في شهر رمضان المعظم وقبل سنوات خلون أدركتني صلاة العصر في مسجد فخيم بالخرطوم بحري.. عدد كبير من المصلين كانوا يغطون في نوم عميق حتى اضطر أحد القائمين لإيقاظهم بشكل جماعي.. بعيد الصلاة أدركت أن معظم النائمين أتت بهم مكيفات «الإسبلت» الباردة.. ولكن ذات المسجد يعاني كثيراً في توفير هذه الرفاهية التي تليق ببيوت الله. في مسجد آخر لا يبعد كثيراً من القسم الشرقي بالخرطوم استعانت لجنة المسجد بشركة لتشغيل الحمامات.. الذين يريدون قضاء الحاجة يجب أن يدفعوا جنيهاً مع الوضوء المجاني.. مسجد آخر في الخرطوم جنوب كان الإمام يسأل الناس إلحاحاً عن دفع جنيه الجمعة.. رغم أن الدفع كان طوعياً إلا أن الإلحاح في طلب التبرع ينم عن حاجة المسجد الملحة للدعم. في تقديري أن المساجد تحتاج لدعم المجتمع.. لكن هنالك ملاحظة أن تكلفة التشغيل في المساجد عالية جداً.. معظم مساجدنا مصممة على الطراز القديم، حيث يكون المبنى عالياً وبه نوافذ كثيرة.. هذا التصميم يناسب أحوال الطقس الصحراوي الحار والجاف.. كان ذلك عندما كانت المساجد تعتمد على الطاقة الطبيعية من الهواء العابر والبرودة المخزنة من الليل.. الآن تغيرت أشياء كثيرة بسبب دخول آليات التبريد من مراوح ومكيفات التبريد.. التقانة الجديدة تحتاج إلى مبنى محدود الأبعاد قليل النوافذ حتى لا يتم إهدار الطاقة بشكل كبير. المسألة الأخرى أننا لا نعتمد على إحصائية في توزيع المساجد.. أحياناً تجد مسجدين متقاربين.. في ذات الوقت يضطر سكان بعض الأحياء للهجرة في سبيل الوصول إلى مسجد.. لأن الإسلام هو دين النظام والتنظيم يفترض أن تكون هنالك خارطة موجهة لإنشاء المساجد.. من المفترض أن تكون هذه الخارطة حاضرة عند التصديق ببناء مسجد جديد حتى تتوفر عدالة في توزيع المساجد. تصنيف أماكن الصلاة أمر آخر في غاية الأهمية وموجود في كثير من الدول.. في مصر عند أسفل بعض البنايات تجد مكاناً لأداء الصلوات باستثناء الجمعة.. في السعودية هنالك جوامع وهي أصغر حجماً من المساجد.. في أرياف السودان هنالك الخلاوي التي تعتبر مساجد إلا قليلاً.. هذه التصنيفات غابت عن المدن.. لهذا السبب ترتفع تكلفة صيانة وإعمار المساجد. قبل أشهر زرت العاصمة السعودية ووجدت المسجد الكبير قد تم فيه وضع فاصل يقسم المسجد إلى نصفين.. مرافقي أكد أن ذلك لتوفير الطاقة الكهربية.. ثم أوضح لي أن الفاصل متحرك يتم سحبه إلى الوراء كثيراً في صلاة الجمعة.. ثم يتمدد الفاصل إلى الأمام في بقية أيام الأسبوع حينما يقل عدد المصلين. في تقديري.. أن على المعماريين في السودان والدول الإسلامية استنباط تصاميم جديدة تستوعب التطور الجديد في الطاقات.. الأفكار الجديدة تؤدي إلى خفض تكاليف بناء وتشغيل المساجد.. مثلاً من الممكن أن تكون هنالك روضة أطفال ملحقة بكل مسجد أو عيادة خيرية أو حتى ملعب رياضي صغير الحجم.. هذه الأنشطة تربط الدين بالدنيا وتجعل أفئدة كثير من الناس تأوي للمساجد حتى لا تصبح المساجد مجرد فنادق مريحة يرتاح فيها العطالى والأشقياء وفي النهاية يعجز المصلون عن دفع تكاليف تسيير هذه المؤسسات المهمة في حياة المجتمع. بصراحة.. أخطر ما يواجه الإسلام هي محاولة تنميطه في قالب تاريخي قديم.. بقليل من الجرأة من الممكن تفعيل دور المساجد في الحياة العامة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة