بعثت الأستاذة/ سهير عبد الرحيم برسالة لعناية رئيس القضاة قرأتُها في صحيفة الراكوبة الاليكترونية.. سردت فيها معانة المتقاضين اللاهثين وراء حقوق لهم مهضومة.. و تأجيل القضايا.. و أساليب محامي الدفاع في التأجيل و ما إلى ذلك.. و اختتمت رسالتها بطلب بسيط:-
" السيد رئيس القضاة، لا بد من إيجاد آلية لحفظ هيبة القضاة، ورفع سرعة ومستوى الأداء؛ وذلك من خلال سرعة الحسم والبت في الملفات والقضايا التي لا تقبل التأجيل." قرأتُ الرسالة و رجعتُ إلى عالم المحاكم المظلم..! و لكن...
تحدثتُ في الحلقة الأولى عن العدالة في أمريكا.. و أن أمريكا دولة مؤسسات.. فيها تبحث العدالة عن حقك في كل الأوقات لتعطيك إياه.. أما في السودان، فتتلاشى المؤسسية.. و يتلاشى الفصل بين السلطات.. بل و تتلاشى الدولة داخل الحكومة .. و لا عجب إذا أنتج نظام الانقاذ هذه العدالة العاجزة..
و ذكرت في الحلقة الثنية ما يحدث في ساحات القضاء من فوضى ( منظمة) تولد العدالة العاجزة.. لأن الحكومة أرادت لها أن تكون كذلك.. و عن لزوم ما لا يلزم في مقاضاة الوحدات الحكومية.. و تأجيل الأحكام.. و ما بعد الأحكام إذا كانت في غبر صالح الوحدات الحكومية ! و فوضى في الأوراق.. و الملفات بما لا يبشر بالإنجاز و العدالة.. فكلها فوضى تولد العدالة العاجزة.. لأن الحكومة لا تتوخى العدالة أصلاً..
هذا، و أول ما تشاهده في المحاكم أن المكاتب المعينة مكتظة بالدواليب.. و الدواليب مكتظة بالملفات.. و الملفات مكتظة بالأوراق.. و الوصول إلى ورقة ما- ( إذن مقاضاة) من وزارة العدل مثلاً.. أو ( إذن إخطار) من المحكمة العليا ( لتنفيذ الحكم)، مثلاً- أمر قد يستغرق أكثر من يومين كما حدث لي عند البحث عن ( إخطار) من المحكمة العليا عبر الجهاز القضائي ل( تنفيذ) حكم المحكمة.. فقد أفادتني المحكمة العليا أنها بعثت بال ( إخطار) إلى الجهاز قبل أيام.. و بدأ البحث عن الاخطار في عدد من دفاتر تسجيل الخطابات الصادرة و الواردة ( السيرك) في غياب الموظف المسئول عن المراسلات ذات الصلة.. و ظلوا يطمئنوني بأن الموظف سوف يصل و تمر الساعات دون أن يصل.. و يحدث نفس الأمر في اليوم التالي، إلا أن الموظف وصل متأخراً جداً ليحل لغز ( الاخطار) المفقود.. تحتاج هذه المكاتب إلى معينات إليكترونية لحفظ المعلومات Database.. و شبكة اتصال داخلية Intranet لتسهيل تبادل المعلومات فيما بين الأجهزة العدلية.. و يا ليت الأمر يمتد إلى خلق حكومة إليكترونية للتواصل مع الجهات الأخرى ذات الصلة.. نعم، و يتنوع هدر أموال المتقاضين.. ابتداءً بالدمغات التي عليهم دفعها.. و من ضمنها دمغات يدفعونها دون أن يعرفوا لماذا يدفعون مثل : دمغة ( الجريح) و دمغة ( حماية الوطن).. و تتصل بها مبالغ تتراوح بين ( 20 - 50) جنيهاً يدفعها الفرد الشاكي للمعلن نظير أخذ الاعلانات إلى موقع عمل الوزارة أو أي وحدة أخرى كل مرة يُضطر فيها لإعلان الوحدة الحكومية ( المماطلة) بالجلسة.. فتصور كم يدفع الشاكي الذي تستمر قضيته لمدة 3-4 سنوات.. مع كثرة تسويف مستشاري الوحدات الحكومية.. و كثرة الاعلانات.. إن مسلسل تعويق العدالة يبدأ بطلب ( إذن مقاضاة) من ( وزارة العدل).. مروراً ب (إخطار المحكمة العليا) كي تبعث بإخطار إلى ( محكمة العمل) بواسطة ( الجهاز القضائي) لتنفيذ الحكم!
أي عجز في العدالة أكثر من هذا؟ أي عجز يا مولانا وزير العدل؟! تم النطق بالحكم في القضية يوم 8\5 \2014 و تقرر (قانوناً) أن تكون جلسة السداد يوم 17\9 \ 2014...أي بعد مرور اربعة أشهر و نيف.. و في يوم 23\9 قررت المحكمة الحجز على بعض ( منقولات) الوزارة.. و طلب مني القاضي أن أجيئه بأرقام سيارات الوزارة.. و تم الحجز على إحداها، حجزاً كان افتراضياً فقط،.. لأن السيارة واصلت عملها دون توقف! أَ وَ ليست سيارة الحكومة؟ و الحكومة حكومة المؤتمر الوطني؟ إذن، لا أحد يستطيع إيقافها و القضاء مكبَّل بتشريعات برلمانٍ يشرِّع للظلم مع سبق الاصرار و الترصد..
لكن بالصبر، و بمعاونة آخر مستشار حل بالوزارة و كانت تصرفاته مغايرة لتصرفات المستشارين الخمسة الذين واجهتهم في القضية.. إذ كان ( خصماً نزيهاً) بالفعل..
لقد تمكنت من استعادة حقوقي من فم حكومة القلِع و الخَبِت.. حكومة التماسيح العشارية.. حمانا الله من شرورها و وقَّى السودان من اسقاطات أفعالها داخلياً و خارجياً.. إننا في السودان ( الغابة) نعاني انعدام العدل و المساواة معاناة فظيعة.. و كل شيئ يسير على ( الحُرُكْرُك!).. كل شيئ.. حتى ملفات القضايا تصبح مشكلة عصية على الحل أحياناً.. فكم من ملف تم إخفاؤه.. لتمييع قضايا ما.. و كم من ورقة مهمة اختفت دون أن يُعثر عليها.. و كل مرة يواجهني عن ظلم أسمع عن ظلم ما في السودان، تعود بي الذاكرة إلى البروفسير ( باراساد)، أستاذنا بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم حين تقرر فصله من الجامعة إبان مذبحة الأساتذة الشهيرة بالجامعة.. فحين تحسرنا كثيراً على فصله، طمأننا أنه بخير.. و أنه اقٌتصاديٌّ مبتدئ، إلا أنه محامٍ بالفطرة.. و يستحيل على المحامي العيش في
الغابة لأن الغابات تفتقر إلى القانون :- I am an amateur economist, but a lawyer by nature, a lawyer cannot live in a jungle because jungles have no law! لست متأكداً من أن بمكنة وزير العدل أن ينظف الغابة من الوحوش الضارية المتربصة من وراء ( الشجرة) الخبيثة بحقوق السودانيين.. لست متأكداً يا سهير!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة