جاء في الأخبار أن الدكتور علي الحاج محمد الذي عاد إلى البلاد أخيرا، بعد أقسم قديما ألا يعود إليها إلا بعد إزاحة حكم الإنقاذ، قد أعلن عن عدم رضا رئيس دويلة جنوب السودان المدعو سلفا كير وزملائه عن الانفصال عن الشمال. وقد نقلت الصحف عن المدعو الحاج قوله:" بعد الانفصال سجلت زيارة سرية للجنوب امتدت لثمانية أيام اكتشفت من خلالها أن الرئيس وكبار المسؤولين غير راضين عن الانفصال". وهو تصريح غريب في بواعثه ودواعيه ومراميه. وقد كنا نود أن لو حدثنا صاحبه عن السبب الذي دعاه لزيارة دويلة الجنوب في الوقت الذي أعلن فيه عدم رغبته في أن يزور الشمال. وعما إذا كان قد تصرف حينها على غرار تصرف رصيفه في خلق الانتهازية والشره المنكر إلى السلطة المدعو مبارك الفاضل الذي آثر أن ينتقل بمصالحه الاقتصادية إلى دويلة الجنوب متخذا منها مأوى يدبر منه فصلا جديدا من فصول كيده للبلاد. ولم يحدثنا الدكتور الحاج بصراحة ووضوح شفاف لماذا جعل زيارته التي قام بها للجنوب سرية الطابع. فإن هذا هو موطن الشبهة الكبيرة والريبة المثيرة في تلك الزيارة الغامضة التي شاء أن يكشف الغطاء عن خبرها الآن. ولم يحدثنا الدكتور عما إذا كانت زيارته تلك شخصية خالصة تمت بمبادرة منه، وبدون علم قيادة حزبه، أم كانت بإذن الحزب وتدبيره وتوجيهه، وضمن خطته الاستراتيجية التي كان يتبعها حينئذ، وهي الخطة التي قضت بتحالفه مع قيادة ما يسمى بالحركة الشعبية ضد حكومة الانقاذ، التي أقصت الدكتور الحاج وجماعته عن مناصب السلطة، ونحَّتهم عن مفاصلها، وفطمتهم عن الأكل من موائدها الشهية عقب تفاصل رمضان. ولم يحدثنا الدكتور عما هدف إلى إنجازه من تلك الزيارة التي قام بها إلى دويلة الجنوب، وعما إذا كان قد طلب أثناءها استلام المكافأة والثمن الذي استحقه حزبه لقاء تأييده لانفصال الجنوب، ولقاء اسهامه في الدعاية له، وتوجيه عضويته بالتصويت لصالحه. إن تلكم هي النواحي المهمة التي كان ينبغي أن يشير إليها الدكتور الحاج في تصريحه الذي فاه به أخيرا لو كان سياسيا شفافا يتحدث حقا بما يفيد. ولكنه أغفل هذه النواحي جميعا بقصد أو بغفلة دون قصد. وفي الحقيقة فلو قام الدكتور بتدبُّر محتويات تصريحه هذا وتمعَّن في مفرداته جيدا قبل أن يفوه به لما نطق به على الإطلاق. لأنه يتضمن في ثناياه ما يشكك فيه وينقضه ويكذبه. فلو تمت زيارته هذه بعد سنوات من الانفصال، لربما صدقنا أن الحسرة قد أخذت تأكل قلوب القادة الجنوبيين الذين ذكر أنهم ندموا على تحقُّق الانفصال. وذلك بعد أن وضحت أمام أعينهم خطاياهم ورزاياهم التي اقترفوها، وشهدوا على أنفسهم أنهم لم يكتسبوا شيئا يذكر بانفصالهم عن الشمال، بل خسروا من جرائه الكثير. وخاصة بعد أن اتجهوا إلى ترويع مواطنيهم بالقتل الذريع الذي تفننوا في الماضي في توجيهه إلى صدور الشماليين. وبعد أن أكملوا تدمير مقدرات بلادهم التي ورثوها عن الشمال. وبعد أن اتضح للعالم أجمع أنهم سياسيون بدائيون بحق وحقيق. ولكن الدكتور الحاج سها عن كل هذه الجوانب المهمة، أو أغضى عنها عمدا وتجاهلها، وذكر أن زيارته المريبة تمت بعيد انفصال الجنوب، أي في الوقت الذي كانت فرحة الجنوبيين بانفصالهم عن الشمال وزهوهم به ما تزال قوية طاغية عارمة. ومن الغريب المريب الذي لا يمكن أن ينطلي على عقل ناضج أن يكون القادة الجنوبيون الذين دعوا إلى الانفصال وساروا إلى تحقيقه بإصرار عن طريق الحرب والسلم معا، هم أنفسهم الذين ندموا على ما فعلوه بتصميم كامل وهم في كامل وعيهم. وأغرب من ذلك وأدعى إلى إثارة الشك أن يتطوع الدكتور الحاج فينقل عن القادة الجنوبيين شعورهم بالأسى، ولا يدعهم يعبرون عنه بألسنتهم وأقلامهم كما يشاؤون. وهم لما يفعلوا ذلك بعد حتى بعد مضيِّ هذا الوقت الطويل على الانفصال. وأغرب من ذلك وأدعى إلى الدهش والريب ألا يبدي الدكتور الحاج شعوره الخاص بالندم بسبب انفصال الجنوب الذي شجعه وأيد مساعيه بكل ما أوتي من قوة المكر والسعى. وألا ينتقد نفسه ثم ينتقد زملاءه من قيادات حزبه بسبب دعمهم ووقوفهم وراء الجهود الداعية للانفصال. أم يظن الدكتور أن الناس قد نسوا ما كانوا عليه يومها من لا مبدئية ومن تهريج ولا عقلانية ورغبة قوية في الانتقام من حكومة الإنقاذ عندما آزروا سياسة الانفصال؟! لقد الأحرى بالدكتور إن كان ناطقا ولابد بكلمة مفيدة في الموضوع، أن ينطق بكلمة نقد مستحق وكلمة مراجعة واجبة لكثير من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها حزبه بخصوص الانفصال، بدلا من أن ينساق على توجهات وأساليب السياسة السودانية العامية (الدارجية) فيتحدث بلهجة عاطفية غير بريئة عن ندم مزعوم لزعماء الجنوب على الانفصال! وانت مالك ومال زعماء الجنوب ياخي؟! خليك في حالك، وخليهم في حالهم، وخليهم يتكلموا براهم لو عايزين يتكلموا في الموضوع! وعموما فلو سكت هذا القيادي الحزبي الشعبي عن الكلام بهذا النمط العامي لكان ذلك مما يحمد له ويشكر عليه. فذلك خير له من أن يقحم نفسه، بمثل حديثه العشوائي هذا، في مجال أدبي لا يحسنه. فهو لا يجيد لغة الحديث السياسي الموضوعي الذكي الحصيف المحسوب بدقة. ولم ينل في ماضي حياته تدريبا مناسبا على الخطابة الشعبية أو الصَّفوية. وليست له قدرات صبورة على التدقيق في تمييز أفكاره ومنهجَتها وترتيبها. وبعد ذلك يعوزه نصيب مفروض من الأمانة الأخلاقية التي يتوجب أن يتحلى بها السياسيون العلمانيون بلْه الإسلاميين!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة