عودة إلى حديث عن التعصب الرياضي، فقد وصلتني ردود فعل متنوعة ومختلفة، منها ما تساءل مباشرة: مالك ومال الرياضة؟، ومنها ما حذَّرني من الدخول في عش الدبابير، ومنها ما دخل في مناقشة الأفكار- اتفاقا أو اختلافا معها. كتبت ما كتبت متحسراً على الأوضاع التي وصلتها الصحافة الرياضية، وروح التعصب الأعمى الذي ساد الوسط الرياضي، وطالبت بتدخل العقلاء، حددت بعضهم بالاسم، وقد اتصل بي الأستاذ أحمد محمد الحسن محيياً ومتفقاً في كثير مما كتبت. وناقشني صحفي رياضي كبير وصديق مختلفاً مع ما قلته- ورغم أنني لم أستاذنه في النشر- لكن أظن أن النقاط التي أوردها تستحق النقاش، رد أولاً بنفي مسؤولية الصحافة الرياضية عن التعصب والمهاترات بين أنصار الفريقين، قائلاً: إنها موجودة منذ أول مباراة لفريقي الهلال والمريخ، واستمرت سنوات طويلة لم تكن الصحافة الرياضية موجودة فيها، كما دعا إلى التفريق بين الصحف الرياضية- فليست كلها سواء. ثم أضاف أن التعصب ليس كله شراً، وأنه لولا تعصب مشجعي الهلال والمريخ لما بقيت للكرة السودانية باقية، فمستواها "مش ولا بد" وهي ليست أفضل من الكرة في بلاد كثيرة، وكان يمكن أن ينصرف عنها الناس- تماماً- لمتابعة الكرة العالمية التي تفوقها بمراحل، لكن التعصب هو الذي يبقي هذه الجذوة حية، ويجعل الجماهير تصطف منذ النهار القائظ لتدخل الإستادات، في وقت نرى بلاداً حولنا تستجلب أكبر نجوم العالم لفرقها، رغم هذا نرى الملاعب خالية من الجمهور. ثم انتقل للقول إن معظم مشجعي الهلال والمريخ لا يمكن أن يشجعوا الفريق الآخر- مهما كان- ولا داعٍ للاندفاع وتجريدهم من الوطنية لهذا السبب، ولنحتفظ بصفة الوطنية للفريق القومي- فقط- أما الهلال والمريخ فأحيانا يكون معظم لاعبيهم من الأجانب المحترفين. ولست مختلفاً مع الرجل في حق الجماهير في عشق ناديها- إلى أي حد- كل ما قلته هو خطورة التعصب الذي يؤدي إلى معاملة الفريق الآخر بأنه العدو اللدود، لدرجة الذهاب إلى المطار لمقابلة فريق أجنبي سيلاقي فريق سوداني، وإشهار مساندته، أو السخرية الجارحة من جماهير الفريق الآخر إن خسروا مباراة مع فريق أجنبي، لم أجد أي منطق يمكن أن يبرر هذا الفعل، أو يحول مباراة الفريقين إلى حرب أهلية، كما رأينا في الشقيقة مصر، التي وصلت إلى مرحلة سقوط عشرات الضحايا الأبرياء. وأجدني متفقاً معه على أن ليست كل الصحف الرياضية سواء، ولا الصحفيين الرياضيين كذلك، ولهذا أجدني معترضا على تدخل الدولة بالإغلاق والمصادرة، ولهذا دعوت إلى فعل يأتي من داخل الحركة الرياضية- نفسها- لتصحيح الأوضاع. كلما كانت الصحافة تملك آليات للضبط الذاتي، تنطلق من قيم مهنية ووطنية حقة، كان ذلك أكثر جلبا للاحترام، وأكثر إبعادا للتدخل الحكومي السافر، الذي يمكن أن يتعدى حدود التصحيح لكبت الحريات ومصادرة حق التعبير. وما زال أملنا في عقلاء الوسط الرياضي قائماً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة