دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
ما يجهله وما يعرفه خير الله بقلم نبيل أديب عبدالله
|
01:51 AM June, 19 2016 سودانيز اون لاين نبيل أديب عبدالله- مكتبتى رابط مختصر |
"It takes considerable knowledge just to realize the extent of your own ignorance." Thomas Sowell "يحتاج المرء لكثير من المعرفة حتى يعرف مدى ما يجهله" توماس سويل لأنني لا أقرأ عمود الكاتب الصحفي حيدر خير الله لأسباب لا تخفى على فطنة القارئ، لم أعرف بهجومه علي إلا منه هو شخصياً، عندما أرسل لي النص في الواتس آب، ولا أدري كيف توصل لرقمي في ذلك التطبيق. ولم أعلم سببا لأن يرسل لى ما كتب، إلا أن يكون قد قصد أن يفتعل معركة بيني وبينه، لسبب أيضاً لا يخفى على فطنة القارئ. لم أشأ أن أمنحه ذلك، فزجرته في نفس التطبيق، ليعلم أنني لن أرد عليه. ولكن لما كان الهجوم يوحي بأنه صادر من الحزب الجمهوري، فقد أرسلت بريد إليكتروني للأستاذة أسماء محمود محمد طه، والتي كانت كلفتني بتولي الطعن ضد قرار السيد مسجل الأحزاب، والتي أكن لها كثيراً من الإحترام، فإتصلت بي تلفونياً حيث علمت منها أن خير الله يمثل نفسه فيما يكتب عن هذا الموضوع، وأن الحزب الجمهوري لا دخل له بهذه الترهات. وقالت في حقي قولاً طيباً أفخر به، ولا أرى سبباً لتكراره هنا. وقد إتصل بي بعدها من أقدره من قيادات الحزب التاريخية مستنكراً مسلك خيرالله، فإعتبرت الموضوع قد إنتهى عند هذا الحد. ولكن سرعان ما حمل إلى الواتس آب من الكاتب مقالاً آخر يصور الأمر كما لوكنت أقوم بالرد عليه، وأنه يعقب على تلك الردود، ومن ثم فقد أخطرته في الخاص ما يلي "لا تبحث عن معركة معي لأنني لن أتنازل عن مستواي لأدخل مع امثالك في مهاترات لا تعني لي شيئا، ولو أردت ان أرد عليك لفعلت، فلا تنقل عني، وتفتعل الردود. " ولكن ذلك زاده في غيه، فنشر مقاله الثالث عن قرار المحكمة الإدارية. وقد إتضح لي أنه يرسل تلك المقالات لعدد من قادة الرأي عن طريق الواتس آب وهي مقالات يهرف فيها بما لا يعرف، مما يلزم معه وضع النقاط على الحروف، وشرح الأوجه المختلفة للموضوع للقارئ، أما خيرالله نفسه فلا أظن أن علمه يتيح له إدراك مدى جهله للأمور التي يتحدث فيها. والآن إلى الرد. المسائل الخلافية في القانون كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدر نفسه.( الامام علي كرم الله وجهه) في غير الإبجديات المتفق عليها، يحمل القانون كثير من المسائل الخلافية التي تحتمل الخلاف والتأويل، ومسألة ما إذا كان الطعن في قرار مسجل الأحزاب السياسية تختص بنظره المحكمة الدستورية أم المحكمة الإدارية، هو أحد تلك المسائل التي لا يجوز لغير المتفقهين في القانون أن يدلو بدلوهم فيها، ويبدو أن خيرالله يحسب نفسه أحدهم. يذكر خير الله عن تلك المسألة في مقاله المنشورفي 8/ يونيو 2016 ما يلي: "وبعد رفض تسجيل الحزب لجأ الحزب الى الأستاذ نبيل أديب المحامى ليرفع قضية باسم الحزب ، فلجأ أديب للمحكمة الدستورية التى ظل الطعن أمامها منذ الخامس من مايو 2014 وبعد المراجعات المتعددة أصدرت المحكمة الدستورية قرارها القاضي بشطب الطعن لسببين :إن قرار مسجل الأحزاب قراراً إدارياَ فكان الأصح اللجوء للمحكمة الإدارية . والطعن الذى قدمه الأستاذ الكبير لم يناقش قضايا دستورية ، فاعطى المحامي مشروعية لقرار المحكمة الدستورية والغريب ان ذات المحامي عندما تم تنبيهه من الأستاذ/ رفعت مكاوي بأن هذه القضية مكانها المحكمة الإدارية وليس الدستورية غضب الأستاذ الكبير نبيل اديب وإحتج ومضى بعريضته التى تسببت فى الكارثة" . وهذا هو ما يعلمه خير الله، أما ما يجهله فما أكثره. ولنبدأ برأي الأستاذ رفعت مكاوي. عندما كتبت الطعن للمحكمة الدستورية عرضته على الأستاذه أسماء، وطلبت منها مناقشته من القانونيين في الحزب، ولم يكن هذا طلبها بل طلبي. وبعد عرض مسودة الطعن عليهم كانت هناك آراء لا أذكر تفاصيلها الآن تمت نقاشها، وقدمت رأيي كتابة للحزب، والذي رأى أن أقدم الدعوى بالشكل الذي أراه . هذا لا يعني صحة رأيي في المسألة، كما وأنه لا يعني أن من خالفني في الرأي كان على خطأ، ولكن فقط يعني أن الحزب قرر قراراً مبنيا على معرفته بالخلاف informed decision بأن أرفع الدعوى بالشكل الذي رأيته. وبالتالي فإنه لا يجوز لأحد أن يثير هذه المسألة بإعتبارها خطأ مهني، مهما بلغ جهله بمسائل المهنية. أنا لا أذكر على وجه التحديد رأي الأستاذ رفعت مكاوي، وهو محل تقدير عندي، وكون أنه أخطأ في رأيه، أو أنني أخطأت في رأيي، لا ينتقص من قدر أي منا طالما أن كلاً منا بنى رأيه على أسس فقهية مقبولة. ولكن خيرالله لا يناقش الأسباب التي بنى عليها كل منا قراره، بل يفترض أن ما قررته المحكمة الدستورية هو الصحيح، وما عداه خاطئ. وخيرالله يفتي في الأمر وهو لايجهل فقط الأسس القانونية لتقديم الطعن، بل يجهل أيضاً أحكام المحكمة الدستورية نفسها، التي يعتمد على رأيها ليرجح أيا من الرأيين. قانون الأحزاب السياسية والسؤال هو لماذا قررت أن أذهب للمحكمة الدستورية مباشرة، وما هي أسانيدي التي إستندت عليها في ذلك القرار؟ قررت ذلك إستناداً على قانون الأحزاب السياسية، وقانون المحكمة الدستورية، وعلى سوابق المحكمة الدستورية نفسها. بالنسبة لقانون الأحزاب السياسية فالفقرة (6) من المادة 16 تنص على أنه "يجوز للحزب السياسي الذي صدر قرار برفض تسجيله أن يطعن في القرار أمام المحكمة" وتنص المادة 29 (1) من نفس القانون على أنه "عند نشوء أي نزاع بين المجلس والحزب السياسي حول دسـتورية أو قانونية أى أمر يتعلق بالنظام الأساسـى أو بأنشطة الحزب السياسي ، يجوز لأي منهما رفع الأمر للمحكمة للبت فيه وإصدار القرار المناسب" وبالعودة للمادة 3 من القانون المذكور تُعرِّف المحكمة بقولها " المحكمة" يقصد بها المحكمة الدستورية أو المحكمة ذات الإختصاص الطبيعي المُنشأة وفق القانون ، حسبما يكون الحال" وهذا يعني أن المحكمة الدستورية هي المعنية، ما لم تكن المسألة بطبيعتها تخرج عن إختصاصها، كما في حالة أن يكون النزاع بطبيعته جنائياً أو مدنياً. إذا كانت المحكمة تعني المحكمة الدستورية أو المحكمة ذات الإختصاص الطبيعي المُنشأة وفق القانون، فما هي المحكمة ذات الاختصاص الطبيعي المُنشأة وفق القانون للفصل في المسائل الدستورية حتى نستبعد المحكمة الدستورية ونحول لتلك المحكمة نزاع طبيعته دستورية؟!! النزاع موضوع الطعن هو نزاع حول صحة قرار مسجل الأحزاب برفض تسجيل الحزب الجمهوري، ونص القرار المطعون فيه هو كالآتي: " بالنظر الى ما جاء بالطعون المذكورة ومذكرات الرد والمستندات المرفقة معها وذلك في ضوء الأحكام والشروط القانونية اللازمة لتسجيل الحزب السياسي وفق قانون الأحزاب السياسية لسنة 2007م ولائحة تسجيل الأحزاب السياسية تعديل لسنة /2012م ، رأى مجلس شؤون الأحزاب السياسية بأن ما جاء في الوثائق المقدمة مع طلب تسجيل الحزب الجمهوري تخالف أحكام المادة (5/1) من الدستور القومي الإنتقالي لسنة /2005م والمادة (14/ط ) من قانون الأحزاب السياسية لسنة /2007م ، حيث أن مبادئ الحزب تتعارض مع العقيدة الأسلامية والسلام الإجتماعي والأسس الديمقراطية لممارسة النشاط السياسي إذ أنه يقوم على أساس طائفي ومذهبي" إذا كان قرار المسجل يقوم على أن وثائق الحزب المقدمة للتسجيل مخالفة لأحكام المادة 5/1 من الدستور القومي الإنتقالي فهل هذه مسألة دستورية أم قانونية؟ ومن يملك الفصل فيها هل المحكمة الإدارية أم المحكمة الدستورية؟ قانون المحكمة الدستورية يذكر خيرالله أن المسألة كانت يجب أن تبدأ من المحكمة الإدارية، فماذا يقول قانون المحكمة الدستورية في ذلك؟ تنص المادة 15 (1) من قانون المحكمة الدستورية على أن المحكمة الدستورية تختص بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، كما وتنص المادة 19 من قانون المحكمة الدستورية على أنه "فيما عدا الحقوق والحريات المضمنة في وثيقة الحقوق الواردة في الدستور إذا كان القرار أو العمل المطعون فيه دستورياً مما يجيز القانون لجهة أعلى سلطة مراجعته فعلى مقدم الدعوى تقديم ما يثبت إستنفاده لطرق التظلم أو إنقضاء ثلاثون يوماً من تاريخ إستلام الجهة الأعلى للتظلم" ومن هذين النصين يبدو واضحاً أن المحكمة الدستورية هي المختصة في الدعاوي المتعلقة بالمسائل الواردة في وثيقة الحقوق، وأن المدعي في تلك الدعاوي ليس مطالباً بالذهاب لأي جهة أعلى سلطة من الجهة التي أصدرته لمراجعة الأمر، قبل اللجوء للمحكمة الدستورية. ويبقى بعد ذلك السؤال الأساسي وهو هل تسجيل الحزب السياسي يتصل بأي حق من الحقوق الواردة في وثيقة الحقوق؟ إننا، بغض النظر عن وجهة نظر خيرالله، نعتقد ذلك. لأن الحرية في التنظيم مع آخرين هي أحد الحريات الهامة والأساسية التي نصت عليها وثيقة الحقوق في المادة 40 منها ونصها كالآتي: 40 (1) يُكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين، بما في ذلك الحق في تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام إليها حمايةً لمصالحه. (2) ينظم القانون تكوين وتسجيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والإتحادات المهنية وفقاً لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي" إذا فالمسألة كلها دستورية لأن فرض القيود بواسطة القانون، يلزم أن يكون وفقاً لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي، وفي هذه الجملة، لو علم خيرالله، أدبا دستورياً من فقه وأحكام محاكم يجب الإلمام بها، قبل التصدي لهذه المسائل. إذا كان قانون الأحزاب السياسية يشير للمحكمة الدستورية، وقانون المحكمة الدستورية نفسه يقرر إختصاصها بالنظر في المسائل المتعلقة بوثيقة الحقوق مباشرة، وبغير حاجة لمراجعة القرار أمام أي سلطة، فما هو رأي المحكمة الدستورية نفسها ؟
رأي المحكمة الدستورية عندما تقدمت بطعن للمحكمة الدستورية متعلق بقرار الأمن بمنع صحيفة التيار من الصدور لأجل غير مسمى، وهو الطعن الدستوري رقم 222/2012 لم تكن هنالك آنذاك سوابق حول هذا الموضوع لذلك فقد ذكرت في طعني ما يلي: الحق فى الدعوى الإدارية لا يحجب عن المحكمة الدستورية سلطتها الأصيلة فى منع إنتهاك الحريات الدستورية: حتى لو كان القضاء الإدارى مختصاً بالنظر فى القرار المطعون فيه، فإنه يجوز للطاعنة تجاوز ذلك، واللجوء مباشرة للمحكمة الدستورية، إذ أن وجود الحق فى الدعوى الإدارية لا يحجب عن المحكمة الدستورية سلطتها الأصيلة فى منع إنتهاك الحريات الدستورية. واقع الأمر هو أن أى خطأ يبرر تدخل المحكمة الإدارية فى مسأله متعلقه بحرية الصحافة، يبرر من باب أولى تدخل المحكمه الدستورية، فمخالفة القانون فى مسأله تتصل بحق النشر تتضمن مخالفة للدستور بالضرورة، لأن حظر صدور صحيفة هى مسألة متعلقة بإحدى الحريات الواردة فى وثيقة الحقوق، فإذا كان فى ذلك تجاوز للسلطة أو إفتقاد لها يتيح الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية، فإن ذلك لا ينفى الحق فى الطعن أمام المحكمة الدستورية أيضاً، فتجاوز السلطة أو إفتقادها فى مسألة تتعلق بحرية الصحافة بالإضافة لمخالفته للقانون، هو فى نفس الوقت إهدار لحق دستورى من الحقوق التى تضمنتها وثيقة الحقوق، وبالتالى فإن ما يجعل المحكمة الإدارية مختصة، يجعل المحكمة الدستورية مختصة أيضا. وقد يكون ذلك غير متاح إذا كانت دعوى حماية الحق الدستورى تستلزم إستنفاذ الحق فى الطعون القانونية، ولكنها لاتستلزم ذلك بموجب المادة 19 ( 4 ) من قانون المحكمة الدستورية، والتى تستثنى الحقوق والحريات المضمنة في وثيقة الحقوق الواردة في الدستور من شرط تقديم مايثبت إستتنفاذ طرق التظلم أو إنقضاء ثلاثون يوماً من تاريخ إستلام الجهة الأعلى للتظلم. مجمل القول فى هذا الصدد هو أنه إذا إنتهك فعل واحد قامت به سلطة عامة حقين، أولهما دستورى، والثانى قانونى، فإن الأولى بالرعاية يكون الحق الدستورى، لأن الدستور كما يذكر عن نفسه هو القانون الأعلى بالبلاد والذى يتوجب على باقى القوانين التوافق معه (م3 من الدستور). لذلك فإن مصلحة المجتمع فى إستقرار أحكام الدستور بإعتباره قمة الهرم القانونى، اكبر من مصحلته فى إستقرار الأحكام القانونية الأدنى درجة. وإذا كان الدستور هو قمة الهرم القانونى، فإن وثيقة الحقوق هى قمة الهرم الدستورى، لذلك فإن قانون المحكمة الدستورى حينما تطلّب إستنفاذ طرق التظلم الإدارية، قبل اللجوء إلى المحكمة الدستورية، إستثنى من ذلك الدعاوى المتعلقة بحماية الحق الدستورى." قررت المحكمة الدستورية في الدعوى 222/2012 في هذه النقطة ما نصه كالآتي "تأسيساً على ذلك نقول أن ما أصدره مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني هو قرار إداري تتوفر فيه جميع أركان القرار الإداري وبما أن هذا القرار قد مس حق من الحقوق الدستورية فإنه بموجب المادة 19/4 من قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005 يجوز اللجوء إلى المحكمة الدستورية مباشرة" وقد كررت المحكمة الدستورية رأيها في هذه المسألة في الطعن الدستوري رقم 272/2015 والذي صدر الحكم فيه بتاريخ 1/5/2016 أي بعد صدور الحكم الذي يهلل له خيرالله. واقع الأمر هو أن أيس خطأ يبرر تدخل المحكمة الإدارية فى قرار يقضي برفض تسجيل حزب ، يبرر من باب أولى تدخل المحكمه الدستورية، لأنمخالفة القانون فى مسأله تتصل بحق التنظيم تتضمن مخالفة للدستور بالضرورة.
لماذا يهلل خيرالله لحكم المحكمة الدستورية؟ الجاهل عدو نفسه، فكيف يكون صديق غيره. (بزر جمهر) صحيح أن المحكمة الدستورية قد شطبت طعن الحزب الجمهوري بدعوى أن الطعن كان يجب أن يوجه للمحكمة الإدارية، ولكن هذا لا يعني أن حكم المحكمة الدستورية كان صحيحاً، كما وأنه لا يعني أن تقديم الطعن للمحكمة الدستورية كان بسبب خطأ او إهمال مهني. إذاً ما الذي يدعو خيرالله لأن ينضم للحكم ويهلل له بإعتباره الرأي الصحيح في الموضوع؟ هل فقط ليثبت خطأ مهنياً في حقي؟ وهل هذا هو ما سيحفظ لحزبه الحق في التنظيم؟ كم مرة أخطأت المحاكم العليا في دول مختلفة فردتها محاكم حقوق الإنسان الإقليمية عن خطئها؟ لم ألجأ للمحكمة الإدارية لأنني كنت أرى أن فرصة الطعن أمام المحكمة الدستورية أكبر ولن أذكر السبب هنا لأن الطعن ما زال قيد النظر أمام القضاء الإداري، ولن أقول قولاً يسوئ من موقف الحزب الجمهوري الذي مثلته في الدعوى الدستورية، الا يكفيه ما يقوم به خيرالله من جهد في هذا السبيل؟
هل كان الطعن يتناول مسائل دستورية يذكر خير الله في مقاله المنشو ر في 8/6/2016 "الطعن الذى قدمه الأستاذ الكبير لم يناقش قضايا دستورية ، فأعطى المحامي مشروعية لقرار المحكمة الدستورية" أنقل لكم فيما يلي أوجه مخالفة الدستور التي دفعنا بها في طعننا المقدم للمحكمة الدستورية ضد قرار المسجل برفض تسجيل الحزب الجمهوري، والذي يفترض أن يكون فقيه آخر الزمان قد إطلع عليه. 1/ قرار يكتنفه الغموض رغم أن مجلس شؤون الأحزاب السياسية بنى قـــراره المطعون فيه على أن وثائق الحزب تتنافى مع المادة (5/1) من الدستور و (14/ط) من القانون، إلا أنه لم يوضح من أين جاء ذلك التعارض فلم يحدد أي هدف من أهداف الحزب، ولا أي وسيلة من وسائله الذي، أو التي، تضمنها دستور الحزب يتعارض مع المادتين المذكورتين. ولو إتبع مجلس شؤون الأحزاب السياسية الإجراءات المنصوص عليها في القانون، والتي تلزمه أولاً بأن يطلب من الحزب المعني إزالة التعارض الذي يراه في مستندات التسجيل، وبين المادة التي تتنافى معها في الدستور أو القانون، لعرف الطاعنون على وجه الدقة ما يراه المجلس من تعارض بين دستور الحزب، والمواد الواردة في القرار. ولكن مجلس شؤون الأحزاب السياسية من جهة لم يمنحهم تلك الفرصة بل أصدر قراراً فورياً برفض التسجيل، ومن جهة أخرى فقد لجأ الى حديث معمم عن الخلاف بين الوثائق المقدمة وبين المواد التي حددها في القانون و الدستور، وقرار بهذا الغموض بحيث لا يُعرف على وجه الدقة الأجزاء المخالفة للمواد المشار إليها ولا أوجه الخلاف، هو قرار يخالف الدستور لأن الدستور لا يسمح أصلاً بتقييد حرية التجمع والتنظيم، وكل ما يسمح به هو "ينظم القانون تكوين وتسجيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية وفقاً لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي" مادة 40 (2 ) من الدستور. لذلك فإن رفض تسجيل حزب يجب أن يكون فقط بسبب أن وثائق الحزب السياسي المودعة وفقاً لأحكام المادة 15 تتعارض مع أحكام الدستور أو القانون. وإذا كنا نتحدث عن ما يتطلبه المجتمع الديمقراطي فليس هنالك خير من الإحتجاج بمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية والتي تذكر "إن الاستثناءات المنصوص عليها في المادة 11، عندما تكون الأحزاب السياسية هي المعنية، يجب تفسيرها تفسيراً مقيداً لأن فرض قيود على حرية هذه الأحزاب في التجمع، لا يمكن تبريره إلا بأسباب مقنعة وملجئة" CASE OF UNITED COMMUNIST PARTY OF TURKEY AND OTHERS v. TURKEY (133/1996/752/951) لذلك فإنه إذا كان كل ما جاء في القرار برفض التسجيل هو أن "مبادئ الحزب تتعارض مع العقيدة الإسلامية والسلام الإجتماعي والأسس الديمقراطية لممارسة النشاط السياسي إذ أنه يقوم على أساس طائفي ومذهبي" وهو حديث معمم لا يشير لحيثيات ذلك القرار ولا كيف تم التوصل إليه، فإن القرار يكون باطلاً ومتعين الإلغاء. وفقاً لذلك فإنه لا يجوز لمجلس شؤون الأحزاب السياسية أن يرفض تسجيل حزب بسبب تفسيره للأرضية الفكرية للحزب خارج وثائق التسجيل، لأن القانون لم يقصد، ولا يجوز له أن يقصد، أن يجعل من المسجل رقيباً على الأفكار السياسية التي لا تعبر عن نفسها بصورة مباشرة في برنامج الحزب أو نشاطه السياسي. الثابت هو أن المادة 16 (1) تقصر سلطة مجلس شؤون الأحزاب السياسية على فحص الوثائق المقدمة من الحزب السياسي بغرض تسجيله دون غيرها من أدبيات الحزب أو أفكاره السياسية. وهو ما عبرت عنه محكمة حقوق الإنسان الأوروبية أحسن تعبير حين ذكرت "جوهر الديمقراطية هو قدرتها على حل المشكلات من خلال النقاش المفتوح. مهما ظهرت بعض وجهات النظر، أو بعض الكلمات المستخدمة، صادمة وغير مقبولة للسلطات، فإن التدابير ذات الطبيعة الإحترازية لقمع حريتي التجمع والتعبير، في غير حالات الدعوة للعنف، أو رفض المبادئ الديمقراطية، لا تقدم خدمة للديمقراطية بل تعرضها للخطر. في المجتمع الديمقراطي الذي يقوم على سيادة حكم القانون يجب أن تتاح للأفكار السياسية التي تتحدى النظام القائم، فرصة مناسبة للتعبير عن نفسها من خلال ممارسة الحق في التجمع، وكذلك من خلال الوسائل القانونية الأخرى" Eur. Ct. H.R. (1st sect.), Stankov a.o. v. Bulgaria (Appl. No. 29221/95), judgment of 2 October 2001, para. 975/5
والخلاف بين الأفكار التي تطرحها الأحزاب مع بعضها البعض، هو ليس فقط أمرا طبيعياً بل هو في واقع الأمر لاغنىً عنه في المجتمع الديمقراطي. تقول محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في ذلك "الدولة ملزمة، بأن تعقد انتخابات حرة على فترات دورية معقولة بالإقتراع السري في ظل ظروف تضمن التعبير الحر عن الرأي ليتمكن الشعب من إختيار من مجلس شؤون الأحزاب السياسية التشريعي. مثل هذا التعبير غير وارد من دون مشاركة عدد وافر من الأحزاب السياسية التي تمثل مختلف أطياف الرأي التي يمكن العثور عليها داخل سكان البلد. الأحزاب السياسية تقدم مساهمة لا غنى عنها في النقاش السياسي، الذي هو صميم مفهوم المجتمع ديمقراطي" (see the Lingens v. Austria judgment of 8 July 1986, Series A no. 103, p. 26, § 42, and the Castells v. Spain judgment of 23 April 1992, Series A no. 236, p. 23, § 43). تفسير مخل بأحكام الدستور
الإشارة للمادة (5/1) من الدستور مثيرة للدهشة. فالمادة تنص على أن تكون الشـريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشـريعات التي تُسن على المستوي القومي وتُطبق على ولايات شمال السودان. لا يحدد القرار المطعون فيه ماهو الجزء الذي يخالف أحكام المادة (5/1) في الوثائق المقدمة مع طلب تسجيل الحزب الجمهوري ولكننا بمراجعتنا لما جاء في الوثائق لم نجد أي دعوة لتغيير مصدر التشريعات ولا أي إشارة سالبة للشريعة الإسلامية ولكن بفرض أن الحزب يدعو لإلغاء هذه المادة أو تعديل حكمها بإضافة مصدر للتشريعات، أو إلغاء مصدر من مصدري التشريع التي أشارت لهما المادة، هل يجعل ذلك من برنامج الحزب برنامجاً يتعارض مع الدستور الإنتقالي ؟ وهل هذا هو الإختلاف الذي عنته المادة (14) (ب) من قانون تسجيل الأحزاب السياسية، حين إشترطت أن لا يكون للحزب برنامج يتعارض مع الدستور الإنتقالي؟ الأحابة قطعاً بالنفي إذ لا يجب أن تفسر هذه المادة بأنها تمنع الحزب من أن يعارض بعض الأحكام التي نص عليها الدستور، ولا أنها تمنعه من أن يشمل برنامجه الدعوة لتغييرها، فالمادة هنا لاتلزم الأحزاب بقبول الدستور، لا في مجمله، ولا في تفصيلاته. وإذاً ما هو التعارض مع الدستور الإنتقالي الموجب لرفض تسجيل الحزب؟ المادة تلزم الحزب السياسي فقط بأن يدعو لتغيير ما لا يرضاه من أحكام عن طريق آليات التغيير الدستورية. إذاً فكل ما تلزم به المادة الأحزاب هو أن تكون وسائلها للإتفاق، والإختلاف، والتغيير، مقبولة دستورياً. إن ما لا يجوز لبرنامج الحزب أن يعارض فيه الدستور الإنتقالي، هو الدعوة لتغيير الدستور، أو الدعوة لإنتزاع السلطة الدستورية، عن غير الطريق الدستوري. أما رفض أيا من الأحكام الدستورية، أوالدعوة لتغييرها، أو المطالبة بتغيير السلطة الدستورية، فذلك لا يتعارض مع الدستور، طالما أن الوسائل التي يستخدمها الحزب لإحداث التغيير هي وسائل دستورية. إذا فسرنا تلك المادة بأنها تمنع أن يتضمن برنامج الحزب دعوة تتعارض موضوعياً مع أي حكم تحمله مادة في الدستور، فهذا يعني أننا إخترنا أن يكون دستور 2005م دستوراً جامداً جمود مطلق، لا يقبل التعديل. وهذا يتعارض مع نصوص الدستور نفسه، الذي يصف نفسه بأنه دستور إنتقالي، أي مؤقت، والذي يحدد آلية لتعديل أحكامه، حتى أثناء الفترة الإنتقالية . تأييداً لهذا النظر تذكر اللجنة الأوروبية(لجنة فينيس) حول المبادئ المقبولة لحظر الأحزاب "يمكن تبرير حظر أو حل الأحزاب السياسية قسرياً فقط في حالة الأحزاب التي تدعو إلى استخدام العنف أو لإستخدام العنف كوسيلة سياسية لقلب النظام الدستوري الديمقراطي، وبالتالي تقويض الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور. وكون أن الحزب يدعو إلى تغيير الدستور سلمياً لا ينبغي أن يكون كافيا لحظر الحزب أو لحله." GUIDELINES ON PROHIBITION AND DISSOLUTIONOF POLITICAL PARTIES AND ANALOGOUS MEASURES (VENICE COMMISSION) من جهة أخرى فإن المادة (5/1) هي مادة تخاطب الهيئة التشريعية، ولكنها مادة هادية، لاتخضع الهيئة التشريعية في الإهتداء بها لرقابة المحاكم، فلا يجوز الطعن في قانون لأن مصدره لم يكن الشريعة الأسلامية، وإلا لفقدنا العديد من القوانين الهامة كقانون الصيدلة والسموم، وقانون حركة المرور، وقانون الأحزاب السياسية نفسه. إذ لا يوجد لأي من تلك القوانين مصدراً في الشريعة الإسلامية. إذاً فإنه يجوز للهيئة التشريعية أن تصدر قانوناً دون أن يكون مصدره الشريعة الإسلامية، كما ويجوز لها أن تلغي قانوناً رغم أن مصدره الشريعة الإسلامية. مجمل القول هنا هو أن الإستناد على المادة (5/1) من الدستور هو إستناد خاطئ من جهتين، فالمادة أصلاً لا تخاطب الأحزاب السياسية بحيث يقال أن وثائق الحزب تنطوي على مخالفة لها. من الجهة الثانية فلا غضاضة على الإطلاق في أن يتعارض برنامج الحزب مع هذه المادة، أو مع غيرها من مواد الدستور، طالما أنه يلتزم الوسائل الدستورية في الدعوة لإلغاء، أو تعديل، ما لا يتفق الحزب معه في مطلق تقديره من مواد، طالما أن الدستور يسمح بتعديلها .
قارئي العزيز الآن وقد قرأت ما دفعنا به أمام المحكمة الدستورية فهل هناك أي أساس لقول خيرالله أننا لم ندفع في طعننا بمسائل دستورية؟!!
نبيل أديب عبدالله المحامي
أحدث المقالات
- البشير وكذبة وقف اطلاق النار بجبال النوبة والنيل الأزرق!!.. بقلم عبدالغني بريش فيوف
- العيون 1 بقلم خالد دودة قمرالدين
- كـلاي: بطل أدخل المبادىء إلى الحلبة بقلم ياسين حسن ياسين
- الذهب بكل قيمة قد ذهب!! بقلم حيدر احمد خيرالله
- عروبية ثم فارسية ثم تركمانية !! هل هذا هو الإسلام؟ بقلم طارق عنتر
- قصة قصيرة . بقلم جعفر وسكة
- ايران والقتال على ارض الفلوجة بقلم صافي الياسري
- حرية الصحافة والصحفيين خط أحمر يا السيسى ! مذبحة القضاء فى مصرفداء ووفاء للسيسى !
- هل بلقيس ملكة سبأ كوشية! بقلم سعد عثمان
- ها جاء أوان عقد المقارنات وتقييم حكومة ولاية البحر الاحمر الجديدة بقلم أدروب سيدنا اونور
- الترابي شاهد عيان علي انقلاب الاخوان علي الجيش في السودان بقلم محمد فضل علي.. كندا
- الغبينة قادت عمر البشير للانضمام إلى المتأسلمين في عام 1981! بقلم عثمان محمد حسن
- من يحكم مصر ؟! ..الرئيس السيسي أم المخابرات المصرية /بقلم جمال السراج/ للأذكياء فقط
- كلمات خطيرة على عقيدة التوحيد .. يجب اجتنابها .. بقلم د. موفق مصطفى السباعي
- ما قصة الخازن والإمارات والرئيس مع الحياة اللندنية؟ بقلم د. فايز أبو شمالة
- نقل العاصمة ..!! بقلم الطاهر ساتي
- عودة إلى حديث الرياضة بقلم فيصل محمد صالح
- كفاية.. الحرب.. كفاية..!! بقلم عثمان ميرغني
- خرج الحبيب ولم يعد .. !! بقلم عبد الباقى الظافر
- شهامة (وسخة) !!! بقلم الطيب مصطفى
- دكتور حيدر إبراهيم : إلى شفاء مأمول
- الى متى يبقى السودان عالقاً في فخ الازمة . . ! بقلم الطيب الزين
- أين كان عابدين الطاهر يوم اعتقالنا في العام 2007م ؟ الحلقة رقم (1) بقلم بكري يوسف *
- الخليج و السودان و حصار الأزمات بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
- هل يسعى رئيس الحكومة عبدالاله بنكيران إلى احياء الكتلة الوطنية ؟ بقلم انغير بوبكر
- بدلاً من الموت المجاني بالداخل والموت المكلف بالمحيطات بقلم نورالدين مدني
- مَرْكَز أبوجبيهة رشَاد للانتاج و الابحاث الْبُسْتَانِيَّة بقلم محمد عبد الرحيم سيد أحمد
- الأنتباهة تتصدر الصحف الأكثر توزيعا , فمن الذي يشتريها ....؟ بقلم المثني ابراهيم بحر
- عملاءٌ فلسطينيون مذنبون أبرياء بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ما يجهله وما يعرفه خير الله بقلم نبيل أديب (Re: نبيل أديب عبدالله)
|
يا استاذنا الجليل نحن تلاميذ نتعلم من حروفك المطبوعة على الصحف الورقية او وسائط الاسافير . اتذكر دائماً عندما اسمعك تتكلم او اقرأ لك , ذلك القديس فى محراب القانون والسياسة " احمد نبيل الهلالى " . كلاكما كان الفكر وساحات القضاء بالنسبة له , هدفاً لاحقاق الحق وبسط قواعد العدل والعدالة . ربنا لا يحرمنا منك , ولا يحرمنا من اضاءات عقلك النير فى اضاءة طريق تشابه فيه البقر علينا . لك العمر المديد .. وموفور الصحة والعافية . تلميذك / شاهين .
| |
|
|
|
|
|
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
|
|