يؤلمني حقاً، أن يطول ليلنا كل هذا الوقت، برغم الدماء والارواح التي دفعناها، في شيكان وكرري، وفي ثورة السلطان عجبنا، وَعَبَد القادر ود حبوبة، وعلي عبد اللطيف، ورفاقه، وإسماعيل الأزهري الذي فارق الحياة وهو في المعتقل، وَعَبَد الخالق محجوب وهاشم العطا ورفاقهم، وحسن حسين، ومحمد نور سعد وكل الشهداء الذين كانوا معه، الذين سموا زوراً بالمرتزقة ..! ومحمود محمد طه شهيد الفكر، رمز الشجاعة والبطولة، وشهداء مارس/ ابريل، محمد الحسن فضل الله، والتأية، وبعد مجيء الانقاذ تواصلت مسيرة النضال والتضحيات، فقدم الأطباء الشهيد علي فضل، والقوات المسلحة قدمت خالد الزين، ورفاقه الاشاوس، شهداء 28 رمضان، وضحايا الحروب، من قتلى وجرحى، ولاجئين، ومشردين.. والاعداد المتزايدة التي تنضم يوماً بعد آخر، لنادي الفقراء والكادحين، واؤلئك الذين تقطعت بهم السبل، او ساقتهم الاقدار التعيسة، الى بعض دول الجوار، وتحديداً مصر وليبيا، التي نعتبر مواطنيها بمثابة الاخوة والاشقاء، ونعاملهم بكل احترام وتقدير ورحابة صدر..! بسجيتنا وطبيعتنا، التي تعلمناها أباً عن جد، لا نهين احد،. سواء صيفاً علينا، او فضل الإقامة بيننا باقي العمر، بل أحياناً نعامله أفضل من ابن البلد..! لذلك نشعر بالاسف، ونحن نقرأ ونسمع عن سوء المعاملة التي يلقاها السودانيون، في كل من ليبيا ومصر..! الى هذا الحد تعطلت الحواس في امتنا..؟ وتعطلت حواسنا نحن أهل البلد..! لأننا قبلنا لانفسنا ان نكون في عداد " أهل الكهف" ..! ولم نعد ندري ان عقارب الساعة، قد توقفت منذ اكثر من ربع قرن..! وسباتنا الطويل، تحول الى طبقة ترابية، يصعب إزالتها من نوافذ العقول..! لنجد أنفسنا امام واقع سياسي شديد الالتباس والتعقيد.. نرى مظاهر معارضة، ولا معارضة حقيقية، فقط محاولات لابراز الذات.. كما يفعل اصحاب المطاعم والمحلات، حينما يضعون لافتات تقول هنا: يمكنك تناول وشراء ما ترغب فيه وتحتاجه..! هكذا هي الآحزاب بعدد شعر الرأس، وهكذا مثله حركات..! شاطرة في بذل الكلام ..! لكن لا احد، يبدو حتى الان، يرغب في الخروج من الظل ..! ومواجهة عذابات الحاضر الماثلة..! لا نخوة، ولا فزعة لأهل الوجعة، لا من النظام ولا من المعارضة..! الى هذا الحد شاخت العقول ..؟ وحل السبات.. في وقت نحن في أمس الحاجة لروح التجديد والغربلة، التي ما زالت بعيدة، بل هي غائبة..! متى نخرج للشارع...؟ كما خرجنا في الثورة المهدية، التي حررت الوطن عنوة وإقتدارا.. وهكذا تواصلت مسيرة البطولات فكانت أكتوبر، التي غنى لها ابو الأمين وأم بلينا السنوسي ... وانتفاضة مارس ابريل التي شدى فيها ابو الورود، برائعته، لا السجن ولا السجان باقي..! لكن منذ 1989 وحتى الان بلادنا دخلت سجنا، لم نفلح من كسر ابوابه بعد، لان البعض فضل البقاء في المنطقة الفاصلة بين النظام والمعارضة..! السؤال الذي يطرح نفسه، ونحن نعايش كل هذه العذابات المرهقة، متى الخروج من تلك المنطقة الفاصلة بين النظام والمعارضة..؟ نعم جرت ثمة محاولات للخروج من النفق، لكنها حتى الآن، ما زالت متواضعة ومتعثرة.. تنهض هنا وتكبو هناك..! لا نستطيع ان نحكم عليها كلها بالإخفاق، ان قلنا هذا ربما نكون قد ظلمنا البعض..! لكن للحقيقة والامانة حتى الان لم يحدث ما يوطد قناعتنا أننا في طريقنا للخروج من النفق..! المعارضة بكل الوانها، حديثها وقديمها، لا زالت تدور حول نفسها..! متى وكيف الخروج من هذه الدائرة المغلقة..؟ وإن وجدنا العذر للشيوخ، فلماذا يقبل الشّباب لأنفسهم البقاء في هذه الدائرة اللعينة..؟...! وهم ليسوا في حاجة لشراء اجهزة تلسكوبات لمراقبة حركات النجوم في السماء، بل لشحذ العقل لمراقبة نجوم السياسة على الارض..! التي أظهرها ليلنا الطول على حقيقتها..! وكل شيء بات واضحاً، سقطت الشعارات، وظهرت شعرات الشيب السياسي على رؤوس قادة النظام والمعارضة..! والمشكلة ان الشيب لا يبدأ إلا في محيط الرأس..! الشيب غطى الرؤوس، والعيب هد النفوس..! حينما نقول هذا نحن لا نفتري على أحد..! وإذا شئم ان نزودكم بالبراهين والدلائل، فهي متوفرة لديكم بين ايديكم وجيوبكم الفارغة التي لم تعد تسع اخبار الفساد..! كيل الفساد قد طفح وغطى كل الشعارات القديمة والحديثة وبلل كل الخطابات بزبد السراب..! للحد الذي جعل البعض يمسك انفاسه.. متعللاً بالصبر الجميل، جاعلاً منه مفتاحاً للفرج، لا مفتاحاً لليأس ..! لكن للأسف كل يوم يمر علينا ونحن ممسكين بحبل الصبر، نكتشف اننا لم نهرب من ظلنا إلى ظلنا الآخر..! لان الصبر على الواقع البائس، ما هو إلا لعبة بائسة..! وأنا لا أعفي نفسي، من هذا البؤس وعبث الانتظار ..! بل معكم ، اعترف بالتقصير، لكن ليس مع من يفضلون الصمت..! فما بالنا لا نعترف جميعا بالفشل ساسة ومثقفين وكل أفراد الشعب..؟ بما كسبت أيدينا، مع ان الحجة قائمة علينا جميعاً، شئنا أم ابينا... وكما يقولون: من حفر حفرة وقع فيها..؟ ونحن جميعاً وقعنا في حفرة الانتظار، وبسببها أجلنا كل ما لدينا من الهموم، مكتفين بتربيع أيدينا منتظرين ان يتغلب احد الطرفين على الآخر..؟ ولا جديد في ساحة المصارعة بين النظام والمعارضة..! والمثقفين ما زالوا يواصلون ثرثرتهم في الصحف والنت وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ناسين او بالأحرى متناسين ان الوطن لم يتحرر بعد من أغلال الشمولية والدكتاتورية، والطغمة الحاكمة تواصل عبثها باجراء استفتاء رفضه كل شرفاء الوطن، لاسيما الشرفاء من أبناء دارفور الجريحة، وحتى لا نكون شركاء في الجريمة دعونا نخرج من الظل، ونقطع أواصل الشوارع ، كي نعانق أشعة الشمس، كما فعلنا في أكتوبر ومارس/ ابريل، ومن ثم نقطع خيط الفشل الى الأبد..! الطيب الزين
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة