هل هي مُصادفة ،أن يكون رؤساء السودان، من البديرية..؟
الصُّدفة لا يمكن أن تتكرر مرّةً بعد أُخرى، خلال 50 سنة..! من الزعيم أزهري، إلى الفريق عبود، إلى المشير سوار الذّهب، إلى الجزولي دفع الله، إلى الشيخ الترابي، إلى الرئيس البشير،، كلهم بديرية..كيف اتَّفَق لهم الحُكم دون بقية المكونات الاجتماعية الأُخرى، وهل "سيطرتهم" على المقاليد ،هو السبب في فشل أداة الحكم..؟
ليست مصادفة ، إنّه الواقع الذي نغُض الطرف عنه.
إنّها مُلاحظة جديرة بالإهتمام، فهي صحيحة معلوماتياً، لكنها ليست ذات قيمة كبيرة على المستوى السياسي، وربما كان طرحها ضاراً، وجالباً لظنون عنصرية الفَحوى، لأن محاكمة الأزمة السودانية وتحليلها من منظور قبلي، ربما يذهب بنا إلى مذاهِب أهل الكتاب الأسود،، مع العلم بأن ذلك الكتاب، ليس كله غلواء، بل يحوي الكثير من الحقائق..ولكن، هب أن رئيس السودان قد جاء من الشرق أو من دارفور، أو من بحر أبيض، هل هذا يغيّر المعطيات التي قادت الى الفشل..؟
الحكم في السودان يشوبه تعقيدات الظروف المجتمعية والثقافية، وظاهرة الفشل السياسي لا تخرج عن السياق العام لتاريخ السودان، وضمن الفشل الثورة المهدية ذاتها..
إذا سلمنا بصحة هذه المُصادفة / المُلاحظة، فإن فشل النخبة ــ البديرية ــ في محيط السياسة، يعود الى أنهم أحرزوا بعض النجاح في الحكم، في مستوياته الدنيا ، التي تعتمد على طلب النُصح و المشورة و إستخدام الطقس الديني في تهدئة النفوس..ثم لما صار الحكم مهنة امتهنونا،وأخذوا عليها المواهي، وابتعدوا عن جوهرية : "اتّبِعوا من لا يسألُكم أجراً وهم مُهتدون"، ذهبت بركتهم، فأضحى فشلهم واضحاً، مثل شواهد القبور.
من المشهور عن البديرية أنهم أهل علم وتدريس وفقه..ربما جرّهُم ذلك للتحكيم والحكم في مستوياته الدنيا، وبرغبة الناس ورضاهم في الغالب، ثم بالتمرُّس ، زحفوا تدريجيا في المدارج، سواء بالتي هي أحسن، أو بالتي هي أنحس، عندما انخرط أبناؤهم في الجيش تقليداً للشايقية...
وهنا نعود بكم إلى نظرية إبن خلدون، حيث أن "المغلوب يقلِّد الغالِب"... البديرية الدهمشية في الشمال النيلي،أكتووا من سُلطة الشايقية إبان الحكم التركي، ولذلك سعوا إلى تقليدهم،فكانوا مثلهم "سناجك".
ولم يكتفوا بذلك، بل استلفوا طنابيرهم و ثقافتهم.. ومع ذلك، فإن البديري، إن قلت له :"إنت شايقي" يزعل منّك.. العسكرية هي ورثة الدّهمشية من مجاراة ومجاورة الشايقية، كما أن انخراطهم في الخدمة المدنية كان مُبكِرا، بحكم إنتشار التعليم في منطقتهم النيلية الهادئة، التي يمكن تحديدها جغرافياً بعبارة واحدة هي "منحنى النيل"..من جهة أُخرى، يقوم سؤال: هل البديرية قبيلة، أم هُم في الحقيقة، طلائع برجوازية الوسط النيلي..؟
الشاهد أن البديرية، الذين يتناثرون في المدن وبين النيل وصحراء كردفان، هم أكثر مجموعة سكانية لا تعتد بالإنتماء القبلي،وهناك من ينظر إليهم كـ "هامِش"، أو أقلية.. ولكن وِقاية الله ، تضع سرّها في الأقليات، فمثل الذي يَعتَوِرَنا ، يحدث في جارتنا اثيوبيا، التي يتمتع فيها الأرومو بالأغلبية، لكن كل الرؤساء من الأقليات :هيلاسلاسي ومنقستو من الأمهرا..مِليس زناوي من التقراي.. ديستلين من القبائل المهمشة المتاخمة لجنوب السودان..
هذه الملاحظة لا تنحصر في أداة الحُكم، وهي ليست مشكلة الرؤساء وحدهم..السودان يحتاج إلى عمل توعوي ضخم لعلاج هذه الإشكالات الإجتماعية التي تضرب بالقيم الأخرى، عرض صحراء العتمور... شئنا أم أبينا، نحن لم نزل مجتمعاً تقليدياً تكبِّله أوتاد القبيلة عن الانطلاق نحو براح الدولة.. إن تحرر بعضنا من وشوم القبيلة، فأن طقسها يغوص في الوعي، بأكثر مما غاصت العقدية والثقافات القديمة... جُرحنا الدّامي هو، أن جماعة الإسلام السياسي، جمعت بين هذه وتلك: جمعوا بين العَقَدية والجهوية، فلم يتركوا لنا ما نقول..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة