرباء وارتفاع أسعارها ما زالت تكلفة الإنتاج الصناعي في السودان عالية مقارنة برصفائها في الأقاليم.. كلما ارتفعت تكلفة الإنتاج فقدت السلع السودانية امتياز التنافس في سوق ممتلئ بالخصوم . بصراحة ..مطلوب من رئيس الوزراء أن يتدخل ..يتم تكوين لجنة علمية مستقلة ويمكن أن تستعين هذه اللجنة بخبراء من الخارج لحساب تكلفة الكهرباء والغاز..وعلى ضوء توصيات اللجنة يتم تسعير الكهرباء والغاز..بل من المهم البحث عن طاقات بديلة ونظيفة لحل معطلة شح الكهرباء وارتفاع أسعارها..إن لم نفعل ذلك سيأتي يوم ننتج فيه كهرباء سياحية مخصصة للأغنياء فقط. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة