يُعاني الجسد الفلسطيني من طفيليات مُدمرة وإلتهابات وأورام نفسية تولدت فيه دون وعي، مما أدى إلى إنحراف البوصلة الوطنية الفلسطينية التي طالما كانت وجهتها ثابتة نحو الإحتلال الصهيوني وكيفية إزالته. تولدت عُقدات فلسطينية عديدة على مر العقود الماضية، ومن منطلق مقولة جوليان أسانج «كلما توغلت السلطة، احتجنا إلى شفافية أكثر» فإنه من الضروري أن نتوغل في البحث عن العُقدات الفلسطينية الناجمة عن ممارسات كل من يملك أي شكل من أشكال السلطة في فلسطين سواء على المستوى الرسمي، الأهلي أو الأحزاب الفلسطينية المختلفة. من أبرز العقد السلطوية الفلسطينية هي عُقدة (كرونوس) وهي عقدة الأب الذي يظلم أولاده ويسحق شخصيتهم أو يمنعهم من التحرر. ويطلق على هذه المعضلة النفسية بحالة الأب المفترس أو الخاصي، وفي الحالة الفلسطينية فإن عقدة (كرونوس) وصلت كافة أشطار الوطن، فإفتراس أفكار الناس ومنعهم من تحريرها قولاً وفعلاً تصب في قلب عقدة (كرونوس). يُذكر أيضاً عقدة (جهوقا) وهي تعني الاعتقاد بأننا أعظم من كل البشر، والميل إلى اتخاذ مكان إلى جانب الله عز وجل، فيعتقد الشخص المصاب بهذه العقدة بأنه يتكلف بمهام الله أو الساعد الأيمن له. وأن كل تصرفاته ناتجة عن الإرادة الإلهية، وفلسطينياً فإن هذه العقدة يمكن لمسها بشكل واضح لدى حركة حماس التي ترى نفسها جندي الله على الأرض، وتستخدم الدين كسلعة أو ذريعة تبرر فيها كافة تصرفاتها الإجرامية على الساحة الفلسطينية. لا يمكن هنا إغفال عقــدة (برجــوديـس) والتي تتعلق بكل أولئك الذين يضمرون حقداً وكراهية عميقة لمن يخالفوهم في الانتماء الطائفي أو الديني أو الحزبي ويعمدون إلى شتمهم وسبهم وحتى ضربهم من دون أي أسباب وجيهة. إلى جانب هذه العُقد هناك عقــدة (قـــابيـــل) والتي تنشأ أثناء التنافس العدائي على نفس الهدف، ويمكن تلخيصها في كره كل منافس أو زميل أو شخص يبدو أنه سيتفوق علينا فنلجأ لردود عدوانية، كالسب أو التحقير والتشويه أو الاستهزاء. إن هذه العُقد الثلاثة تتجلى بوضوح في يوميات الصراع الطبقي والفتحوحمساوي التي أصبحت واقعاً يتعايش معه الجسد الفلسطيني بمرارة شديدة. أما بخصوص تأثير العُقدات السلطوية على المستوى الشعبي، فقد أفرزت هذه العُقدات عُقدات ثانوية أثرت في شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني، فقد تولدت على سبيل المثال عقــدة (المستقبــل) وهي الخوف المستمر مما يخبئه الغد من دون وجود مبررات، فالمصاب بهذه العقدة يتوقع الأسوأ على الدوام مهما كانت الظروف الحياتية. للأسف نرى الكثيرون يعيشون حالة إحباط وتشاؤم دائم، وفي هذا خطر جدي لا يُستخف به، فهذا هو الهدف من وراء السياسات الحيوية الإسرائيلية المختلفة، ألا وهو ترويض الفلسطيني وتطييعه وجعله يتقبل الواقع المرسوم أمامه والتصرف طوعاً كما هو مُتوقع منه. ومن جانب آخر فإن اضطهاد الجهات الفلسطينية المختلفة المسؤولة للمواطن الفلسطيني يعتبر عامل مهم من عوامل توليد عقدة الخوف من المستقبل وغيرها من العُقد الضارة. سلبت إسرائيل 85% من أرض فلسطين ولم يبتقى للفلسطينيين سوى 15% ، وفي المقابل فإن استشهاد القائد ياسر عرفات و بروز الإنقسام الفلسطيني خلق واقعاً جديداً لم يعتد عليه الجسد الفلسطيني. لازمت القائد ياسر عرفات عُقدة (تحمل المسؤولية) وهي عقدة تصيب الفرد الذي يعتقد أنه مجبر على القيام بكل الأعمال. وأنه مسؤول عن كل شيء فتتضاعف مهماته ولا يسند أي عمل للآخرين وتظهر بشكل أكبر عند الأخت أو الأخ الأكبر. حقاً.. لقد كان ياسر عرفات الأخ الأكبر لكل أبناء الشعب الفلسطيني، ومن هنا فإنه لا بد أن يكون هناك مساعٍ فلسطينية من شأنها تعزيز هذه العُقدة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، فإن وجدت هذه العُقدة وتعممت فإنها من الممكن أن تكسر حواجز كل هذه العُقد الضارة التي تواجهنا. لا يمكن تحقيق أهداف هذه المساعِ إلا من خلال تصدير أجندة فلسطينية تعزز هذه العُقدة وفقاً لإستراتيجية شاملة سواء في العمل العسكري المقاوم، العمل السياسي المتوازن أو العمل الشعبي المتراصن. ختاماً لا أحلم سوى أن أُصاب أنا وكل فلسطيني بعقدة (تحمل المسؤولية)، وأن نتوقف عن التفكير في ولاءاتنا إلى هذا الحزب أو ذاك، فلا يكون الولاء سوى لفلسطين موطن الأحرار والمناضلين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة