راودتني كثيرا رغبة في كتابة السيرة الذاتية للشيخ الراحل حسن الترابي.. طرقت الباب اكثر من مرة ولم يكن الشيخ يرفض الا انه كان يتأنى ..لاحقا ادركت السبب.. الشيخ بوعيه السياسي أودع الأمانة لمؤسسة قناة الجزيرة وجعلها بين يدي رجل حاذق هو الاستاذ احمد منصور..في هذه اللحظة احترمت خيارات الشيخ..ما كان بوسع كل اجهزتنا الاعلامية احتمال صراحة الشيخ وكشفه الغطاء عن كل المستور. ثمة ملاحظة ان ذاكرة الشيخ لم تكن في كامل الفاعلية ولكنها كانت شفافة تماماً..كان العارف بالله يدرك ان تلك شهادته للتاريخ فقالها ومضى..الملاحظة الثانية ان مفهوم (السوبر تنظيم) كان موجودا من الايام الاولى للانقاذ..حيث تراس الشيخ مجلس الثمانية الكبار وكان تركيز عامة الناس على المجلس الاربعيني ..مجلس قيادة الثورة العسكري كان جهازا ديكوريا سرعان ما انفرط عقده بعد ان أدرك بعض كبار الجنرالات ان القلم ليس بيدهم فانصرف منهم من انصرف واستمر بعضهم تحت قاعدة الرضا بالمقسوم عبادة . اعترافات شيخ حسن في برنامج شاهد على العصر حوت معلومات دقيقة ومفصلة.. اقر الشيخ بان هنالك ثمة اخطاء عظيمة ارتكبها قادة كبار في الانقاذ..الان بوسع هؤلاء ان يدافعوا عن انفسهم ويبعدوا الشبهات..الصمت في حده الأدنى اقرار بهذه الوقائع..بعد ذلك هنالك اهمية قصوى للمحاسبة الادبية.. كيف لمن ارتكبوا هذه الأخطاء ان يتصدروا المجالس ويقودوا الناس..القيادة تحت تاثير الأخطاء الجسيمة تجعل القائد متخبطا يبحث عن الأمان الذاتي ولا يقوى على اتخاذ القرارات الكبيرة التي فيها صالح الشعب..بل دائماً يكون عرضة للابتزاز الشخصي. هذا الواقع يفسر لماذا تاهت الانقاذ عن المسار المرسوم والبيعة المعقودة ..كانت رحلة الثورة مخطط لها ان تكون قصيرة..خطوات تنظيم وبعدها يعود الحكم الى الشارع.. لم يحدث ذلك ..بل ان كابينة القيادة كانت تضيق يوما بعد يوم..تراجعت الانقاذ من مشروع فكري الى ممارسة سلطوية تعتمد على رزق اليوم باليوم..في هذه اللحظة لا يستطيع اي خبير استراتيجي التنبؤ بمصير الفكرة التي غرسها الشيخ ثم فقد السيطرة عليها. في تقديري..كل القضايا التي اثارها الشيخ الترابي تستحق ان تعقد حولها ورش وسمنارات..شهادة الترابي اكد ان دور الأفراد مهما تعاظم يظل قاصرا اذا ما لم توجد مؤسسات حقيقية..الحقيقة الاخرى ان المسكوت عنه في حاضرنا يشيب من هوله الولدان..الأهم من ذلك حديث الترابي يجب ان يحفز كل صناع القرار في بلدي على تدوين سيرتهم قبل الرحيل..ماذا لو ذهب الشيخ وكل تلك الأسرار في قلبه..بالإمكان ان يشترط راوي التاريخ اجل معين لنشر سيرته الذاتية وتوثيقه للأحداث . بصراحة.. ان ما قدمه الاستاذ احمد منصور في حواره مع الشيخ حسن الترابي يستحق عليه نوط الواجب من الدرجة الاولى..احمد منصور اهدى لنا عيوبنا وكشف لنا سجل النصر والانكسارات.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة